IMLebanon

المملكة العربية السعودية والمسألة اليمنية

بتاريخ 21 أيلول 2014 اقتحم الحوثيون بدعم من الحرس الثوري الإيراني مقرّ الفرقة الأولى المدرعة للجيش اليمني التي يقودها علي محسن الأحمر، وبعد أربعة أيام من الاشتباكات مع الجيش اليمني سيطر الحوثيون بتواطؤ من جماعة علي عبدالله صالح على مؤسسات أمنية ووزارات حكومية في العاصمة صنعاء، وبعدها بأسابيع قليلة هاجم الحوثيون وجماعة علي عبدالله صالح دار الرئاسة اليمنية، بهدف السيطرة على اليمن وتحويل هذا البلد العربي العريق الى قاعدة متقدّمة للنفوذ الصفوي الفارسي، بعدما هيمنت إيران بالتوافق مع الإدارة الأميركية في عهد أوباما على عاصمة الرشيد بغداد والكثير من المناطق العراقية.

وتصدّى الشعب اليمني بقيادته الشرعية وجيشه الوطني للمشروع الصفوي الإيراني، ليخوض معركته التاريخية، لإبعاد المشروع الفارسي عن اليمن وعروبته. وهذا يعني أن الحرب في اليمن منذ بدايتها ليست حرباً سعودية في أصلها ومبدئها، بل هي حرب يمنية بين الحكومة الشرعية التي اختارها الشعب اليمني (وفق المرجعيات الثلاث المتمثلة بالمبادرة العربية الخليجية، والقرار الأممي 2216 ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني) وبين الحركة الحوثية الإنقلابية. والحرب جاءت نتاج انقلاب دموي قاده الحوثيون بدعمٍ إيراني لمصادرة خيار الشعب اليمني بقوة السلاح، مما دفع بالحكومة الشرعية اليمنية الى طلب الدعم من دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لتحقيق الاستقرار في اليمن، وحماية الشرعية ومؤسسات الدولة من النفوذ الفارسي الإيراني.

واليمن دولة عربية مجاورة للمملكة العربية السعودية، ولدول الخليج العربي، وعدم الاستقرار فيها ينعكس حكماً على دول جوارها العربي، والمملكة العربية السعودية وقيادتها استجابت لنداء الحكومة الشرعية في اليمن، بعدما تأكّد لها أنّ النار الفارسية بدأت تتمدد نحو حدودها المتاخمة لليمن، فالخطر الحوثي الصفوي ليس محصوراً داخل اليمن بل بدأ يهدّد الأراضي السعودية، وأراضي دول مجلس التعاون الخليجي، بعدما هدّد الحوثيون وقادتهم بأنّ وجهتهم التالية بعد صنعاء ستكون نحو مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة لملاقاة المشروع الإيراني الطامح للسيطرة على المنطقة العربية، بعدما أعلن كبار مسؤوليه بأنّه يسيطر على أربع عواصم عربية وهي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء.

ومن هنا فقد أكد الناطق الرسمي بإسم قوات التحالف العربي (أن انطلاقة عاصفة الحزم: جاء استجابة لطلب الحكومة اليمنية الشرعية، حيث أنّ الحكومة الشرعية كان لديها مخاطر تواجهها ويواجهها الشعب اليمني، تسبّبت في زعزعة الأمن والاستقرار وتعطيل الحياة والمصالح والتنمية في اليمن، وأضرّت باقتصاده ومؤسساته الحكومية والمجتمعية، وحاولت الحكومة اليمنية الشرعية من خلال اجتماع جامعة الدول العربية، أن تفعّل اتفاقية التعاون العربي المشترك بين الدول القابعة تحت مظلّتها، فطلبت اليمن المساعدة من الجامعة التي استجابت وعلى رأسها المملكة العربية السعودية). وأفاد الناطق الرسمي لقوات التحالف بعد عدة أيام عن تمكّن التحالف من محاصرة الإنقلابيين وتحرير الكثير من المناطق اليمنية المرتهنة لهم، كما تمكّن من تقديم الدعم الإغاثي والإنساني الذي يصل الى كل مكان في اليمن، بل أصبح يصل الى صعده مركز قيادة الحوثيين. وأكد الناطق الرسمي للتحالف (أنّ المملكة العربية السعودية ليست في حالة حرب مع الحوثيين، وإنما تعرّضت حدودها للتهديد بسبب وقوفها بجانب الشرعية اليمنية، والعمليات التي تمت من الحوثيين جاءت بهدف أن تتخلى المملكة عن دعم الشرعية اليمنية، والمملكة مستمرة في دعم الشرعية والتفاوض سيكون يمنياً – يمنياً)، ومتى انحلت القضية في اليمن وتحقق الاستقرار وتخلى الحوثيون عن موقفهم في مواجهة الحكومة الشرعية والشعب اليمني، واستجابوا للإلتزام بالمعاهدات والإتفاقات اليمنية والإقليمية والدولية التي تُلزمهم بالتخلي عن فرض القوة بالسلاح، والانسحاب من مؤسسات الدولة التي احتلوها، والمدن التي ارتهنوها وحاصروها خلال الفترة الانقلابية، إذا استجاب الحوثيون لذلك فحينئذٍ ستُحل الأزمة اليمنية التي تسمح لجميع المكوّنات اليمنية بما فيها الحوثيون، المشاركة والتعايش المجتمعي وفق الدستور اليمني.

ومن هنا يتبيّن لنا أن المشكلة في اليمن، هي مشكلة سياسية نتيجة للتدخل الإيراني وحرسه الثوري وأذرعه العسكرية في لبنان وسوريا والعراق ومن بعض أذرعه القادمة من أفغانستان وبعض المناطق الباكستانية، وهي ليست صراعاً دينياً أو مذهبياً، وأنّ دعم المملكة العربية السعودية وحلفائها للحكومة اليمنية الشرعية جاءت لأبعاد سياسية ومستندات قانونية لا علاقة للأبعاد الطائفية بها، وهذا الموقف من المملكة وحلفائها ليس خاصاً بالميليشيات الحوثية وحدها في اليمن وإنما يشمل كل الميليشيات الخارجة عن الشرعية، كميليشيات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وميليشيات القاعدة و»داعش» وغيرها، في حين أنّ الحوثيين وداعميهم ينطلقون في مواقفهم ومقرراتهم من خلفيات طائفية تفيض بها مؤسساتهم الإعلامية وقنواتهم الفضائية، وصُحفهم ومواقعهم الإلكترونية، ومنها شعارات الثورة الإيرانية ذات البُعد المذهبي، والتي تردّد بأن نظام ولاية الفقيه يجب أن يعم كل المجتمعات العربية والإسلامية وغيرها، وأنّهم وحدهم المعنيون بتفسير مبادئ الإسلام، وأن الشعوب العربية والإسلامية المخالفة لنظرية ولاية الفقيه هي شعوب ناصبية تحتاج الى إعادة تأهيل وتثقيف وإرشاد، لتكون جزءاً لا يتجزأ من الثقافة التي يعتمدها مرشد الثورة الإيرانية ونهجه المستمد من فكرة ولاية الفقيه التي تعتمدها إيران وثورتها التي تطمح لتصديرها الى كل المناطق والبلدان التي تستطيع أن تصل إليها.

فالمسألة اليمنية والحرب المدمّرة فيها هي أحد وجوه التدخلات الإيرانية في الشأن العربي والإسلامي، بحجة تصدير الثورة تارةً وتحرير فلسطين تارةً أخرى، كما هو حاصل في سوريا والعراق وكما يمكن أن يحصل في بعض الأقطار العربية. ودعم المملكة العربية السعودية والتحالف العربي للجيش الوطني اليمني والحكومة الشرعية هو دفاع عن النفس وعن وحدة اليمن وعروبته وعن الوطن العربي بكل أقطاره، بل هو دفاع عن الإسلام والمسلمين وثقافتهم الوسطية والمعتدلة، والتي أشار إليها القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى {وجَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكونَ الرَّسولُ عَلَيكُم شَهيدًا}. ومن المؤسف والمحزن أن بعض مَن يدّعون بأنهم حماة العروبة ورواد القومية العربية في أكثر من بلد عربي وقعوا في فخ الأجندة الإيرانية وفي شباك الحرس الثوري الإيراني وفيلقه المقدسي، وأضحوا دعاةً بدون إدراك أو وعي للمشروع الصفوي الفارسي، الذي يحلم بإعادة إمبراطورية قورش الكبير الى هذا الشرق العربي الممتد من المحيط الأطلسي الى الخليج العربي.

فالقضية إذن في حرب اليمن هي ليست قضية تدخل من المملكة العربية السعودية وحلفائها العرب في الشأن اليمني، كما تروّج بعض وسائل الإعلام الموالية لإيران، وإنّما هي قضية الدفاع عن الأمن العربي وإيقاف الزحف الإيراني نحو بلاد الشام ودول مجلس التعاون الخليجي وجزيرة العرب والذي يحلم بالوصول الى مِصر ونِيلها وأزهرها الشريف. والقضية هذه تعني كل البلدان العربية التي دفعت الكثير في مواجهة الغدّة السرطانية الصهيونية في فلسطين، وقد شاءت إرادة الله أن يتحمل العرب بمسلميهم ومسيحييهم قضية هذا الشرق العربي الذي عانى ويعاني منذ ما يزيد عن مئة عام من التدخلات الأجنبية المتعددة والتي أدت الى تقسيم وتقاسم البلدان العربية والذي يسعى الآن المشروع الفارسي تارة والمشروع الصهيوني تارة أخرى، الى إعادة تقسيم وتقاسم البلدان العربية، وخاصة الدول العربية التي أصبحت ذات وزن إقليمي في هذا الشرق يحسب لها خصومها وأصدقاؤها ألف حساب وحساب بفعل قوتها الاقتصادية والعسكرية والمجتمعية التي تتداولها وسائل الإعلام ومراكز الدراسات الاستراتيجية الإقليمية والدولية.

(*) رئيس «المركز الإسلامي للدراسات والإعلام»