IMLebanon

تلوّث الأنهر يهدّد الأمن الاجتماعي: إشكالات بين القرى بعد إقفال قنوات الريّ؟

طرحت ورشة العمل التي أقامتها وزارة الصناعة، أمس، بالتعاون مع بلدية زحلة حول مصادر التلوث في الانهر والمجاري المائية، مخاطر التلوث ومضاره وأنواعه والحلول المطلوبة، إلا أن الورشة لم تتمكن من بلورة أفق زمني للتخلص من هذا الموت البطيء لكل الانهر اللبنانية، وفي مقدمها نهر الليطاني، وذلك بانتظار إقرار مشروع القانون المتعلق بإقامة محطات التكرير المنجزة دراساتها وتنظيف مجرى نهر الليطاني، وهو مشروع عالق في الأدراج النيابية منذ سنوات.

لا حلول عجائبية للتلوث. واذا كان المطلوب انتظار سنوات جديدة، فإن الوقت سيؤدي الى تصعيب الحل ويزيد كلفة العلاج، وفق ما خلصت اليه مداخلات بعض المشاركين ومنهم رئيس معهد البحوث الصناعية الدكتور معين حمزة الذي قال إن التلوث الصناعي يصنف من أخطر الملوثات ويتطلب فترات طويلة من السنوات لمعالجته، وقد يصعب حله في ظل وجود رواسب تصل الى 6 أمتار في بحيرة القرعون، وهي عبارة عن بقايا الصرف الصحي المكثف والمواد الصلبة، بالإضافة الى معادن من الزنك والزئبق ونفايات المستشفيات.

وركز مدير مصلحة الابحاث العلمية الزراعية الدكتور ميشال افرام على زيادة الكلفة وتفاقم أزمة التلوث مع غياب المعالجة، وأشار الى أن كل المصادر الطبيعية في لبنان باتت ملوثة.

لعل أخطر ما تطرقت اليه الورشة هو الأمن الاجتماعي المهدد بسبب تفاقم أزمة التلوث في لبنان، وخصوصا في محيط بحيرة القرعون ومناطق وقرى حوض الليطاني، وخير مثال ما تشهده منطقة القرعون التي أقفل أهاليها قناة الري من جراء انبعاث الروائح المسمومة ونقلها مياهاً ملوثة، الأمر الذي لقي اعتراضا من بقية القرى المجاورة التي يعمل المئات من أبنائها في الزراعة (أكثر من 6500 دونم)، وهي ترتوي من القناة 900 التي أقفلها الأهالي، وهذا الأمر نبه اليه النائب جمال الجراح الذي أعرب عن خشيته من حدوث إشكالات بين الأهالي في البقاع الغربي.

ومن بين الحلول التي طرحت، إضافة كميات من الكلس على مياه بحيرة القرعون للتخلص من الروائح، إلا أن رئيس معهد البحوث العلمية الدكتور معين حمزة اعتبر الامر خطيرا جدا، لا سيما أن التربة اللبنانية والآبار الجوفية تحتوي على كميات من الكلس تفوق المعدلات.

في الورشة نفسها، أطلق وزير الصناعة حسين الحاج حسن شعار «لا تهويل ولا تهوين»، وقدم مقاربة علمية عن التلوث ومصادره وحدد المسؤوليات لمعالجته، معتبرا ان الكل مسؤول عن التلوث والحد منه، من المنزل الى الوزارات والإدارات والبلديات، وليس هناك براءة من تحمل مسؤولية التلوث لأي كان حسب الوزير الحاج حسن الذي لم ينف مسؤولية وزارة الصناعة عن تلوث البيئة والمجاري المائية، إلا ان القطاع الصناعي ليس وحده الملوث. ووفق أرقام الحاج حسن، تشكل ما نسبته 24 في المئة من التدهور البيئي في لبنان و17 في المئة من حجم التلوث في الليطاني، فيما لفت رئيس معهد البحوث العلمية الدكتور معين حمزة الانتباه الى أن تأثيرات هذه النفايات الصناعية قد تتجاوز في خطورتها وسميتها ما يزيد عن 50 في المئة من حجم التلوث، لأن هناك صعوبة في معالجتها.

واعتبر الحاج حسن أن عدة قطاعات مشاركة اضافة الى الصناعة في تحمل المسؤولية عن التلوث والتدهور البيئي في لبنان، بدءا من الاعتداءات على الانهر والمجاري المائية الى الزراعة وترسباتها الكيميائية من خلال المبيدات والأسمدة، الى نفايات المستشفيات والنفايات الصلبة وصولا الى السياحة والمنازل ونفايتها الصلبة والسائلة، واخيرا أضيف مصدر جديد للتلوث في لبنان وهو مخلفات النازحين الذين يتركزون في غالبيتهم على طول مجرى حوض الليطاني.

أكد الحاج حسن أن الوزارة لن تتهاون في موضوع الملوثات الصناعية، وعليه أصدرت وزارة الصناعة مؤخرا مذكرة قضت بعدم إعطاء أي معمل أو مؤسسة صناعية شهادة صناعية إذا لم يتأكد المراقبون الصناعيون من التزام المعمل للمعايير البيئية ويعالج نفاياته ومخلفاته، علما ان الشهادة الصناعية مطلوبة من أجل التصدير والاستيراد والكثير من الأمور الإدارية والرسمية وهي شهادة تعطى كل ستة أشهر.

وأكد الحاج حسن ان ابواب الوزارة مفتوحة وجاهزة لمساعدة أي معمل ومؤسسة صناعية من أجل معالجة نفاياتها الصناعية، وسترسل وزارة الصناعية مذكرة الى كل الصناعيين بهذا الخصوص، إلا ان المعامل التي لن تبادر الى معالجة أزمتها ستعاقب وستردع وان كانت هناك مؤسسات قد تعرضت للإقفال لمسؤوليتها في التلوث انما بعيدا عن الصخب الإعلامي.

وتطرق الحاج حسن الى دور البلديات التي يقع على عاتقها من باب التمني وليس من باب تحميلها المسؤولية، مسؤولية الافادة عن عدد وحجم المصانع الموجودة في نطاقها العقاري لمساعدة الوزارة في عملية الكشف على هذه المؤسسات، وخصوصا ان عدد المصانع غير المرخصة يصل الى حدود 2500 مصنع وأغلبها صناعات غذائية وتتركز في البقاع مقابل وجود أكثر من 4500 مصنع مرخص، وأشار الى انه سبق لوزارة الصناعة أن أرسلت كتاب الى وزارة الداخلية من أجل إصدار مذكرة الى المحافظين والقائمقامين والبلديات من أجل الافادة عن المصانع والمؤسسات الصناعية الموجودة في نطاقها، إلا أنه لم يتم التجاوب مع هذا الكتاب إلا بما نسبته 17 في المئة فقط، وعليه سنعيد إرسال هذا الكتاب الى وزارة الداخلية.

وسأل الحاج حسن «هل يمكن تصور مناطق صناعية من دون شبكات صرف صحي كما هو حال منطقة تعنايل أو المنطقة الصناعية في نهر الموت (150 مؤسسة صناعية)؟».

يذكر أن الورشة أقيمت في «اوتيل قادري» وحضرها حشد رسمي ونيابي وعدد من رؤساء الاتحادات البلدية والمدراء العامين وناشطون بيئيون.

وركزت المداخلات على موضوع الصلاحيات التي وجدها الكثيرون بأنها سبب رئيسي في تفاقم المشكلات البيئة في لبنان، وخصوصا في مناطق حوض الليطاني حسبما قال المدير العام السابق لمصلحة مياه الليطاني الدكتور ناصر نصرالله الذي اعتبر أن مشروع إقرار قانون لمعالجة التلوث هو أكثر من تشريع الضرورة.