IMLebanon

السطو على الأملاك العامّة في الميناء: عقار وهمي على المسطح المائي

السطو على الأملاك العامّة في الميناء: عقار وهمي على المسطح المائي

أشخاص من آل شبطيني وآل حبيب تملّكوا العقار بمساحة 29838 متراً مربعاً

السطو على الأملاك العامّة البحرية متواصل، وكذلك مسلسل «فضائح» الفساد في أعمال الإدارة والقضاء، التي تجري بواسطتها جرائم السطو. فبعد عقارات الرملة البيضاء في بيروت، وقبلها الدالية في الروشة ومواقع مختلفة على الشاطئ، ظهرت أخيراً فضيحة في ميناء طرابلس، إذ تبيّن أن القاضي نزيه عكاري، المشرف على أعمال الضم والفرز في الشمال، أصدر قراراً في عام 2013 يمنح أشخاصاً ملكية خاصة على المسطح المائي، معتبراً أنه عقار خاص، وهو ما يشكّل مخالفة واضحة لقانون تحديد الأملاك العامة الذي يجزم بأن البحر وشواطئ الرمل والحصى وأبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء على الشواطئ الصخرية… هي من الأملاك العمومية التي لا تباع ولا تُكتسب ملكيتها بمرور الزمن

فضيحة كبرى دوّت في ميناء طرابلس، إذ اكتُشف عقار وهمي بمساحة 30 ألف متر تقريباً، مستحدث بقرار قضائي، على المسطح المائي أمام جامعة بيروت العربية. هذا القرار القضائي أسقط العقار من الأملاك العامة البحرية إلى الأملاك الخاصة بكل وقاحة.

على مدى ثلاثة أعوام، حيكت خيوط هذه الفضيحة. إذ رفع أشخاص دعوى قضائية بحجة استرداد عقار مساحته 45 ألف متر، وزعموا أنه سقط سهواً من مشروع الضم والفرز. استعمل المدعون صك ملكية يعود إلى فترة الحكم العثماني لإثبات ملكيتهم للعقار، علماً بأن موقع العقار في البحر، وهو مسطح مائي، ولا يمكن بأي طريقة من الطرق اعتباره عقاراً خاصاً، لا الآن ولا سابقاً.

أصدر القاضي نزيه عكاري، المشرف على أعمال الضم والفرز في الشمال، القرار رقم 21/2013 بتاريخ 23 شباط 2013، فرأى أن القسم الغربي الواقع بين الكورنيش البحري وحدود حرمة البحر المتوسط هي قطعة أرض سقطت سهواً بفعل أعمال الضم والفرز، التي جرت على العقار رقم 220 بساتين الميناء، والبالغة مساحته الأساسية 149990 متراً مربعاً، وذلك وفقاً لخرائط المساحة وإحداثياتها، وبذلك أصبح المسطح المائي أمام جامعة بيروت العربية عقاراً مملوكاً لأشخاص من آل شبطيني وآل حبيب، يحمل الرقم 1403 في بساتين الميناء 14، بمساحة قدرها 29838 متراً مربعاً، علماً بأن بساتين الميناء هي عقارات برّية ولا تتصل بالبحر بسبب وجود الكورنيش البحري والواجهة البحرية للميناء.

لم تكن هذه الفضيحة لتنكشف لولا أن “المالكين الجدد” أرادوا بيع العقار، فتقدم الشاري إلى دائرة الهندسة في بلدية الميناء لإجراء معاملة تخطيط وارتفاق، فتبين أن العقار وهمي، ولا وجود له على خرائط المساحة.

تساوي القيمة السوقية للعقار الوهمي، بحسب أسعار الأراضي البرية المجاورة، نحو 60 مليون دولار، أي بمتوسط 2000 دولار للمتر المربع، إلا أن العقار الوهمي عُرض للبيع بسعر لا يتجاوز 700 دولار للمتر المربع.

تجاهل القاضي عكاري قانون تحديد الأملاك العمومية وكل المراسيم الموضوعة والمصدقة للمنطقة، ومنح أملاكاً عامة لأشخاص محددين على حساب حقوق الناس، وشوّه الواجهة البحرية بطول 420 متراً تقريباً. ويفيد مهندسون مطلعون بأن الخرائط التي اعتمدت لاتخاذ القرار القضائي مزورة، إذ رسمت عليها الصخور البحرية البيئية على أنها أرض عقارية بخلاف الواقع المغطى بالماء كل أيام السنة.

يوضح رئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين، أن المجالس البلدية المتعاقبة اعتمدت الواجهة البحرية متنزّهاً بحرياً عاماً وخدمات عامة ترفيهية من دون إمكانية تجزئتها تحت نظام (M8)، وهي مصدّقة بالمرسوم التوجيهي العام ورقمه 16353 بتاريخ 10 شباط 2006، فخفضت عامل الاستثمار لتنظيم مُدني حديث، ولكشف البحر للجميع لأنه من حقّ العموم وترك منافذ الوصول إليه حرّة. وعدَّ القضية عملية تزوير وسلب لحقوق العموم وتشويه متعمد ومقصود للواجهة البحرية لمدينة الميناء.

ويقول علم الدين إن الخرائط الحالية (أي قبل صدور القرار القضائي) هي خرائط أساسية ونهائية ولا يمكن تخطيها ولا يوجد مجال للسهو أو الخطأ في ظل وضع الإحداثيات المبينة في خرائط المساحة، مشيراً إلى أن العقار المذكور بالمرسوم رقم 7663/1961 أصابه مشروع الكورنيش البحري بعرض 32 متراً وبمساحة قدرها 1960 متراً مربعاً تقريباً. وفي عام 1979 بموجب المرسوم رقم 2151 خضع هذا العقار لأعمال ضم وفرز عام وأُدخل بكامل مساحته وفقاً لخرائط المساحة والمعتمدة في دوائر المساحة والعقارية، ووُزِّع كامل القطع الجديدة المفرزة على أصحابها، وسُجِّلَت في القيد العقاري حسب الأصول. ويضيف أنه “صُدِّق مشروع الضم والفرز العام النهائي المعلن عام 1979 مع المرسوم التعديلي رقم 123/2003، وأن المادة الثانية منه قد حددت باعتماد حدود الإطار الخارجي لمنطقتي الضم والفرز ببساتين طرابلس والميناء بعدم وجود عقارات للجهة البحرية واعتبار الكورنيش البحري واجهة بحرية عامة. وإن إحداثيات العقار رقم 220 والعقارات المجاورة له مبينة حدودها ومساحتها وفقاً لإحداثيات وحسابات خرائط مساحة نهائية موضوعة منذ عام 1926، وإن جميع مراسيم الضم والفرز وتخطيط الكورنيش البحري رقم 7663/1961 و 7294/1995 قد ثبّتت هذه الحدود جميعها.

بعيداً عن لغة أرقام المراسيم والقرارات والخرائط، ما يقصده رئيس بلدية الميناء أنه “لا يوجد عقار خاص خارج الكورنيش البحري في الأملاك البحرية”، مناشداً المسؤولين وأهالي الميناء المدافعة عن بحرهم، وأعلن تكليف محامي البلدية وضع إشارة على العقار ورفع دعوى على الجهات المعنية، مثل المالية، السجل العقاري، المساحة وأي جهة ذات علاقة.

في مواجهة موقف البلدية، استبق محامي “المالكين الجدد” خطوة البلدية، وعمد إلى وضع إشارة على العقار بحجة المطالبة بأتعاب مهنية وحقوق مستحقة على المالكين. كذلك، سارع القاضي عكاري نفسه، بناءً على اعتراض البلدية، إلى تقديم طلب لأمانة السجل العقاري لتجميد العمل بموجب الصحيفة رقم 1403 الخاصة بالعقار ووضع إشارة احترازية… إلا أن المفاجأة كانت أن القاضي عكاري أمر بعدم إعطاء نسخة عن هذه الصحيفة وشروحها لأية جهة كانت، بانتظار قرار قضائي آخر، كذلك أمر بالتحفظ عن جميع مستندات الملف وعدم إعطاء أي صورة عنه إلا بقرار قضائي، ما دفع المطلعين إلى التشكيك بالهدف من إخفاء المستندات، معتبرين أن الهدف هو إخفاء الفضيحة أو إتاحة الفرصة للمتورطين بالعمل على إخفاء التلاعب والتزوير.

كل هذا ووزارة الأشغال العامّة والنقل، الوصية على الأملاك العامة البحرية، لا تتحرك ولا تبدي أي إشارة اعتراض. علماً بأن المطلعين يربطون بين السطو على المسطح المائي في العقار الوهمي المذكور ومشروع كاسر الأمواج الجاري تنفيذه في الموقع من خلال وزارة الأشغال. فالبلدية كانت تتبرأ من أي مسؤولية سابقاً، باعتبار أن الكورنيش مسؤولية وزارة الأشغال، والمشروع يُنفَّذ بناءً على طلب البلدية، قدمته عندما كانت تحت وصاية المحافظ رمزي نهرا، بحجة تدعيم رصيف الكورنيش المتآكل، وكان المشروع قد أثار حفيظة المواطنين وتساؤلاتهم عن طبيعة أعمال الردم الجاري تنفيذها في البحر ولا تتناسب مع ما يُعلَن، الذي بدا أخيراً كأنه رسم حدود للعقار المذكور (تقرير “الأخبار” تحت عنوان “قصر الحلو على جزيرة البيئة: أين وزارة الأشغال؟” في ٨ تشرين الثاني ٢٠١٦).

اعتراضات على السطو

تداعت هيئات المجتمع المدني في طرابلس والميناء لتنظيم اعتراضات على السطو على الأملاك العمومية، والمطالبة بوقف الأعمال واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتورطين وكشفهم بالأسماء، ولا سيما في ظل ما يتردد عن جملة مشاريع تُعَدّ للواجهة البحرية يقف خلفها سياسيون ومتمولون. وكان وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، قد أعلن مراراً عن قرب المباشرة بتنفيذ هذه المشاريع. اللافت أن محامي المالكين هو صديق الوزير درباس، والخبير المحلف في القضية يعمل معه. وتتردد معلومات عن أن مشتري العقار هو أحد النواب وأحد مؤسسي شركة “طرابلس القابضة للتنمية TDH”، صاحبة مشروع “واجهة مدينة طرابلس البحرية”، التي تهدف إلى ردم مليون متر مربع من شاطئَي طرابلس والميناء (تقرير “الأخبار” تحت عنوان “مشاريع ردم البحر: الناخب الأكبر في بلديتي طرابلس والميناء” في 10 أيار 2016).