IMLebanon

النسبية.. ممر إلزامي

بمعزل عن مصير «طبخة البحص» التي تحاول اللجنة النيابية المشتركة تحويلها إلى قانون انتخابي، يمكن لمؤيدي النسبية أن يتباهوا بأنهم نجحوا في ادخال هذا النظام الى الثقافة الانتخابية اللبنانية وجعلوا منه ركيزة أي قانون انتخابي جديد.

قبل أعوام قليلة، تذرّع البعض بأنّ في هذا النظام ما يكفي من التعقيدات والفذلكات التي لا تسمح له بأن يحكم صناديق الاقتراع بحجّة عدم فهم اللبنانيين «لغته»، كي يُبعد كأسه عن أفواه الطبقة السياسية التي غالباً ما كانت تتقاطع مصالحها عند شر تأبيد النظام الأكثري المطلق.. فذهبت صرخات المنادين بالنسبية سُدى.

اليوم، صارت النسبية ممراً إلزامياً لأي قانون جديد، باعتراف معظم القوى السياسية التي باتت تخجل من دفاعها المستميت عن النظام الأكثري. هكذا، شهد النّقاش حول قانون الانتخابات جولات كثيرة من الكباش حول النظام المفترض اعتماده، مع أنّ قلّة من القوى السياسية هي التي تمسكت فعلاً لا قولاً فقط بموقفها الداعم للنسبية. ويمكن التذكير بأنّ «التيار الوطني الحر» كرّس هذا النظام خلال انتخاباته الداخلية، ولو بطريقة محدودة، لكنه أثبت للرأي العام أنّ اعتماده ليس عصياً على التطبيق.

كما أنّ «الحزب الشيوعي اللبناني» من أكثر الأحزاب مناداة بهذا النظام والذي يسمح له باختراق الاصطفافات الطائفية ليعبّر عن حضوره الشعبي ويدخل الندوة البرلمانية من دون الحاجة الى «البوسطات» المذهبية.

ولعلّ اشتداد الحملة على النظام الأكثري هو الذي يدفع «الشيوعيين» الى تكثيف ضغطهم لتكبير كرة الثلج الاعتراضية واشراك كل المتهمين بهذا الشأن في «اللوبي» الضاغط. الأمر الذي دفع قيادته الى تحديد اليوم 22 تموز «اليوم الوطني للنسبية»، وذلك «في عملية إنقاذية وطنية كبرى وعاجلة، وذلك من أجل بناء وطن عصري يتمتّع فيه المواطنون بكامل حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية»، كما أكد الأمين العام حنا غريب.

ولقد اعتمدت النسبية في دول تتميز بتنوع ديني أو عرقي أو لغوي مثل الدنمارك وسويسرا وبلجيكا وفنلنده، حيث يقول بعض المؤرخين، إن بلجيكا بدأت تطبيق هذا النظام في العام 1899، ويعرّفه البعض بأنه النظام الذي يعطي كل حزب تمثيلا يتناسب مع قوته العددية بدلاً من ان يفوز بكل المقاعد الحزب الذي يحصل على الاغلبية زائدا صوتا واحداً.

وبالتالي، هو يقوم على توزيع المقاعد تبعاً لنسبة الاصوات التي تحوز عليها اللوائح المتنافسة. وعادة ما تعتمد اللوائح المقفلة عند تطبيق النظام الانتخابي النسبي في الانظمة السياسية التي تتكئ على حياة حزبية سليمة كما هي الحال في أوروبا، وتحديدا في المانيا والسويد وهولندا وايطاليا.

وهنا، لا بد من التمييز ما بين النظام النسبي الكامل الذي يتم على اساس الدائرة الانتخابية الواحدة، حيث يقسم مجموع الاصوات المقترعة على عدد المقاعد المحدد ونحصل على الحاصل الانتخابي، وبعدها توزع لكل لائحة مقاعد بمقدار ما تحصل عليه من عدد مرات الحاصل الانتخابي، وعادة ما تفرض الدول التي تعتمد هذا النظـام الانتخابي الحصول على نسبة معينة من الاصوات المقترعة لكي يحق للائحة الحصول على نصيبها من المقاعد (بعض الدول تعتمد نسبة الـ 5 في المئة او 10 في المئة).

وإذا كانت أهم خصائص هذا النظام هو تحقيق العدالة في التمثيل من خلال برلمان تتمثل فيه القوى السياسية، لا سيما الأقليات بمعزل عن طبيعة هذه الأقليات، وتغليب طابع التنافس بين المبادئ السياسية والبرامج على التنافس بين أشخاص، فإنّ أبرز علله، كما يرى بعض المعنيين، هو قيام حكومات ائتلافية قد يصعب على مكوناتها التعايش في ما بينها. وفي الحالة اللبنانية التعايش ضرورة، لا بل «ألف باء» الأبجدية السياسية، سواء كان نتاج النظام الأكثري أو النسبي.