IMLebanon

رئيس للبرازيل من بلد بلا رئيس!

لم تتوقف وسائل الإعلام اللبنانية طيلة الأسبوع الماضي، عن الإشارة إلى المفارقة التي جعلت من «اللبناني» ميشال تامر رئيساً للبرازيل، في وقت تفتقد سدة الرئاسة في بلده الأم إلى من يملأها منذ شغورها قبل سنتين.

والإصرار على الوقوف عند تلك المفارقة ليس لتوكيد لبنانية تامر أو الاحتفاء بها، بقدر ما يهدف إلى التشديد على قضية الفراغ الرئاسي في لبنان بالقول أن البلد «لا يعقم إنجاب الرؤساء بل يصدّرهم إلى العالم»، علماً أن تامر البرازيلي المولد والذي لا يتقن العربية، ليس اللبناني الأول الذي يتبوأ هذا المنصب في بلاد تضم حوالى عشرة ملايين لبناني أي ضعف عدد سكان لبنان… وتلك قصة مرتبطة بتجربة اللبنانيين مع الهجرات تاريخياً، حيث حقق كثير منهم نجاحات ويمكن في هذا الصدد استذكار أسماء لامعة عدة مثل كارلوس غصن ودونا شلالا وراي لحود وشارل العشي وغيرهم… وهذه في كل الأحوال ليست ظاهرة تقتصر على اللبنانيين، فهناك أيضاً قصص نجاحات في المهجر لمواطني دول عربية أخرى، وخصوصاً إنجازات في هذا الصدد حققتها مهاجرات من شمال أفريقيا، تقلدن مناصب في دول أوروبية عدة خلال السنوات القليلة الماضية. وكم من «عربية» أسندت اليها مسؤوليات مهمة أو حققت إنجازات علمية خلال السنوات الأخيرة، وآخرهن الراحلة الكبيرة العراقية زها حديد.

وثمة أيضاً أمثلة على نجاحاتهن في عالم السياسة، فهناك مثلاً «المغربية» خديجة غريب التي ترأس البرلمان الهولندي و «المصرية» نجوى البا أصغر النواب سناً في البرلمان الإسباني، إضافة إلى الوزيرتين الفرنسيتين نجاة بالقاسم ورشيدة داتي وأخريات…

وفي وقت يتم تناول نجاحات السيدات باعتبار أنهن «خرجن عن الموروث الثقافي وتقاليد المجتمعات» في بلادهن الأصلية، فإن إنجازات المهاجرين العرب الرجال في مجالات السياسة والأعمال، لطالما كانت تقابل أيضاً بتشكيك غير عادل يتساوى مع التشكيك في قدرتهم على الإنجاز في بلادهم، باعتبار أن دوافعهم للهجرة نابعة من عجز وقلة حيلة، وهذا ليس أمراً صحيحاً دائماً.

والمفارقة الفعلية هنا أن تجد سياسياً برازيلياً من أصل لبناني يشن حملة على مناضلة من وزن ديلما روسيف ويطيحها بسبب تورطها في فساد، في حين أن كثيرين من المأخوذين بالـ «ستيريوتايب» أو الصورة النمطية عن المهاجرين كانوا يتوقعون العكس، بعد شوائب ألحقت بصورة المهاجر في ما يتعلق بالسلوكيات واستغلال الفرص.

وقد برزت خلال ملابسات «الربيع العربي» وقبله إبان سقوط نظام صدام حسين، تساؤلات عن فائدة الاستعانة بالكفاءات المهاجرة، وسط حملة من التشكيك بصدق انتماء العائدين منهم وأخلاقيات هؤلاء، ليثبت لاحقاً عدم صحة التعميم في هذا التصنيف.

وقد يكون صعباً على العرب عموماً، أن يتقبلوا يوماً الاعتراف بكفاءات أبناء المهاجرين والاستعانة بخبراتهم في بلدانهم الأم، ولو أثبت المهاجرون أنهم فوق الحزازات المفتعلة محلياً.

وإذا كان لبنان تنبّه منذ عقود إلى ضرورة التواصل مع جالياته في بلاد الغربة ويعمل باستمرار على تطوير العلاقات معهم، فإن جاليات عربية أخرى تعاني مظالم من صورة نمطية إقصائية تصنّف الناس على أساس «سيئ وجيّد» تبعاً لانتماءاتهم السياسية، حتى بلغ الأمر حداً، يُحكم معه «إيجاباً» على من فشل في الاندماج في بلاد المهجر واضطر إلى التقوقع في إطار تنظيمات دينية الطابع تنشط في أوساط المهاجرين، فيما ينظر بريبة شديدة إلى كل من حقق نجاحات في الانفتاح واستوعب ثقافات الدول التي هاجر إليها… وتلك مفارقة أخرى!