IMLebanon

الميزان الإقليمي المختلّ لا ينفع اعتماده قانوناً للانتخاب

ميزان القوى مختل في الاقليم بعد فرض «حلف الممانعة المزركشة» معادلته في حلب، وبعد تراجع حسابات «تقلّص رقعة داعش»، الأمر الذي يستفيد منه الحلف المذكور بشكل أو بآخر.

الأسابيع القليلة التي تفصلنا عن موعد دخول دونالد ترامب الى البيت الأبيض أبرزت همّة كان من المفترض أن يظهرها باراك اوباما قبل سنوات عديدة، أكان في مواجهة الاستيطان بالمناطق الفلسطينية المستقلة، أو من زاوية تسليح الفصائل السورية «المعتدلة». واذا كانت هذه «الهمّة» تتحرّك بدافع التأثير على توجهات الادارة المقبلة، فانّ هذه الادارة الآتية لا يمكن استقاء توجهاتها من عنتريات ترامب الانتخابية وحدها، وان كان ترامب وضع معادلات «غير بديهية»: التشدد مع الصين، والليونة مع موسكو، التشدد مع ايران، والليونة مع نظام الأسد. وفي النهاية، فيما يعني المنطقة العربية، فان المعطى الاساسي هو انتماء ترامب والقسم الاكبر من الادارة المقبلة الى معسكر اخصام الاتفاق النووي الايراني – الاميركي او من انصار إلزام هذا الاتفاق بضمانات جديدة.

وما بين فرض الطيران الروسي «املاءه» في حلب، وخروج المقاتلين والاهالي من قسمها الشرقي الى مناطق محررة من سيطرة النظام، وما بين مجيء الادارة الاميركية الجديدة، ثمة محاولة روسية للاستعجال بتركيب اطار سياسي بديل عن مقررات جنيف بخصوص الازمة السورية، من خلال ما ارساه «اعلان موسكو» المستبق، عشيته، بجريمة اغتيال السفير الروسي في أنقرة.

ميزان القوى مختل اذاً، لكن قاعدة الميزان أيضاً متأرجحة: «الحل العسكري» يقرب موسكو من طهران، و«الحل السياسي»، أياً كان تصريفه، يقربها من أنقرة أكثر. أي حل سياسي جدي في سوريا سيكون بشراكة روسية تركية، والمؤسف اختلال موقف الاجماع الرسمي العربي في الموضوع السوري، الذي كان قائماً، وداعماً بشكل قوي لخط الثورة السورية قبل أعوام، وتجاوز هكذا اختلال اساسي كي يكون هناك دور عربي أساسي في تأهيل مسار الحل السياسي في سوريا.

اختلال القوى له حدود، رغم كل المسار الكارثي في سوريا والعراق، ورغم العراقيل الذاتية أمام تحرك الكتلة العربية للدفاع عن العراقيين والسوريين. فلا النظام السوري مرشح لاسترجاع المساحة الكلية: خارطة انتشاره فوق الارض السورية لا تزال تفضح طبيعته كمسخ. ولا الهيمنة الايرانية يمكن ان تتحول الى مستقرة وشاملة في العراق، ولا «حزب الله» في لبنان يمكنه ان يترجم سيطرته الامنية الى حالة هيمنة شاملة: فهذه السيطرة يظهر مأزقها جدياً كلما استكملت المؤسسات الدستورية شكلها، نعم شكلها، ويزداد هذا المأزق كلما اعطي للنقاش السياسي تغطية دستورية جدية ودائمة، وكلما اعطي للنقاش حول قانون الانتخاب – ما دام هو المحور اليوم – تغطية دستورية، ونعني بالتغطية الدستورية كلاماً منهجياً ينطلق من تصور ومعجم جديين في تبنيهما لرؤية عملية، حقوقية المرتكز، قانونية المسار، لتشغيل وظائف ومرافق الدولة.

اختلال القوى في لبنان يختلف الى حد ما طبعاً عن اختلال القوى في سوريا. هذا الاختلاف لا يزال يمنح لبنان مسافة من الحريق الاقليمي، وهي مسافة لا بد من الحرص عليها. بالتوازي: قطع الطريق دون اقتراب اختلال القوى / نموذج لبنان من اختلال القوى / نموذج سوريا يمر عبر منع «املاء» فريق لـ«خاطرته» عن قانون الانتخاب، على بقية اللبنانيين، والعودة الى النقطة المفترض ان تكون بديهية: قانون الانتخاب، في اي بلد، ملحق بالقانون الدستوري، ويتشكل في ضوئه وعلى أساسه. الانتخابات التشريعية هي انتخاب يراد منها ليس فقط انتخاب مجلس تمثيلي، بل مجلس تشريعي قبل اي شيء آخر. وظيفة التشريع لا يمكن اقصاؤها عن كل النقاش المتعلق بقانون الانتخاب. صحة التمثيل؟ نعم. لكن ايضا: عافية التشريع. صحة التمثيل؟ نعم. لكن ايضا: حيوية التداول على السلطة، ومجلس قادر بتكريس صفته التشريعية على افساح المجال لتكريس كل واحدة من السلطات الدستورية لذاتيتها الوظيفية المستقلة. وهذا يكون: بأبعد قانون انتخابي عن التأثر بالاختلال «الأمني» بين القوى والمجموعات القائم في هذا البلد، وبأقرب قانون يمكنه أن يتيح لمهارات تشريعية من الدخول الى الندوة البرلمانية. «النسبية المزركشة»، انعكاس «حلف الممانعة المزركش»، لا تتيح لا هذا ولا ذاك!