IMLebanon

في وضح.. الرئاسة  

بات الكلام على المكشوف هذه الأيام. لا اتفاقات تحت الطاولة، لا «ثنائيات» أو «ثلاثيات» أو كلام عن مفاجآت الربع الأخير من الساعة، حتى أنّ الخطابات دخلت وتيرة النبرة المنخفضة، وهو أمر لم يعهده اللبناني الذي اختبر في السنوات الأخيرة انقسامات حادة دخل البلد معها في نفق الفراغ والانتحار السياسي والاقتصادي وصولاً إلى هشاشة دولة غدت بلا رأس، وبمؤسسات وإدارات مفرغة من الروح والنبض.

وفي أولى مؤشرات التقارب بين الأفرقاء اللبنانيين، تعابير مستجدة ليس بينها مفردات من مثل «الشغور» و«الفراغ» و«الألغام» و«العقد» و«القحط « و«الضمور» و«الترهل» و«الأفخاخ» و«شد الحبال» و«العض على الأصابع» و«التمديد» و«الانكشاف» و«المحاور» و«تعطيل النصاب» و«أوراق الاعتماد» و«الوقت الضائع» و«الاستنسابية» و«التهميش»، أو حتى الحديث عن «رئيس ضعيف» و«رئيس قوي» وأكثرية وأقلية، إذ ثمّة قناعة تشكّلت عن جدوى الرئاسة حين لا يعود هناك بلد قادر على الصمود في وجه المخاطر المتربصة به؟. وللأسباب عينها، كان لا بد من توصيفات جديدة على نحو «إنهاء الأزمة» و«إنجاز الاستحقاق» و«حلحلة العقد» و«التوافق» و«تضافر الجهود» و«شبكة الأمان» و«إنتاج التفاهمات» و«التوافق الوطني» و«درء الأخطار» و«الحرص على التركيبة الوطنية» وصولاً إلى ضرورة «الاعتراف بالمشكلة»، ومن ثمّ النظر إلى «مصلحة البلد»، إلى الحديث عن «مبادرات» و«نهايات سعيدة» و«حسم» و«تسامح في القضايا الوطنية» و«الأخذ بالتوازنات» وإنجاز «الطبخة» أو «التسوية» أو «الخاتمة»، وكذلك حسن «تلقف المبادرات»، و«الأوراق المكشوفة» و«تعطيل التعطيل» و«محاصرة صناع الفراغ» و«بزوغ عهد جديد» و«الالتزام» و«إنجاز الاستحقاق» و«حظوظ التوافق» و«الاستقرار» و«جسور التواصل» و«التلاقي» و«التفاهم» و«الانفتاح» و«منع الفراغ» و«وطن يشمل الجميع» وليس آخراً: «الرئاسة قاب قوسين» و«آخر أيام الشغور»، أو: «الرئاسة على قدم وساق».

وفي وداع الشغور، لا شك في أن اللبناني خبير في شؤون الصدمات الإيجابية مع مفعول رجعي في الطريق نحو إعادة تعويم البلد، أو في الطريق نحو إعادة تموضع الأفرقاء على أرض الملعب، أو في الطريق إلى تسارع الإيقاعات الناظمة لبانوراما المشهد اللبناني، أو في الطريق الى خارطة الأصوات وصندوق الاقتراع، أو في الطريق الى المفصل الحاسم… وكل هذا مكتوب في وثيقة ولادة وطن، كلّما شغرت سدّة رئاسته وتعثّر، دخل في «كوما» التعطيل والفوضى والتفكك منذ الشغور الأول في الثمانينات، إلى الشغور الثاني قبل تسلم الرئيس ميشال سليمان، إلى الشغور الثالث والموعود بنهاية قريبة في الحادي والثلاثين من الجاري.. عسى يكون الثالث أخيراً، ومعه يولد وطن وتكون قيامة.