IMLebanon

سباق المكاسب السورية: «منطقة آمنة» أردنية

دخل الأردن على خط تطبيق نظرية المناطق الآمنة في الجنوب والبادية الشرقية السورية التي تصل حدوده بالحدود العراقية. «الأخبار» علمت من مصادر متقاطعة أنّ عمان قطعت شوطاً كبيراً بالتنسيق مع موسكو وبرضى واشنطن على إنجاز هذه المنطقة، عبر آلاف المسلحين المحسوبين عليها

قد يكون من الضروري وضع معركة حلب كمفصل أساسي من مفاصل الحرب القائمة. الدول «العاملة» في الأزمة السورية تجري حساباتها على هذا المقياس. معظمها استخلص العبر والدروس من التحوّل خلال المعركة الكبرى في الشمال، ليدرس خطواته اللاحقة سياسياً وميدانياً.

اليوم، الكل مدرك حاجة المرور عبر طريق موسكو تنسيقاً لـ«مشاريعه» أو دوره السوري. كما أن بين هؤلاء من يستفيد من إدراك حاجة الروسي للتناغم مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وعدم صدّه. هذه الحالة دفعت نحو طروحات شبيهة بما يحصل في منطقة الباب مثلاً، استناداً إلى الهدنة الحالية وإطلاق مسار الحل السياسي.

بعد حلب المدينة، كانت السخونة في الريف الشمالي الشرقي. أنقرة تواصل تثبيت منطقتها الآمنة عبر العمل للسيطرة على مدينة الباب، فيما الأكراد يحافظون على مواقعهم في منبج، بالتنسيق مع واشنطن تمهيداً لمعركة الرقة. أما دمشق فتستعجل إقفال طريق «ما بعد الباب»، وترسيم خطوط التماس مع الأخصام لتضع قدماً في معركة الرقة، وليكون لها يد طولى سُحبت لفترة طويلة من شمال البلاد.

موسكو من جهتها، لا تمانع الانفتاح على الجميع، طالما أن مقدار ذلك لا يقوّض نصر حلب ولا يهدد الدولة السورية بنظرها. هذا الانفتاح اليوم ينحو باتجاه الأردن، لا بل إنّ مشاورات وخطوات عملية عديدة جرت في هذا المجال.

وفي هذا السياق، يجب التأكيد أنّ ما يميّز السياسات الأردنية أنها المرآة الأكثر تعبيراً عن التوجهات الأميركية في المنطقة، ولا يمكن أن تخطو أي خطوة غير مظللة ومحمية من واشنطن.

إلى ملعب «الجنوب»

بعد حلب، نُقلت الأعين نحو «المنطقة الباردة»: إلى الجنوب. تل أبيب رفعت الصوت تجاه الخطر القادم نحو حدودها بعد حسم معركة عاصمة الشمال. وجَّهت أكثر من رسالة ميدانية وسياسية بما يخص خطوطها الحمر: «لن نسمح بوجود قواعد إيرانية على حدودنا الشمالية، وبالأخص في هضبة الجولان. لا مكان لحزب الله والحرس الثوري على حدودنا».

يسوّق الأردن لتصوّر يفيد بأن المناطق الآمنة أسهل تطبيقا في الجنوب

الجانب العملي ظهر في أروقة عمان. تريد المملكة استنساخ التجربة التركية على طريقتها، لكن بِعلم موسكو. وهذا الأداء الأردني يحول دون اضطرار تل أبيب إلى التدخّل المباشر. فهي توفّر مصالح إسرائيل بالوكالة عنها، وتوفّر لها ما تريد وتفيد المسلحين العاملين تحت مظلتها.

وعلمت «الأخبار» أنّ عمّان أبلغت موسكو استعدادها للعمل على تطبيق فكرة المناطق الآمنة في الشرق السوري من حدودها إلى أجزاء كبيرة من الحدود العراقية، وأيضاً في جانب من حدود الشمال مع الجنوب السوري.

ويسوّق الأردن لتصوّر يفيد بأنّ المناطق الآمنة أسهل تطبيقاً في الجنوب، عكس التداخل الكبير في الشمال حيث «داعش» و«النصرة» والأكراد والجيش السوري وغيرهم. أما في البادية الشرقية والجنوب، فمناطق الانتشار أوضح بنظرهم، ويوجد للأردن جماعات على الأرض.

ويروي مسؤول أردني كبير لأحد زائريه أنّه «يجري عزل الرقة حالياً، وبدأ (داعش) بترحيل عائلات عناصره باتجاه القائم (العراقية) والبادية باتجاه الأردن». وأضاف إنه مع اشتداد الحصار سيزداد النزوح في اتجاه البادية المحاذية للأردن، وهو «ما يستدعي منا إجراءات لحماية الحدود والاستقرار».

قيادي أردني كبير آخر يشرح المسألة لضيفه بطريقة واضحة: «من السويداء إلى الحدود العراقية تعتبر منطقة آمنة لنا، بوجود الجيش الحر وبعض العشائر التي تحظى بدعمنا. واتفقنا مع الروس على عدم قصف هذه المناطق».

ويعيد المسؤول التذكير بحادثة التنف، قائلاً إنها لن تتكرر. أي عندما قصفت الطائرات الروسية في حزيران الماضي مطار التنف العسكري بالقرب من الحدود مع الأردن، حيث يتمركز «جيش سوريا الجديد» المدعوم أميركياً وأردنياً وبريطانياً. المسؤول تحدّث عن 40 ألف مقاتل مدعومين أردنياً وحاضرين لمشروعه.

خطوات عمان المنسقة مع موسكو، ظهرت منذ زيارة الملك عبدالله الثاني لروسيا في 25 كانون الثاني الماضي، حيث اتفق مع المسؤولين الروس على خطوات عديدة، أبرزها تفكيك غرفة عمليات «الموك»، بالإضافة إلى البدء بتشكيل وتنظيم فصائل «الجيش الحر» في إطار مواجهة «داعش» و«النصرة».

ويهدف الأردن بتقرّبه من موسكو إلى تأمين دور أساسي في المفاوضات، بالإضافة الى محاولة فرض منطقة آمنة تجاوباً مع المطالب «الترامبية» بهذ الخصوص. وظهر هذا التوجّه بإرسال عمان قياديين من الفصائل الجنوبية التابعة له إلى أستانة.

خط موسكو ــ دمشق

أبلغ الجانب الروسي في لقاء مع قيادات عسكرية سورية عن فحوى لقاءاته مع الجانب الأردني. ونقل لهم أن عمان «تستشعر الخطر القادم من داعش وجبهة النصرة على حدودها، وخصوصاً بعد فشل كل محاولات الجيش الحرّ في قتال داعش وإرغامها على التراجع في منطقة حوض اليرموك التي تحدّ إسرائيل والأردن».

وأكّد الجانب الروسي أمام السوريين ضرورة وأهمية التوجّه نحو المصالحات الوطنية بشكل أكبر، مع وجود اتفاق ضمني مع الأردن، على توحيد الفصائل الجنوبيّة لقتال «داعش» و«النصرة» في ما بعد.

ونقل لهم أيضاً أنه في حواره مع الجانب الأردني، أكد ضرورة حلّ غرفة «الموك» كليّاً، والتوجّه نحو التفاوض مع «الجيش الحرّ» لتوحيد الفصائل، ومن ثمّ المشاركة في المفاوضات الجارية حول سوريا… إلى أن يصلوا في نهاية الأمر إلى قتال «الارهاب».

وضعت موسكو ــ أمام الجانب السوري ــ الغارات الأردنية الأخيرة في الرابع من الشهر الجاري على مواقع «داعش» (جيش خالد بن الوليد) في حوض اليرموك ضمن مبادرات حسن النيّة. كما أنّه في بيان «قوات الجنوب»، التي شُكّلت أخيراً، أتت الفصائل على ذكر «محاربة الإرهاب».

ردّ «النصرة»: «الموت ولا المذلة»

لم تشهد مدينة درعا عمليات كبيرة منذ عام ونصف تقريباً، أي منذ فشل آخر محاولة من معركة «عاصفة الجنوب».

معركة «الموت ولا المذلة» التي انطلقت منذ حوالى أسبوع جُهّز لها سريعاً ونفذت سريعاً أيضاً. وهذا ما طرح أسئلة عدة عن هدف العمليّة وتوقيتها.

عملياً، أرادت «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة وحلفاؤها) توجيه رسالة للأردن مفادها أنها ستدفع ثمن دخولها في المفاوضات مع روسيا. «جبهة النصرة» تبنّت العملية كاملة من التخطيط إلى التجهيز، ثم جمعت الفصائل القريبة من الأردن وأقنعتها بالمشاركة «لما ستحصل عليه من مكاسب في حال نجاحها»، وفق مصدر ميداني في الجنوب السوري. تدخّلت عمان قبل بدء المعركة، وطلبت من الفصائل الموالية عدم الدخول الى جانب «النصرة»، لكن بعدما أبدت «الجبهة» إصرارها على خوض العملية، ولمنعها من السيطرة وحدها على مناطق جديدة في حال النجاح، دخل الجميع في «غرفة عمليات البنيان المرصوص».

ويأتي ذلك بعدما وجدت «النصرة» نفسها في وضع حرج، فهي ستكون مستهدفة مستقبلاً من الفصائل الجنوبية «المعتدلة»، إضافة إلى الجيش السوري. لذا أرادت فرض نفسها على الفصائل الأخرى في المنطقة، وذلك من خلال تحقيق إنجاز ميداني كبير.

وهدفت أيضاً، إلى إظهار قدرتها في الجنوب، ما يضعف موقف الاردن في المفاوضات، إضافة إلى أهداف عسكرية أخرى تتمثل في توسيع المنطقة الواصلة ما بين الريفين الشرقي والغربي لمحافظة درعا، وبث روح جديدة في الفصائل الجنوبية للقتال والتخلي عن المصالحات التي تجتاح الجنوب.

وبعد مرور ثلاثة أيام على بدء العملية، وجد الأردن نفسه محرجاً أمام القيادة الروسية التي لم توفّر جهداً لإقناعه بضرورة فرض الانسحاب على الفصائل المشاركة في الهجوم على حيّ المنشية (أقفلت عمان خلال العملية حدودها ومنعت إدخال الجرحى).

العملية لم تحقق أهدافها المحددة مسبقاً، فلم يستطع المهاجمون إبعاد الجيش السوري عن «طريق الجمرك القديم»، ودرعا المدينة ما زالت آمنة، والجيب الذي سيطر عليه المسلحون داخل المنشية لا يغيّر شيئاً في الوضع العسكري العام في المنطقة.

الطائرات الروسية تدخّلت في المعركة بشكل لم يحصل في الجنوب من قبل، كما يروي مصدر ميداني سوري، إضافة الى الطائرات السورية التي لم تغادر الأجواء طيلة فترة العمليات.

العدو الاسرائيلي كان يرسم خطوطاً حمراء لناحية التدخل الجوي في المنطقة المحاذية لحدوده، ولكن هذه المرة تبلّغ من الجانب الروسي ضرورة البقاء جانباً «لأن الطائرات ستتابع غاراتها في المنطقة».

فبنظر موسكو، نجاح الهجوم يعني فشل ما توصّل إليه مع الجانب الأردني، وضرب مخرجات مؤتمر أستانه وما بعده.

اليوم، بعد فشل الهجوم، عادت القيادات الروسية للقاء قيادات في «الفصائل المعتدلة» التي «يجب» أن تتوحد بهدف قتال «داعش والنصرة». وأكدت موسكو للمسؤولين السوريين ضرورة إكمال المشروع الجنوبي حتى من بعد العملية الأخيرة، وذلك بهدف التضييق على «النصرة» بشكل أساسي.