IMLebanon

أوراق سياسية تطفو على وجه الأحداث في البلاد

أزمة قانون الانتخابات النيابية ثلاثية الأبعاد

وآفاق الحلّ مرتقبة قبل التمديد الثالث للبرلمان

كانوا ثلاثة والرابع في خبر كان، وقف الرئيس حسين الحسيني حائرا، من يكون الرئيس الغائب. ومن سيخلف في قيادة البلاد.

كان الرئيس رينه معوض لا يزال في اهدن، وقرر العودة الى العاصمة، عشيّة عيد الاستقلال.

قبل انتقاله الى بيروت، ليرئس احتفالات عيد الاستقلال في القصر الحكومي المجاور لوزارة الاعلام، المقر الحالي لوزارة الداخلية الآن. اتصل الرئيس معوض من عاصمة مصايف الشمال، بالرئيس سليمان فرنجيه وقال له انه يريد وداعه قبل مغادرته الى العاصمة، لكن الرئيس فرنجيه تمنى عليه البقاء في اهدن، واستدعاء من يشاء من المسؤولين اليه، كما كان يفعل شخصيا إبان فصل الصيف. لكن الوداع الصعب حصل، وغادر الرئيس الجديد لجمهورية لبنان، الأيام العشرة تقريبا، الفاصلة عن مؤتمر اتفاق الطائف والحضور الى المقر الذي تركه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لمن يكون رئيسا للدولة، ويبدو ان الممسكين بتلابيب الأمور، قد بدأوا حرب الاستشهادات في شوارع لبنان، فاغتالوا الرئيس معوض، وكرّت السبحة.

كان رئيس الحكومة الجديد عمر كرامي قد عقد العزم على القيام بجولة عربية، ونصحوه أن تكون البداية من السعودية.

في الرياض رتّبوا له المواعيد فزار العاصمة الرياض، وانتقل الى جدّه ووجد ان رجلا نافذا في بيروت، كان يرتّب له مواعيد لزيارة قطر، لكن قبل مغادرته الرياض، استطاع رئيس مجلس الوزراء اللبناني، مقابلة المسؤولين، ولكن من دون رعاية سعودية للجولة العربية الأولى لرئيس الحكومة الجديد. كان طيف الرئيس الشهيد رفيق الحريري في كل مكان.

ويبدو ان بعض القوى كانت تريد التجديد لنظام الترويكا الرئاسية، بحيث يتناوب الرؤساء الثلاثة على قيادة الحكم، مع الاحتفاظ بخلافات في ما بينهم، ليأتي فريق ثالث ويصالحهم.

لكن، بعد عودة الرئيس عمر كرامي الى بيروت، لم تعد القيادة الى رئاسة الحكومة، وظلت القيادة السورية تمنع الرئيس رفيق الحريري من أخذ صلاحيات استثنائية، وظلّ رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة يشاركان رئيس الجمهورية في القيادة السياسية للبلاد.

إلاّ أن مبادرة جديدة طرأت على البلاد، وأصبح التمديد عنوانا لكل ولاية رئاسية أساسية، وأصبح الرئيس الياس الهراوي يحكم تسع سنوات بدلا من ست، وهكذا دواليك مع الرئيس اميل لحود.

وحده الرئيس ميشال سليمان أراد التجديد لا التمديد لست سنوات، فطار العصفور الرئاسي من يديه، وحكم ست سنوات فقط.

الآن تبدّلت الأمور. ووصل الرئيس ميشال عون الى السدّة الأولى، بعد صراع عميق مع ١٤ آذار، وخلاف، مع الرئيس سعد الحريري، وتوافق مع الرئيس نبيه بري.

صحيح، ان الجمهورية، أصبحت في أيد نظيفة، وبوجوه جديدة، لكن التوافق هو الشعار الحقيقي لأركان الحكم الجديد.

ومع بدايات تطبيق الطائف بات الحكم موزعا بين سلطة الرئيس الجديد للجمهورية والسلطة الباقية في يد الرئيسين، نبيه بري وسعد الحريري، والمستقبل حافل بالغموض.

عودة الى الجمهورية

ولكن، ماذا بعد العودة الى الجمهورية التائهة في أيّام التغيير والتجميد.

الحكم ماض الآن، في لعبة التغيير، بين القديم والحديث، والسؤال المطروح الآن: لبنان الى أين؟ هل هو أمام تمديد ثالث لمجلس النواب الحالي، أم أمام قانون جديد للانتخابات يضع نهاية لتمديد ثالث؟

رئيس الجمهورية الجديد العماد ميشال عون، فعل ما لم يفعله الآخرون، فقد استعمل للمرة الأولى صلاحياته الدستورية، وقرر عدم التجديد للمجلس النيابي، وعطّل أعمال المجلس النيابي شهرا، أي الى ١٥ أيار المقبل، وحدّد عمل المجلس النيابي فقط بدرس وإقرار قانون جديد للانتخابات النيابية.

ولا يمضي يوم إلاّ، ويؤكد فيه الرئيس ميشال عون، انه سيكون قريبا قانون انتخابي جديد. وقبل ولادة مشروع القانون الجديد، فاجأ النائب غازي العريضي اللبنانيين، باسم الوزير السابق والنائب وليد جنبلاط، باعلان مشروع انتخابي، باسم اللقاء الديمقراطي يقوم في خطوطه العريضة، على انتخاب ٦٥ نائبا على القانون الأكثري و٦٥ نائبا على القانون النسبي.

وينطوي المشروع على توزيعات جديدة، للمقاعد النيابية، بعد بروز تباينات محدودة حول القوانين الأخرى وفي مقدمتها مشروع القانون الذي أعدّه وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ومشروع القانون المطبوخ في تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، والحزب التقدمي الاشتراكي قبل بروز المشروع الذي عرضه امس الأحد الوزير السابق النائب غازي العريضي. والذي أشاد فيه بالمشروع المعروض من حزب الكتائب اللبنانية. ويبدو انه للمرة الأولى يعلن الجنبلاطيون تفاهمهم مع الكتائب اللبنانية، على مشروع عام في البلاد.

وهكذا فتح الأساسيون في البرلمان أبواب البحث الجدّي عن قانون جدّي، بغض النظر عن الأسباب المغايرة.

وهكذا تكون الجمهورية أمام ثلاثة مشاريع قوانين: واحد يعدّه ولم يعلنه بعد، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مشروع ثان يعدّه ولم يعلنه بعد الرئيس نبيه بري وثالث أنجزه وأعلنه النائب غازي العريضي باسم اللقاء الديمقراطي الذي يتزعمه النائب وليد جنبلاط.

ولا أحد يدري بعد، عدد المشاريع الأخرى، لأن في الأوساط النيابية، مشاريع غامضة تستّر وراءها نيّات ترمي الى التمديد الثالث لقانون الستين المرفوض من الجميع والمقبول أيضا من الجميع.

هل ما يجري هو نهاية للحياة النيابية في النظام البرلماني، أم بداية مشاريع غامضة لمشاريع تهدف الى تصفية الحياة الديمقراطية أو تعليق أو تجميد الحياة البرلمانية في البلاد.

يورد الوزير السابق المرحوم فؤاد بطرس، والكاتب السياسي نقولا ناصيف، في كتاب جمهورية فؤاد شهاب معلومات دقيقة تجعل تصرفات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة متشابهتين في الرأي والرؤية.

وفي رأي معظم السياسيين، ان ما كان يحدث إبان عصر فؤاد شهاب وخلال أيام الرئيس رشيد كرامي، غير ما يحدث هذه الأيام، والاثنان في تصرفهما شبيهان بما يحدث الآن، بين الرئيس العماد ميشال عون، ورئيس الحكومة سعد الحريري، على الرغم من الفارق الكبير في العمر، بين رجلين التقيا في ظروف قيامة الدولة، ولكل منهما رأيه ووجهات نظره، كما ان لكل منهما حلفاءه ووجهات نظره، وهذا أمر طبيعي لأن تكتلهما السياسي أتى من بيئة سياسية مختلفة.

وهذا ليس غريبا، لأن العماد ميشال عون آتٍ من مؤسسة عسكرية ذات نهج سياسي مغاير لما هو شائع، كما ان عامل الصدفة جعل الرئيس سعد الحريري وريثا لوالده الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

قبل استشهاده ببضع سنوات توجه الرئيس رفيق الحريري الى موسكو، ومعه وفد ضخم ضمّ قرابة الثمانين شخصا. وعندما وصل الى الساحة الحمراء صعد وحده الى الكرملين للاجتماع الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبعد محادثات استمرت ساعتين ودّع الرئيس الحريري القيصر الروسي لأنه سيغادر موسكو الى الرياض، إلاّ أن الرئيس بوتين فاجأه بأنه باق في العاصمة الروسية، لأن وزير الدفاع الأميركي في طريقه الى العاصمة التي هزمت القائد النازي هتلر، لأن ثلوج موسكو كانت أقوى من الدبابات الألمانية.

ويبدو ان بعض الحوادث، تصنع مستقبل الرجال غالبا. في العام ١٩٤٧، رافق قائد الجيش في لبنان فؤاد شهاب، وزير الدفاع الوطني الأمير مجيد ارسلان، لتفقد المدرسة الحربية، إلاّ أن الأمير الارسلاني سأل رئيس المحكمة العسكرية العقيد جان عزيز غازي والمدعي العام ميشال تلحمي وقاضي التحقيق العسكري فؤاد بطرس عن شخص أوقف. وماذا كان ينبغي له ان يفعل لاطلاقه، لم يُجب رئيس المحكمة العسكرية ولا المدعي العام، على تساؤل الأمير، وتركوا الجواب للقاضي فؤاد بطرس المنتدب من محكمة التجارة المختلطة في بيروت.

ردّ فؤاد بطرس: معالي الوزير ان المحكمة قامت بواجبها، وأنت لا تستطيع ان تفعل شيئا، فقط يمكنك لفت نظر المدعي العام، وهو يرى في حال اقتناعه ان يخلي الموقوف، ثم يحيل القرار الى قاضي التحقيق.

وعقب الوزير ارسلان: أي انت؟

أجاب: فؤاد بطرس: نعم.

سأله وزير الدفاع: ألا أستطيع التحدث اليك مباشرة.

ردّ: بحسب الأصول لا، لأنني قاض جالس. واذا ما فعلت تكون تتدخل في القضاء وذلك إخلال بمبدأ فصل السلطات، لذلك، عليك التكلم مع النيابة العامة وليس معي أنا.

بعد ١٣ عاما تقريبا، التقى فؤاد شهاب الوزير بطرس للمرة الثانية، عندما تردد اسمه وزيرا محتملا للدخول في حكومة الرئيس رشيد كرامي، بعد استقالة العميد ريمون اده من الحكومة الرباعية التي تألفت بعد الثورة المضادة التي قادها الشيخ بيار الجميّل، عقب خطف الكاتب السياسي فؤاد حداد المناوئ لجمال عبدالناصر، في جريدة العمل، والذي كان يكتب مقالا يوميا يوقّعه باسم أبو الحنّ والذي أدى الى إقفال المنطقة الشرقية أياما عديدة، ما حمل الرئيس المنتهية ولايته كميل شمعون، على مؤازرة رئيس حزب الكتائب.

يومئذ لم يكن الرئيس فؤاد شهاب، مرتاحا الى انهيار الحكومة الرباعية التي اقترحها العميد ريمون اده، من الرئيسين رشيد كرامي وحسين العويني، والوزيرين بيار الجميّل وريمون اده.

طلب فؤاد شهاب جعل الحكومة ثمانية، وقفز في ذهنه اسم فؤاد بطرس القاضي الذي قال لوزير الدفاع انه لا يجوز له التكلم مباشرة مع قاض، فطلب من الأستاذ الياس سركيس، وكان يومئذ مديرا عاما لرئاسة الجمهورية ان يبحث له عن فؤاد بطرس، الذي كان يعمل في مكتب المحامي فؤاد رزق مع المحامي رشيد كرامي، فتم الاتصال به، وفاجأه الياس سركيس، عندما التقاه في مقهى يقع في فرن الشباك ان ينتظر اتصالا من القصر الجمهوري، لأن الرئيس الياس سركيس سيوسّع الحكومة، واسمه معروض، من بين الأسماء المرشحة لدخول الحكومة الجديدة.

أما قصة فؤاد شهاب مع الياس سركيس، فتعود الى وجوده في ديوان المحاسبة، وتعاظمت الشكوك منه، لأنه أوقف معاملات ادارية لقيادة الجيش، بذريعة انها تنطوي على عيوب قانونية ليصار الى تصويبها.

في اليوم التالي قصد الياس سركيس مكتب الرئيس فؤاد شهاب، وكان قد علم بالشكوى منه، حاملا ملفات بمخالفات وزارة الدفاع لتبيانها للقائد، بعد اجتماع استمر ساعتين، اقتنع فؤاد شهاب بحجج القاضي، قائلا له في نهاية حديثهما: من الآن فصاعدا سأستعين بك، كلما احتجت الى استشارة قانونية، وأمر الادارة المختصة في الجيش، الأخذ بكل ما يطلبه الياس سركيس. في كانون الثاني ١٩٥٩، تلقى الياس سركيس مكالمة هاتفية تدعوه الى مقابلة رئيس الجمهورية، فاذا به يرسخ في المنصب غير المعلن، وبات مستشارا قانونيا في القصر الجمهوري.

سلبية وايجابية

ويروى في هذا المجال، ان ضابطا فرنسيا اداريا عمل بعض الوقت في جهاز الرئيس فؤاد شهاب.

وفي احدى الاجتماعات كلّفه الرئيس الجديد للبلاد تنظيم بعض الادارات، على الرغم من ضعف ادراكه للغة العربية.

وينقل نقولا ناصيف عن حادثة ذات دلالات هامة، مفادها انه في احد الاجتماعات المصغّرة أبدى الضابط الفرنسي المتقاعد، ملاحظات ذات صلة باصلاح بعض الأمور.

إلاّ أن فؤاد بطرس اعترض على وجهات نظر القائد الفرنسي المستدعى من باريس، ووضع في تصرّف رئيس الجمهورية اللبناني.

لم يلق تحفظ فؤاد بطرس على ملاحظات الضابط الفرنسي، ترحيب الرئيس اللبناني.

بيد ان وزراء ومسؤولين، عاتبوا الوزير فؤاد بطرس على عناده.

بعد أيام انقطع الأخير عن اجتماعات القصر الجمهوري، لكنه تلقى اتصالا من الضابط الفرنسي يبلغه فيه انه كان مصيبا، وأنا كنت مخطئا، وأحببت أن أقول لكم ذلك، ومن واجبي الاعتذار منكم، وسأبلغ الى رئيس الجمهورية ذلك.

بعد ساعة تلقى الوزير بطرس مكالمة من القصر الجمهوري تخطره باجتماع طارئ مع رئيس الجمهورية واللجنة الوزارية.

وقبل بدء المداولات، خاطب رئيس الجمهورية الحاضرين، بأننا مدينون جميعا باعتذار، لأن الوزير فؤاد بطرس كان على حق في رأيه خلال الاجتماع السابق.

هل كان الحاكم في السابق مصيبا في كل شيء، ربما نعم، وربما: لا.

رحل فؤاد شهاب، في حقبة السبعينات، لكن مستشاريه الأقربين الى قلبه وعقله، وفي مقدمهم سياسيا الرئيسان الياس سركيس وتقي الدين الصلح والأستاذان فؤاد بطرس وعلي بزي، أما عسكريا وسياسيا فكانوا اللواء أحمد الخطيب، والاداري شفيق محرّم والعميد منير السردوك، ظلوا جميعا يتابعون نهجه السياسي.

إلاّ أن فؤاد شهاب، ظلّ على مدى حقبات ضد التجديد له، ومعاندا لعودته ثانية الى الرئاسة الأولى، ربما، لأنه لم يكن مرتاحا الى الطبقة السياسية بعد استقالته من الرئاسة مرارا، وعقب المصاعب التي قامت بواجبات غير مطلوبة منها، وغير مرغوب فيها في عصره السياسي.

والشيء الذي يجهله كثيرون، ان عصر الرئيس سليمان فرنجيه في العام ١٩٧٠، لم يكن العصر الذي ارضاه، ولا العصر الذي اراده الزعيم الزغرتاوي الذي واجه معارضته من صميم حلفائه لعدم التنكيل بضباط الشعبة الثانية.

وكانت العلامة البارزة على هذا الصعيد وقوف رئيس المجلس النيابي صبري حمادة الى جانب الشهابية، وكان اصراره على عدم اعلان فوز فرنجيه بالرئاسة الاولى ناقصا ٥٠ – ٤٩، لكن طلب الرئيس شارل حلو الاعتراف بفوز سليمان فرنجيه كان حاسما ونهائيا، ونهاية حقبة سياسية، وبداية عصر سياسي جديد، لأن الرئيس فرنجيه كان يتحلي بالكلمة ولا تنقصه الشجاعة السياسية والادارية.

وعندما طلبت السفارة الاميركية من رئيس مجلس الوزراء تقي الدين الصلح، الموافقة على زيارة وزير الخارجية الاميركية للبنان، ابى الرئيس اللبناني ان يقال انه وحده العربي الاصيل. وان سائر الزعماء العرب، ضعيفون ازاء الارادة الاميركية المتمسكة بزيارة الوزير هنري كيسنجر للبنان، فتفتقت ذهنية الحكم، عن استقباله في مطار رياق العسكري، تجنبا لمروره في جوار المخيمات الفلسطينية بين مطار بيروت والضاحية الجنوبية.

عندما قررت قمة عربية عقدت في مدينة فاس التونسية بتكليف الرئيس اللبناني، تمثيل الملوك والرؤساء والامراء العرب، في دورة فلسطين، توجه الرئيس سليمان فرنجيه الى نيويورك، متجاوزا الخلافات الداخلية، واصطحب معه معظم الرؤساء اللبنانيين السابقين في مقدمتهم: شارل حلو، صبري حمادة، وعبدالله اليافي، وصائب سلام، وابقى في لبنان الرئيس كامل الاسعد ورئيس الوزراء رشيد الصلح.

الا ان الرئيس فرنجيه اودع خطابه الذي كتبه النائب ادوار حنين الرئيس شارل حلو ليضع اللمسات الاخيرة عليه مع الرؤساء السابقين للجمهورية والمجلس والحكومة.