IMLebanon

سمير جعجع «بارقة أمل»

«دولة كلّ مين إيدو إلو»، هذا الوصف الذي أطلقه رئيس حزب القوات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع بالأمس مطابقٌ للمواصفات، غير أنّها ليست «دولة»، ولا بأيّ مقياسٍ من مقاييس الدول نحن «دولة»، وكان صادقاً جداً عندما تحدّث عن «فقدان عدد كبير من المواطنين اللبنانيين الأمل بهذه الدولة إذ يشهدون على فضائح يومية وفساد، فخاب أملهم وما عادوا يعرفون بماذا يتمسكون»، نحنُ في مرحلة «اليأس» أيّها «الحكيم»، هذا اليأسٌ ربما اختبرناه في أسود أيام الحرب اللبنانيّة، نعيش يأساً غير مسبوق في تاريخ لبنان ونكاد نقول انّ اللبنانيين باتوا على يقين أن لا دواء لهذا الداء، وأن لا رجاء يبعث النفس اللبنانيّة من قنوطها ما دامت عباءات وكوفيّات وقرارات التوريث قائمة على قدمٍ وساق وعلى عين هذا الشعب الصبور!

وإذا كان الحال بلغ برجل المقاومة الأوّل الذي خاض كلّ مرارات وتجرّعها في كأسه الشخصيّ، أن يقول  ـ وبشفافيّة كبيرة ـ «نحن نخوض صراعاً كبيراً ومريراً لكي لا نُبقي الناس في هذه الوضعية من اليأس ونريدهم أن يعودوا الى التمسُك بلبنان كما يجب وان يبقوا فيه»، فما الذي باستطاعتنا نحن أن نقوله؟! حتى قول الطغرائي في لاميّة العجم «أعللُ النفس بالآمال أرقبها/ ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل» لم يعد يبعث فينا شيئاً من الأمل بهذه الدولة!

ليست المرّة الأولى التي يلامس فيها الدكتور سمير جعجع مواطن الوجع في القلب اللبناني المغموم والمهموم، والصدق هنا أولى في قول الحقيقة كما هي بدلاً من الحديث عن وعود برّاقة كاذبة تزيد الناس يأساً على يأس من وطنهم وحالهم وأحوال بلدهم ومستقبل أولادهم، وهذه المصارحة الحقيقيّة والمكاشفة بالوضع القاتم ضروريّة، وهي ليست المرة الأولى، يوم الأحد 3 أيلول 2016 يومها كان الحال مطابقاً لما عليه اليوم، هكذا وصفناه في هذا الهامش «في لحظة لبنانيّة شديدة حُلكة السواد، تُشبه تماماً توصيفه «الأفق شبه مقفل»، «يا خيّي اختنقنا» من هذا الواقع «المقرف» من سياسة «الاحتضار» الدائم، فلا نُترك لنموت ولا نُترك لنحيا، فـ»شو هالقدر»؟!

«نحن نحاول ان نكسر هذا الواقع الموجود»، هذا صحيح، ليس لدينا ذرّة شكّ في محاولات القوّات اللبنانيّة لفتح نافذة ضوء في الجدار اللبناني المسدود، وإن كان التساؤل «كيف» يعيدنا إلى فخّ الإحباط من جديد، في أيلول العام 2016 بثّ فينا «الحكيم» صحوة الصمود طالبنا بـ»التشبّث بلبنان «أمنا وأبونا» كما وصفه ودعا «كل مواطن لبناني للتشبث بأهله، وبيته، وأرضه ووطنه أكثر من أي وقت مضى، لأنّهم الآن بأمسّ الحاجة إليه، وأكثر من أي وقت مضى. أنا اليوم أدعو المواطنين اللبنانيين، وبالرغم من كل آلامهم وجروحاتهم وأوجاعهم، الى الصمود أكثر فأكثر لأننا بحاجة الى الصمود»، بصدق شديد بدا الدكتور سمير جعجع نقطة الضوء الوحيدة و»منطق الدولة» الوحيد في سواد الواقع السياسيّ اللبناني الذي نعيشه، والقادر الوحيد أيضاً على جعل التفاؤل يتنفّس من جديد في موات التشاؤم اللبناني العصيّ على الانكشاح!»…

من قبلنا قالوا «الوقت حلال المشاكل»، وفي لبنان الوقت مهدور ولا يحلّ مشكلة، ووصف من قبلنا حالنا فقالوا: «الفقر كابس والرزق حابس»، وأسوأ من هذين المثليْن ما يختصر حالنا بفجاجة «بين السابق والمسبوق دقة خازوق»، ولكن للبنانيين أيام خبروا فيها الصبر والصمود ولم تهزمهم جحافل الحرب والنار والأزمات الاقتصادية، مررنا بأزمة إقتصادية كبرى مطلع التسعينات استمرت خمس سنوات، كان البلد يلفظ أنفاسه اقتصاديّاً، ومع هذا خرجنا من تلك الحفرة العميقة، وليس لديّ أدنى شكّ أننا سنخرج من هذه أيضاً، «نحن شعب لا يغلبه غلاب»، وحالنا في هذا النفق المظلم يستوجب تأملنا لما أنشده أبو حاتم السجستاني: إذا اشتملتْ على اليأْسِ القلوبُ/ وضاق لما به الصدرُ الرحيبُ/ وأوطأتِ المكارهُ واطمأنتْ/ وأرستْ في أماكنِها الخطوبُ/ ولم ترَ لانكشافِ الضرِّ وجهاً/ ولا أغنى بحيلتِه الأريبُ/ أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ/ يمنُّ به اللطيفُ المستجيبُ/ وكلُّ الحادثاتِ إذا تناهتْ/ فموصولٌ بها الفرجُ القريبُ».