IMLebanon

السباق بين الإستحقاق الرئاسي…. والسلة

 

«السلة» مصطلح جديد دخل القاموس السياسي اللبناني لينضم إلى سابقاته من المصطلحات التي وُضعت في التداول خلال الأزمات، بهدف تكريس دلالات دونية تسيء إلى مفهوم الدولة ببعديها السيادي والقانوني: «لبنان الملف» و«لبنان الساحة» و«الثلث المعطّل» و«الوزارة السيادية» وإلى ما هنالك…

«السلة المتكاملة» ظاهرها تجميعٌ لقضايا خلافية مُدرجة على طاولة الحوار، تبدأ من الإستحقاق الرئاسي مروراً بقانون الإنتخاب واللامركزية الإدارية وقد أُضيف إليها إنشاء «مجلس الشيوخ» وإلغاء الطائفية السياسية. إنّ الإدّعاء بأنّ طاولة الحوار التي عجزت حتى الآن عن حسم أي من الملفات ستكون قادرة على تقديم الحلول لهذه المجموعة من القضايا، هو ضرب من الهذيان السياسي بل إنّ محاضرها ستُضاف إلى سابقاتها التي عقدت خلال العامين 2005 و2006 التي تحوّلت حبراً على ورق كنتيجة حتميّة للخريطة السياسية التي أفرزتها حرب العام 2006.

يُدرك جميع الفرقاء السياسيين أنّ لا جدوى عملية من طاولة الحوار ومن «سلتها»، ولكن الموضوعية تقتضي وضع النقاط على الحروف لتبيان تداعيات هذا المسار الإنحداري في تهزيل المرتكزات الأساسية التي قام عليها إتّفاق الطائف، وأهمها نقل العديد من صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء وتوازن السلطات وتعاونها. إنّ طاولة الحوار بالشكل ليست إطاراً دستورياً للتشريع، إن لجهة تأليفها أو لجهة المهام المُلقاة عليها أو مكان إجتماعها، كما إنّها ليست حكومة تتمتع بالمشروعية الدستورية لجهة تحويل قراراتها إلى قوانين أو مراسيم، وهي تبدو منفصلة تماماً عن المكوّنات التي تمثّلها والتي تتشكّل منها الحكومة، إذ لم يتبدل شيء في ممارسة هذه المكوّنات السياسية على صعيد الحكم حتى الآن، فكيف يمكن التعويل عليها في جمهورية لم يتمكّن برلمانها من انتخاب رئيس للجمهورية منذ أكثر من سنتين وفي ظلّ حكومة تشارك فيها كلّ المكوّنات السياسية ويمتلك كلّ منها حق النقض.

الحوار هو ممارسة وليس نصوصاً ودساتير ومشاريع دساتير، فالدستور ذاته يمكن أن يفسح في المجال لحكمين على طرفي نقيض، الغوغائية والديمقراطية، دونما حاجة إلى تغيير صلاحيات أو تبديل أنظمة. المعادلة المكيافيلية القائلة «أنّ السياسة هي القوة والخداع» هي معادلة فاشلة، والسلطوية وتجاوز الدستور وإلغاء الإنتخابات ليست طريقة ذكية لبناء نظام سياسي وإدارته. يدرك أهل السياسة في لبنان إنّ أنظمة الحكم اللاديمقراطية غير قابلة للحياة وتنتهي دائماً إلى الإنهيار أو تنفجر من الداخل جارفة في طريقها طبقة السياسيين الذين أقاموها.

 إن الفرصة الآن ليست أمام الديمقراطية التي احتقرها أهل السياسة في لبنان وسخروا منها بل إنّها فرصة أمام أهل السياسة لينقذوا البقية الباقية مما يمثّلون. إنّ معالجة «السلة» خارج المؤسسات الدستورية وفقاً للصلاحية، واستنباط أطُر كطاولة الحوار، بدعوة من رئيس المجلس النيابي، إنما هو خروج فاضح عن الدستور وانزلاق تدريجي نحو «نظام مجلسي» حيث تتركّز السلطة بيد البرلمان ولا وجود للتوازن والفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. هذا النظام قاد إلى الإستبداد والديكتاتورية في فرنسا بعد الثورة الفرنسية عام 1789 وفي تركيا بعد سنة 1924.

المرحلة الراهنة هي مرحلة سباق بين الدستور والرئاسة. الحديث عن الإستحقاق الدستوري كان يعني سابقاً الإستحقاق الرئاسي، الآن يعني بالفعل إستحقاقاً دستورياً حقاً، لأنّ الدستور هو موضوع البحث لا الإستحقاق. بالأمس كانت المسألة تأمين النصاب هل يكتمل أو لا يكتمل، ثم صارت مسألة إنتخاب أو لا إنتخاب، رئيس أو لا رئيس. المسألة المطروحة اليوم هي دستور أو لا دستور، هل نتصرف بموجب الدستور أم بموجب ميزان قوى آخر يتجاوز الدستور فيجعله غير ذي قدرة على التطبيق؟ ما معنى هذا الكلام من المنظار الدستوري البعيد المدى، معناه أنّ وثيقة الوفاف الوطني التي تحوّلت إلى دستور، هناك من يتهيأ لإعلان سقوطها.

نعم الدستور لا الرئيس هو ما يُطلب البتّ به الآن…..

إنّ السير بجدول أعمال (السلة المتكاملة) إنّما هو إعلان تعليق العمل بدستور الطائف – بما هو إطار لتكوين السلطة ولإلغاء الطائفية السياسية وتأكيد لعروبة لبنان – وانتظار لقيام عقد إجتماعي جديد على وَقع التوازنات الإقليمية الجديدة بعد الإجابة على الإشكالية الملتبسة: ماذا تريد الولايات المتّحدة من إيران؟ وماذا تريد إيران من الولايات المتحدة؟ وماذا ينتظر اللبنانيون المسترئسون من كلّ ذلك؟