IMLebanon

منهج عمل ريفي في طرابلس: «حرب أنصار»

مع انتهاء إنتخابات بلدية طرابلس على النتيجة التي حقَّقت مفاجأة حتى لصانعها الوزير أشرف ريفي ذاته، تبدو عاصمة الشمال أشبه بالمدينة الخارجة للتو من «زلزالٍ إجتماعيٍّ وسياسيّ».

حتّى اللحظة لم يتم بعد بدقة إحصاء الأضرار الحقيقية التي لحقت بزعامات طرابلس التقليدية جراء خسارة تحالفها في الانتخابات البلدية؛ وحتى هذه اللحظة لا تزال غير مقروءة ما إذا كانت قوة ريفي صالحة لأن تستديم كزعامة جديدة في عاصمة الشمال.

الوصف الأكثر رواجاً لواقع طرابلس في هذه اللحظة هو أنها تعاني من «اهتراء» وأنها تقف على منصة بداية مسار تشكّل سياسي وإجتماعي جديد ليس مضموناً كيف ستكون نهايته.

غير أنّ السؤال المحوري داخل كلّ هذه الأسئلة القلقة، هو عن خطط ريفي المقبلة وعن سقف طموحاته السياسية داخل عاصمة الشمال وداخل كلّ معادلة الزعامة السنّية، وفي المقابل عن ردود الفعل المتوقعة ضده أو إزاءه من زعامات طرابلس التقليدية وتيار «المستقبل»، وما إذا كانت ستشهر في وجهه أسلحة تدجينه إن وجدت أنّه ما عاد بمقدورها إرجاعه إلى القمقم.

راصدو آفاق الاجوبة عن هذه الأسئلة يلفتون الى غير ملاحظة تجمّعت لديهم عمّا تمتاز به التكتيكات التي يتبعها ريفي خلال الفترة التي تلت مفاجأة نصره الانتخابي.

ويلاحظ هؤلاء بداية أنّ ريفي لا يزال في هذه المرحلة المبكرة من طرحه مشروع زعامته المستقلة، يتقصَّد الإقامة داخل خندق حالته اللصيقة به، ريثما ينجز عملية هضم انتصاره الضخم في طرابلس الذي حققه – من وجهة نظره – على كلّ اقطاب السنّة ليس فقط على الطرابلسيين بل اللبنانيين أيضاً.

ومن داخل هذا الخندق يحاول ريفي بأسلوب تكتيكات «أضرب واهرب» و«جسّ نبض الارض الجديدة» (زيارته الى صيدا) استكشاف سبل المراكمة على نصره الانتخابي، والنجاح في توظيفه في مصلحة إثبات أنه حالة سياسية سنّية غير محاصرة وليست عابرة ولم تولد بالصدفة بفعل أنّه استغلّ لحظة فراغ سياسي سنّي موقت، والتأكيد بدلاً من ذلك أنّ حالته تعبير أصيل عن نضوج ارادة سياسية للتغيير لدى سنّة عاصمة الشمال.

إستراتيجية عمل

ويرى كثيرون من عارفي طرابلس أنّ طموح ريفي يكتنفه الكثير من المبالغة، رغم عدم إنكارهم أنّ مغامرته السياسية تنطوي على بعض الفرص. ويتوقف هؤلاء عند ما يسمونه ظهور بداية إرهاصات «استراتيجية عمل» لريفي في طرابلس قد تؤدي مفاعيلها من وجهة نظره الى تثبيته فيها كزعيم اول لها.

وتقوم هذه الاستراتيجية على مفهومين، يشتمل كلّ واحد منهما على مجموعة مبادرات ومهمات عملية:

المفهوم الاول هو عبارة عن مبادرات اجتماعية داخل طرابلس، هدفها الأساس تغذية القناعة لدى الرأي العام فيها بأنّ مرجعية الرعاية الاجتماعية كما السياسية في المدينة المتسمة بأنّ زعاماتها التقليدية تسدّ غياب الدولة عنها، انتقلت من ايدي هؤلاء ومعهم تيار «المستقبل» الى ايدي حركة ريفي الإصلاحية الجديدة الآيلة للتشكل على نحو اوضح قريباً.

وتطبيقاً للمفهوم الآنف، اتخذ ريفي خلال الاسبوعين الاخيرين غير مبادرة عملية داخل طرابلس، كان هدفها الأساس إظهار أنّ المفعول السياسي لنتائج انتخاباتها البلدية، لن ينتهي بعد سطوع شمس اليوم التالي على اعلانها، بل سيُستكمل داخل الواقع الطرابلسي الخدماتي والسياسي والاجتماعي.

يريد ريفي من ذلك تكثيف القناعة داخل طرابلس بأنّ ما حدث هو زلزال سياسي أدّى الى هزّ معالم خريطتها السياسية القديمة، وذلك لمصلحة بدء مسار نهوض خريطة سياسية جديدة تتسم بمعادلات مستجدة وإصلاحية منقادة منه.

وكان لافتاً ضمن هذا السياق أنّ رمضان طرابلس لهذا العام، شهد سابقة تمثلت في أنّ الطرف السياسي الوحيد الذي وزّع حصص المساعدات الغذائية على فقرائها هو ريفي حصراً، فيما الأطراف الاخرى من الرئيس نجيب ميقاتي الى النائب محمد الصفدي وصولاً إلى تيار «المستقبل»، لم توزّع كعادتها حصصاً لفقراء طرابلس، علماً أن ميقاتي عاد واستدرك الأمر ووزّع حصصاً باسمه بعد أيام من خطوة ريفي.

انفراد ريفي بتوزيع الحصص الغذائية خلال أول رمضان بعد فوز لائحته في الإنتخابات البلدية، يُغذّي تعزيز الانطباع لدى الرأي العام الطرابلسي بأنّ الواقع السياسي لعاصمة الشمال بعد الانتخابات لم يعد كما كان قبلها. في الماضي كانت احياء طرابلس الشعبية تنتظر زعماءها التقليديين ليقدموا لها الحصص الغذائية في رمضان. وهذا العام وصلت إليهم هذه المساعدات من ريفي.

ولكن الملاحظة المهمة الأخرى تتعلق بأنّ انصار ريفي يوزّعون هذه الحصص الغذائية في صندوق تبلغ قيمة موجوداته نحو خمسين دولاراً، وذلك بعيداً من المواكبة الإعلامية، حتى إنّ المساعدات توزع على طريقة أنّ اليد اليسرى لا تعلم ما قدمته اليد اليمنى. وضمن هذا السياق يلاحظ أنّ صناديق المساعدات خلت من أيّ كتابة عليها تشير إلى أسماء الجهة الموزعة.

الواضح بحسب مراقبين طرابلسيين، أنّ ريفي عبر مبادرته الرمضانية لا يتقصّد فقط إظهار أنّ الرعاية الاجتماعية لفقراء طرابلس انتقلت اليه، بل إظهار أسلوب مختلف في علاقته مع فقرائها، حيث تصل المساعدات اليهم من دون سعي منهم لتسجيل أسمائهم او ما شاكل، وحيث إنّ طريقة تقديمها تراعي حفظ كرامتهم.

غير أنَّ المصادر عينها تضيف سبباً آخر يجعل ريفي مهتماً بتنفيذ فعاليات اجتماعية في طرابلس بعيداً من الاضواء، أبرزها حرصه على إبقاء نواته الاجتماعية الصلبة العاملة معه بعيدة من الاضواء، لأنّ عدم كشفها سيَحميها من الاختراق خصوصاً في هذه المرحلة التي لا تزال فيها حالته الشعبية الطرابلسية طرية العود. وهذا ما يُفسّر ملاحظة بعض متابعيه أنّ أداءه حتى هذه اللحظة يمتاز بأنه يبدي «ذكاءً أمنيّاً لافتاً» داخل كلّ حركته السياسية.

المفهوم الثاني الذي تعتمده استراتيجية عمله، يتمثل في عزم ريفي التصدي لمهمة اكثر تعقيداً تتعلق بإنجاز تسويات قانونية لشريحة واسعة من الطرابلسيين الذين توجد بحقهم دعاوى قضائية، على خلفية تورّطهم في جولات العنف خلال الاعوام الماضية بين احياء طرابلسية وجبل محسن.

وتجدر الاشارة الى أنّ هؤلاء المطلوبين يمثلون مع عائلاتهم نسبة عالية من احياء طرابلس الفقيرة، ويحتلون داخل البيئة الشعبية الطرابلسية المتصفة بأنها الاكثر معاناة اجتماعياً، صفة انهم «ضميرها المظلوم» سواء بسبب إهمال الدولة المزمن لأحيائهم ومصالحهم او بسبب علاقة الزعامات بهم التي تمتاز بأنها موسمية وانتخابية.

وبحسب مصادر طرابلسية فإنّ ريفي أوكل الى زوجته، وهي محامية، فتح بابها امام جميع المراجعين لتتوغل مجاناً بمتابعة ملفاتهم القضائية مع الدولة اللبنانية.

وتتوقع المصادر أن تكون زوجته ذات شأن في زعامته الطرابلسية فيما لو اشتدّ عودها فعلاً كما يراهن «اللواء ريفي الاصلاحي داخل الحركة الحريرية»، حسبما يصفه أقرب المخلصين له.