IMLebanon

النسبيّة… و«خلطة» القوانين الإنتخابية

في ظلّ تعذّر وصول طاولة الحوار الوطني إلى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، نظراً إلى التعقيدات الداخلية والإقليمية المحيطة بهذا الملفّ، يقفز قانون الانتخاب إلى الواجهة مجدّداً بعدما وضَعه الرئيس نبيه برّي بنداً أساسياً على بساط البحث.

بصَرف النظر عمّا ستشهده طاولة الحوار من مباحثات في شأن قانون الانتخاب الأفضل، تبقى العقد القديمة قائمة، خصوصاً أنّ المسيحيين يعوّلون عليه لاسترجاع دورهم، فيما يُشكّل نقطة أساسية لإصلاح النظام السياسي. لكن بعد انقضاء أكثر من عامين على التمديد النيابي الأوّل، لم يطرأ أيّ تبدّل على المشهد السياسي العام، بل جَنح نحو التعقيد.

الجديد الذي دخل الحياة السياسة اللبنانية، هو الحراك المدني الذي طرَح إجراء انتخابات نيابيّة على أساس لبنان دائرة انتخابية مع النسبية، في وقتٍ طالبَت بعض مجموعات الحراك بانتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي، وهذا يُعتبر من سابع المستحيلات في بلد طائفي مثل لبنان، تَحكمه الغريزة المذهبية، ويفرض السلاح غير الشرعي إيقاعه على الحكم وإدارة البلد، مع ارتفاع عناوين سياسيّة كبيرة لا تعبّر عن وجع الناس.

كلّ الوعود التي سيقت في السابق بإنتاج قانون إنتخاب عصري وحديث يؤمّن صحة التمثيل ذهبَت أدراج الرياح، مع عجز الطبقة السياسيّة عن التجديد والتحديث وجنوحها نحو متاهات التمديد، في وقت لا يبدو أنّ هناك أفقاً لإتفاق الأقطاب السياسيين على قانون جديد إلّا إذا فرَضت تسوية خارجية ما سلّة حلّ متكاملة تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، لتصل الى إنتاج قانون إنتخاب جديد.

وتظهَر التباينات بوضوح بين الحلفاء أنفسهم، ففي حين طالب رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون بقانون الخمسة عشر دائرة على أساس النسبيّة، والذي اتفقَ عليه المسيحيون في بكركي، خرج نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم بموقف لافت بعد كلام عون، إذ دعا إلى إقرار قانون انتخاب يعتمد لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية، ما شكّل ردّاً غير مباشر على عون، وضرَب ما ينادي به المسيحيون بقانون يؤمّن صحة تمثيلهم. في وقتٍ ما زال طرح الرئيس نبيه برّي بانتخاب 64 نائباً على أساس النسبي و64 على أساس الأكثري قابلاً للحياة.

من جهة ثانية، يصِرّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط على رفض النسبية المطلقة باعتبار أنّها تُنهي دورَه وتقضي على الكتلة الفضفاضة التي يفوز بها في النظام الأكثري عبر السيطرة على مقاعد المسيحيين في الشوف وعاليه، مع العلم أنّ الحزب التقدمي الإشتراكي تاريخياً، ومع الشهيد كمال جنبلاط، كان من أشدّ المتحمسين للنسبية كمشروع أساسي للإصلاح في لبنان. في وقتٍ خفّت حدّة معارضة تيار «المستقبل» للنسبية بعدما صاغ مع «القوات اللبنانية» القانون المختلط، لكن من دون الذهاب الى تأييد النسبية الكاملة.

على الساحة المسيحيّة، وعلى رغم إقرار «إعلان النوايا» بين «القوات» و»التيار الوطني الحر»، وتأكيدها أولوية قانون إنتخاب عادل، إلّا أنّ الفريقين لم يخرجا حتّى الساعة بمشروع قانون موحَّد يرضي الأكثرية المسيحية ويكون مقبولاً من الشركاء المسلمين، وهذه ثغرة تسجّل على التفاهم حتّى الساعة إلّا إذا حصلت مفاجأة في الأيام المقبلة، وسط تمسّك «القوات» بالقانون المختلط، وطرح عون النسبية على أساس 15 دائرة، في وقتٍ يرفض حزب الكتائب اللبنانية القانون المختلط الذي يعيد قانون الستّين مقنّعاً.

تُعتبر الأقضية المسيحية الأكثر قابليةً للتغيير والمحاسبة، نظراً لوجود رأي عام يراقب الأمور، فكسروان التي أعطت العماد عون عام 2005 نحو 70 في المئة من أصواتها، كادت أن تسقطه عام 2009 لولا خطأ «14 آذار» في تركيب اللائحة.

ومع تأكيد الجميع أهمّية التمثيل المسيحي، يبقى قانون الانتخاب معياراً للحفاظ على إتفاق «الطائف» من خلال احترام المناصفة، ويشكّل مؤشّراً يدلّ على نمط تعامل الشركاء في الوطن مع المكوّن المسيحي، وإذا لم تُحترَم المناصفة سيكون للمسيحيين كلمتهم في شكل النظام وطبيعته، وربّما يذهبون إلى طرح الفيدرالية التي لمَّح إليها عون أخيراً.