IMLebanon

إعادة صلاحيات الرئيس… مدخل إصلاح النظام

سَلّم معظم القوى السياسيّة بأنّ النظام السياسي الحالي الذي أتى نتيجة الحرب الأهلية، وارتضاه اللبنانيون خياراً وحيداً لوقفِ التقاتل، لم يعُد صالحاً لإدارة البلد بعد تبدُّل موازين القوى الداخلية والأحداث التي تشهدها المنطقة، لكنّ وقتَ التغيير لم يَحِن بعد.

تُحاول الديبلوماسيّة الفرنسيّة الحفاظ على الصيغة اللبنانية التي نشأت بوجودها ومباركتِها، بعدما أعطَت الموارنة عام 1920 وطناً قابلاً للحياة يطمحون إليه، ومنذ ذاك الحين تبدّلت سياسات، وانهارت إمبراطوريات، فيما بقيَت الصيغة اللبنانية صامدة على رغم الحروب الأهلية وتقاسُم الطوائف النفوذ.

حَكمت المارونية السياسيّة لبنان من 1920 إلى 1990، وكان رئيس الجمهورية مطلق الصلاحيات، وبعد إنجاز اتّفاق «الطائف» وحتّى العام 2005 أخذت السنّية السياسيّة مجدَها في الحكم مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، على رغم المضايقات السوريّة واحتلال لبنان.

لكنّ زلزالَ اغتيال الحريري، وحربَ تمّوز 2006 و7 أيار 2008 وتنامي نفوذ «حزب الله» والدعم الإيراني المطلق له، كلّها عوامل وضعَت البلد تحت حكم الشيعيّة السياسيّة التي تخطّت حدود لبنان ووصلت إلى كلّ مكان يحتاجها فيه محور المقاومة.

تتحرّك فرنسا اليوم بعد توقيع إيران الاتفاقَ النووي مع الغرب بغية الوصول إلى تسوية رئاسيّة مقبولة من الجميع، تعيد الملفّ اللبناني إلى الواجهة، وقد تُرجِم ذلك بزيارة وزير خارجيتها لوران فابيوس إلى طهران ولقائه المسؤولين الإيرانين، لكنّ الزيارة لم تكن على قدر الأحلام الفرنسيّة واللبنانيّة، إذ وصَلت إلى الداخل اللبناني الذي تربطه علاقات مع فرنسا أصداءُ غير مشجّعة.

فإيران حتّى الآن لا تستعجل إنجازَ الاستحقاق الرئاسي، وقد سَمع فابيوس الكلامَ نفسه الذي قيل سابقاً بأنّ القرار الأوّل والأخير في هذا الملف يعود إلى حلفائها اللبنانيين أي «حزب الله» و»التيار الوطني الحرّ»، وهم أدرى باسم الرئيس الذي يرشّحونه، لكنّ الإيرانيين لم يقفِلوا باب الحوار مع باريس، خصوصاً أنّهم يرَمّمون الجسور التي انقطعَت مع الغرب بعد الثورة الإسلاميّة.

يضَع البعض الكلامَ الإيراني في سياق شَدّ الحبال قبل الدخول في التسوية النهائيّة، فطهران تنتظر من واشنطن أن تفاوضَها على الملف اللبناني، لأنّ أميركا في لعبة الشراء والبَيع السياسي الدولي، هي السوق الأكبر لإجراء المناقصة، وليس فرنسا، وعندما يحين الوقت، ستتمّ التسوية بين واشنطن وطهران والرياض، مع الأخذ في الاعتبار مساعي باريس والفاتيكان الرئاسية.

أمّا في الداخل، فإنّ الأصوات اللبنانية السياسيّة، أو تلك التي ستُصوِّت في صندوق انتخاب الرئيس، تنتظر الآتي من الصحاري وما وراء البحار، وفي هذا الوقت تحافظ على حدّ مقبول من الاستقرار الأمني والسياسي، وتطرَح أفكاراً لن تؤدّي إلى حلّ قريب إذا لم تتمّ التسوية الإقليمية والدولية.

ويوسّع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مروحة اتّصالاته الداخلية والخارجية، بعدما كرَّر أكثرَ من مرّة أنّ المساهم الأوّل في الرئاسة هم واشنطن وطهران والرياض. في حين أنّه يطرح في اجتماعاته مع قيادات ومؤسسات مارونية، فكرةَ القيام بحملةِ إصلاحات واسعة في النظام اللبناني لا تمسّ الصيغة والجوهر بل تكون أكثرَ عملية وتساعد على إدارة الحكم في الأزمات، لأنّها ليست الأزمة الأخيرة التي ستعصف في لبنان، لكنّ كلّ ذلك، لن يحصل قبل انتخاب رئيس الجمهورية.

ويطرَح الراعي إعادةَ النظر في صلاحيات الرئيس من باب الإصلاحات الضرورية المطلوبة، لكي ينتظم عمل المؤسسات، وليس من منطلق طائفي، خصوصاً أنّ الرئيس إذا ما انتخِب سيكون مكبّلاً بصلاحياته التي انتزَع منها اتّفاق الطائف القسمَ الأكبر، وغيرَ قادر على أن يكون حَكماً أو يتّخذ إجراءات في حال وقوع الأزمات الكبرى.

لا يطالب أحد بإعادة صلاحيات الرئيس كما كانت قبل «الطائف»، لأنّه في الأساس لم يَحكم الرئيس آنذاك بصلاحياته، بل بقوّة المارونية السياسيّة ووَهجِها، تلك الحالة السياسيّة التي جَعلت من لبنان «سويسرا الشرق» وجامعة العرب ومستشفياتهم وإعلامهم ومصيفهم، قبل أن تأتي الحرب وتقضي على الأخضر واليابس، وينكفئ المسيحيون عن الدولة ونعيش زمنَ الانحطاط السياسي.

لذلك، فإنّ عودة الموارنة إلى لعبِ دورهم تشَكّل ضرورةً للمسلمين قبل المسيحيين، وإعادة الصلاحيات إلى رئيس الجمهورية هي واجب وطنيّ لكي يكون المسيحي عاملَ فصلٍ بين السنّي والشيعي وليس مقسوماً بين المحاور، فيكونَ حطباً في النزاع الطائفي الكبير.