IMLebanon

الإنتحار السياسي ونَحر الجمهورية

سبق لرئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري ولرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن اعتبرا أنهما يهدفان من ترشيح النائب سليمان فرنجية ومن ثم النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، الى وضع «حزب الله» أمام الأمر الواقع على نحو يجعله مضطراً للمشاركة في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية ويؤدي الى ملء الفراغ في سدة الرئاسة الأولى ويُعيد إطلاق دورة الحياة الدستورية في المؤسسات الشرعية المشلولة والمعطلة.

أظهَرت الوقائع على مدى الأشهر القليلة الماضية أنّ ما سعى إليه الحريري وجعجع، كلّ على طريقته، لم يتحقّق، وأقرَّ الرجلان في أكثر من مناسبة في شكل ضمني بفشل خطتيهما في «حَشر» «حزب الله»، وأكدا أنّ الحزب يُصرّ على التعطيل وهو المسؤول الأول والأخير عن بقاء القصر الجمهوري في بعبدا شاغراً لاعتبارات ومصالح استراتيجية إقليمية أبعَد من موازين القوى والصداقات والتحالفات المحلية.

من هنا، فقد بات لزاماً على الحريري وجعجع إعادة النظر في مقاربتهما لرئاسة الجمهورية لأنّ تمسّكهما بترشيح فرنجية وعون بات يصبّ في خانة أهداف «حزب الله» بالتعطيل. ونظرية القبول بخيار «صديق حزب الله» أو «حليف حزب الله» كثمن سياسي تُسدّده قوى «14 آذار» في مقابل إنقاذ الجمهورية سقطت، وبات على الحريري وجعجع إعادة النظر في سياستهما التي شَتَّت قوى «14 آذار» من دون أن تُنقذ الجمهورية.

فالثمن الذي ارتضى الطرفان دفعه في مقابل رئاسة الجمهورية أضعفهما سياسياً من دون أن يُقوّي الجمهورية، لا بل انّ الجمهورية باتت أضعف بكثير اليوم ممّا كانت عليه في ظلّ تمسّك قوى «14 آذار» بمرشّح من صفوفها، وفي أقل تقدير بمرشح توافقي من خارج إطارها التنظيمي.

لقد أدّى ترشيح الحريري لفرنجية ومن ثم ترشيح جعجع لعون الى إحراق قوى «14 آذار» لكلّ أوراقها التفاوضية وضيَّق عليها هامش المناورة السياسية والإنتخابية الى حدود التلاشي الكامل.

وباتت المواجهة مع «حزب الله» تفتقد الى الحدّ الأدنى من موازين القوى السياسية بعدما كان سلاح الدستور هو العامل الأبرز، لا بل الوحيد، الذي يسمح لقوى «14 آذار» بإكمال المواجهة في ظل التفوق العسكري والأمني لـ»حزب الله» وإمساكه بالقرارات الإستراتيجية للدولة اللبنانية ومفاصل المؤسسات المعنية بهذه القرارات.

إنّ ما وصلت اليه الأمور بات يستدعي من الحريري وجعجع إعادة النظر في استراتيجيتهما الرئاسية بعدما اصطدما بالحائط المسدود وباتت الآثار السلبية للمراوحة الراهنة أسوأ من آثار المراوحة التي سبقت ترشيح فرنجية وعون. وإذا كان الحريري وجعجع يُبرّران الترشيحين بتفضيلهما وحدة الجمهورية وقوتها على وحدة «14 آذار»، فها هما اليوم أمام واقع خسارة وحدة قوى «14 آذار» وتشتّتها من دون أن ينجحا في استعادة الجمهورية وبَثّ الروح في مؤسساتها الدستورية.

إنّ المضي قدماً في ترشيح فرنجية وعون بات يُعتبر مكابرة سياسية مسدودة الأفق. فمَن يريد استعادة الجمهورية لا يتسبَّب في تدمير «14 آذار» باعتبارها أهمّ قوة سياسية حمَت هذه الجمهورية ووضعتها على طريق السيادة والإستقلال بعد سنوات طويلة من الوصاية السورية على أرض الجمهورية وناسها ومؤسّساتها وقراراتها.

إنَّ استعادة وحدة «14 آذار» وقوّتها يعتبران الطريق الأقصر الى إعادة بَثّ الأمل في إمكان إحياء الجمهورية ومؤسّساتها الدستورية، من طريق التوازن السياسي والوطني الذي لا بد منه مدخلاً الى توافق وطني على مشروع سياسي متكامل لإدارة المرحلة المقبلة، في حين أنّ المضي قدماً في التمسّك بترشيح فرنجية وعون يُمعن في إضعاف قوى «14 آذار» ككتلة سياسية ووطنية وازنة تُعتبر من أهمّ ضمانات وجود الجمهورية وبقائها، ويُجيّر مقدّراتها لـ«حزب الله» بفعل إصرار الحريري وجعجع، ليس فقط على الإنتحار السياسي، وإنما كذلك على نَحر الجمهورية وتدمير تطلّعات شعبها المؤمن بمشروع العبور الى الدولة.

* عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»