IMLebanon

صدمة ريفي: انتفاضة حريرية بوجه زعامات 8 آذار وحقبة الوصاية

قراءة مغايرة بعد هدوء العاصفة: لائحة الأضداد المُجمّلة حَملت بذور سقوطها!

صدمة ريفي: انتفاضة حريرية بوجه زعامات 8 آذار وحقبة الوصاية

وسطاء يعملون لرأب الصدع… والمطلوب مصارحة شجاعة تُراجع مكامن الخلل وتُنهي حالة ترهّل التيار

«زلزال طرابلس» أو «تسونامي ريفي» أضحى على مشرحة كل القوى السياسية والحزبية التي تحالفت ضمن لائحة واحدة لخوض الانتخابات البلدية والاختيارية في طرابلس، والتي لم تَستفِـق بعد من صدمة مزاج الشارع الطرابلسي الذي صبّ أصواته للائحة «قرار طرابلس» المدعومة من اللواء أشرف ريفي مُحدِثاً المفاجأة المدوّية.

ثمّة رسائل أراد الشارع الطرابلسي أن يوجهها إلى الزعامات والقيادات والأحزاب، التي ظنّت أنها من خلال تكتلها ضمن لائحة واحدة، تكون قد أطبقت على الصوت الطرابلسي وضمنت النتائج سلفاً، فإذا بصناديق الاقتراع تُبدّد تلك الظنون والأوهام.

لا شك في أن فهم ما جرى في طرابلس يتطلب دراسة معمّقة لمختلف العوامل والتراكمات التي تفجّرت في لحظة الحساب الشعبي. لكن القراءة الأوّلية لارتدادات اليوم الانتخابي أظهرت أن لائحة الأضداد، التي جُمّلت تسميتها بلائحة التوافق، حَمَلت بذور سقوطها بتحالفاتها الهجينة، بدءاً من تحالف الميقاتي – الحريري رغم سنوات القطيعة على خلفية انقلاب الرئيس نجيب ميقاتي على الرئيس سعد الحريري في 2010، والذي اعتبره الأخير طعناً في الظهر، وما حمله من تداعيات سياسية على البلاد، وصولاً إلى انضواء «المستقبل» في لائحة ضمّت في غالبيتها رموزاً محسوبة على النظام السوري وقوى الثامن من آذار، ما شكّل استفزازاً لأهل المدينة، لا سيما حين يكون أحد المطلوبين للقضاء، رفعت عيد، مِـنَ الداعمين لهذا التحالف الهجين.

ظنّ «تيار المستقبل» أن تراجعه في المدينة خدماتياً وانخفاض مستوى خطابه السياسي يُعوّضه التحالف مع ميقاتي الذي بدا أنه يتقدّم في موقع الزعامة الطرابلسية على الآخرين، فكيف إذا أضيفت إلى التحالف ماكينات النائب محمّد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي والجماعة الإسلامية وجمعية المشاريع والعلويين والحلفاء المسيحيين.

كانت حسابات «المستقبل» تنطلق من أن هذا التحالف العريض قادر على تحقيق انتصار بلدي يُجيّر سياسياً في مقابل تحجيم ريفي الداعم للائحة لا تملك مقوّمات وحظوظ النجاح، حتى أن حسابات الاختراق كانت ضعيفة في نظرهم، وهي إن حصلت، فلن تتعدّى مرشحاً أو مُرشّحَين.

غير أن تلك الحسابات أظهرت سوء تقدير لموقع الزعامات الطرابلسية وقدرتها على إدارة المعركة والتجيير فيها، وانطوت الانتخابات على نتائج وخلاصات مُعبّرة، في مقدمها أن طرابلس لا تزال تُدين بالولاء للحريرية السياسية، وهي خلاصة لا بدّ لسعد الحريري من التوقف عندها ملياً.

فالانتصار الذي حققه ريفي على كل القوى الطرابلسية مجتمعة، ما كان ليكون لولا خطابه السياسي الذي جاء منسجماً مع قناعاته السياسية كحالة حريرية، وإن أراد تصويرها على أنها مستقلة، ولولا فهمه لنبض الشارع وتماهيه مع موقف المدينة السياسي المناهض للنظام السوري والمؤيد للثورة السورية، والمعادي لسياسة «حزب الله» الذي حاول بكل وسائله اختراق المدينة واستنزافها عبر الاقتتال بين جبل محسن وباب التبانة وخلق خلايا لـ «سرايا المقاومة» في عاصمة الشمال.

قد يذهب البعض إلى القول أن سعد الحريري هُزم في طرابلس بجمهور رفيق الحريري وتالياً بجمهوره، ولكن - في رأي مراقبين - تبدو الصورة مختلفة، فهؤلاء يطرحون السؤال الآتي: ماذا لو ربحت لائحة التحالف الهجين حيث الغَـلبَة لقوى الثامن من آذار وحلفاء النظام السوري؟ وعليه، هل كان عندها سيُجيّر الانتصار إلى الحريري أم أنه كان سيُجيّر للاتجاه السياسي للغالبية التي ستتحكّم بالمجلس البلدي؟

هذا السؤال يدفع بكثير من النخب الطرابلسية، التي تدور سياسياً في فَلَك قوى الرابع عشر من آذار، إلى القناعة بأن انتصار اللائحة المدعومة من ريفي هو انتصار للموقع الطبيعي لطرابلس في السياسة، فلائحة «قرار طرابلس» هي لائحة مِن نسيج الحريرية السياسية، ومِن نسيج قوى الرابع عشر من آذار، ومِن النسيج السياسي الحقيقي للمدينة، وقد شكّل دعم ريفي لها رافعة فعلية آلت إلى نجاحها، فضلاً عن إدارته الحكيمة للمعركة، إذ أنه لم يَخض المعركة من فندق «الكواليتي إن»، الذي تَحوّل إلى غرفة عمليات للماكينة الانتخابية التابعة للائحة التحالف، بل نزل إلى الأرض حيث كان على تماس مع كل منطقة وحيّ وبيت طرابلسي، لا سيما في المناطق الشعبية التي تشكّل الخزان البشري للانتخابات، فكان أن حَصدَ نتائج تفاعله المباشر مع الناس، وخطابه السياسي المنسجم مع مزاج المدينة.

وفي الخلاصات أيضاً أن ريفي تحوّل رقماً صعباً في الفيحاء، وأضحى واقعاً لا يمكن تجاهله، لكنه في الوقت نفسه نجح في حماية إرث الحريري الأب والابن، وفي بث الروح في انتفاضة شَكّل الشمال وطرابلس رافداً أساسياً لها.

يُوصِّف طرابلسيون واقع ريفي ما بعد 28 أيّـار بأنه حافظ الأمانة، التي لا بدّ من أن يستعيدها سعد الحريري بوصفه المُؤتمَن عليها، والذي كرّسته صناديق اقتراع الانتخابات النيابية في 2005 و2009 زعيماً أوّل للسنّة وزعيماً وطنياً، وهي مسألة، وفق سياسيين «خيّرين»، ليست صعبة التحقيق، ذلك أن ريفي الذي أهدى انتصار طرابلس إلى روح الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكل شهداء ثورة الأرز، كان واضحاً حين كرّر أكثر من مرّة أنه يُدرك حجمه السياسي عبر التعبير الذي استخدمه «إجْرَيي على الأرض وراسي ع كتافي»، والأهم أنه أكد أكثر من مرّة تلاقيه مع الحريري على القضية، وأعلن مدّ اليد له.

الأكيد أن الوسطاء يعملون من أجل رأب الصدَع الذي حصل بين الرجلين، فالمسؤولية كبيرة على ريفي لأن طرابلس التي منحته الثقة تنتظر إلى جانب الموقف السياسي مشروعاً إنمائياً ينهض بالمدينة، والمتربصون كُثر، والمسؤولية كبيرة على الحريري لمراجعة شاملة لمكامن الخلل في الأداء والخيارات والظروف التي آلت إلى ترهّل التيار، وإلى التماهي مع جمهوره مجدداً، فهل تكون البداية بمصارحة شجاعة مع ريفي؟