IMLebanon

 رامبو على الهاتف!

كم هي صغيرة كلمة “آلو” وناعمة. فهي مؤلفة من ثلاثة أحرف رقيقة وسَلِسة، لا تتضمّن خاءً ولا ضاداً ولا ظاء. ومع ذلك تفلح معظم عاملات الهاتف والموظفات في عدد كبير من المؤسسات الخاصة والرسمية، في سكب كل الحقد والبغضاء والعجرفة والخشونة فيها، وينجحن في تزويدها بما يُشبه إطلاق النيران المدفعية لدرجة أننا نضرب أخماسنا بأسداسنا، قبل طلب رقم هذه الشركة او نتكلّم مع موظفة الإستعلامات في تلك المؤسسة… لكي لا ترتعد فرائصنا جرّاء نبراتهنّ المدرَّعة وزمجراتهنّ التي تُنسف مسامعنا عن بكرة أبينا…

نظنّ أحياناً أنّ هناك مباراة او حرباً ضروساً بين عاملات الهاتف في المؤسسات الخاصة وموظفات الدولة اللواتي يتسابقن على لقب العاملة الأشرس والموظفة الأكثر عدائية وهجومية. فما هو هذا العصر والزمن الرديء الذي بتنا نفتقر فيه للرقّة والنعومة والذوق ودماثة الخلق لدى شريحة كبيرة من الجنس اللطيف؟

فلنراقب كيف تفتح بعض الموظفات باب المكتب… يتهيّأ لك أن رامبو بُعث من جديد، إذ انهنّ يوشِكن على خلع المقبض من مكانه… أوَلم يلفت نظرك كيف يغلقن باب السيارة او “يطبشن” باب المنزل ويهبطن الأدراج هادرات كمحرِّكات الطائرات؟

وهذا على الرغم من البرامج التي تتطرّق الى آداب المجتمع والإتيكيت، ولكن “على من تقرأ مزاميرك يا داود؟”.

أحياناً نتصل بمؤسسة او مصرف معيّن فتبادرك عاملة الهاتف بعذوبة تُشرح القلب وهذا من النادر أن يحصل: بنك “الفلاني” بونجور، بماذا استطيع أن أخدمك؟” فنتفاجأ فعلاً بلطفها واستعدادها للقيام بعملها على أكمل وجه.

وهناك مؤسسات أقل ما يقال في موظفيها إنهم مجردون من الذوق ويجهلون أسس الإحترام وحسن التعامل، إذ تستقبلك موظفة الإستعلامات عابسة وبوَجه مقلوب، لتنذرك بأن تقلّ في الكلام وبضرورة تقليص لائحة الأسئلة… لسنا ندري لمَ يتقاضين أجورهنّ، هل لإذلال الناس وتحقيرهم؟ علماً أنّ أجورنا ليست أفضل… بل لربما أقل بكثير!

حتى انّ بعضهنّ لا يستخدمن كلمة “آلو” بل يجبن قائلات بنبرة تنمّ عن انزعاجهنّ من رنين هواتفهنّ بـ”نعم” جافّة، ليُوحين للمتصل بأنهنّ غير ممنونات بتاتاً لاتصاله وأنه قطع حبال أفكارهنّ النيِّرة، فيندم على الساعة التي أقدم فيها على طلب الرقم…

وإذا اتصلتَ بأحد الفنادق او شركات الطيران، يبادرك الموظف او الموظفة بجملة طويلة عريضة تتراكب كلماتها وتتداخل بعضها ببعض، تُلفظ بسرعة الضوء، وبعد جهد جهيد وتركيز مضنٍ ولُهاث وقطع النفس، تفلح في نهاية المطاف في اكتشاف انها باللغة الإنكليزية، فتستوعب معنى العبارة الأخيرة “How can I help you؟” بشقّ النفس، وعندئذٍ تحتار وترتبك فلا تعلم ما إذا كان عليك طرح سؤالك بالإنكليزية او بالعربية…

وأين تكمن الطامة الكبرى؟ عندما تطلب رقماً من هاتفك الخلوي، وتبدأ سلسلة تحويلات من هالِك الى مالِك وكل تحويلة تجعلك تنتظر نحو خمس دقائق لينقطع أخيراً الخط فتعيد الكرّة ثلاث مرات أو أربع… وحاول ان تطلب على سبيل المثال رقم هاتف إحدى المحطات التلفزيونية او الإذاعية “الرائدة”، تأكَّد أنك لن تحظى بغير صوت المجيب الآلي الذي يدعوك الى تكرار المحاولة الى ان تضيق ذرعاً فتيأس بل وتنسى الغرض الذي كنت تتصِل من أجله.

يبقى الهاتف وسيلة رئيسية للتواصل، ومع ذلك قلّما نجد مؤسسات تُولي هذا الشِق أهمية فتدرِّب موظفيها على كيفية الردّ على المخابرات الهاتفية بلباقة ترفع إسمها عالياً بدلاً من جَرجرتها نحو الحضيض الأخلاقي كما هي الحال، للأسف، في معظم الأماكن والمؤسسات