IMLebanon

السعودية في مواجهة التطرّف والإرهاب.. لماذا؟ وكيف؟

منذ منتصف القرن الماضي والعرب خاصةً والمسلمون عامةً هم ضحايا لعبة الأمم ومصالحها، وضحايا التطرّف والإرهاب الذي بدأ في فلسطين عام 1948 مع العصابات الصهيونية المحتلة لأرض فلسطين العربية، وما سبقه من حروبٍ ومجازرٍ وتشريد وتهجير على أثر وعد بلفور المشؤوم عام 1917.

وتستمر آفة التطرف والإرهاب الوافدة الى شرقنا العربي، الى أن استعرَ لهيبها مجدداً في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، بصناعةٍ أمنيةٍ مدروسة ومبرمجة لتنظيمات متطرّفة ومغالية في غرف سوداء إقليمية ودولية، لتمارِس من خلالها هذه الغرف السوداء الإرهاب بشعارات دينية وعرقية ومذهبية، ظاهرها مطالب محقة، وباطنها تقسيم وتفتيت، وتشويه لعقيدتنا الإسلامية ووطنيّتنا وعروبتنا الحضارية.

وتُعدّ المملكة العربية السعودية وقيادتها من أوائل الدول التي أولت اهتماماً بالغاً بالتصدّي لظاهرة الإرهاب على مختلف المستويات، وقامت بخطوات كبيرة في مكافحة هذه الظاهرة محلياً وإقليمياً ودولياً، وأسهمت بفعالية في مواجهتها وفق الأنظمة والمواثيق الدولية، فرعَت وشاركت ودعمت المركز الدولي لمكافحة الإرهاب بمئات الملايين من الدولارات، بهدف تبادل المعلومات بشكل فوري يتّفق مع تسارع الأحداث التي تُحدثها ظاهرة الإرهاب في العالم، والعمل على تجنبها قبل وقوعها، وذلك من خلال وزارتَي الخارجية والداخلية، وقد تصدت الأخيرة بحرفيّة ومهنية لأعمال العنف والإرهاب على المستويَين المحلي والدولي، وتمكنت من إفشال أكثرية العمليات الإرهابية وبمعايير أمنيّة حازت على تقدير المجتمع الدولي. ونظّمت حملة التضامن الوطني لمكافحة الإرهاب داخلياً ومع معظم الدول العربية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر وغيرها، بهدف زيادة الوعي العام في دعم التعاون بين الأفراد والجماعات للتصدي للعمليات الإرهابية وتعزيز الإنتماء الوطني وبث وتنمية ثقافة المواطنة في كل بلد عربي، والعمل على مكافحة الغلو والتطرّف والعصبية التي ينبذها الإسلام جملةً وتفصيلاً من خلال النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، والذي هو دين التوحيد والرحمة والتعارف والتآلف.

ولأجل هذه الغاية أنشأت السعودية مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية عام 2006م، من أجل تصحيح وتوعية أفكار المغرَّر بهم من الفئة الضالّة. وتعاونت معظم الدول العربية مع هذا المركز، واستفادت من تجربته التي أصلحت من خلالها أفراداً وجماعات اهتدت بعد انحراف، وصلُحَت بعد ضياع.

وعقدت المملكة العربية السعودية مؤتمراً دولياً لمكافحة الإرهاب في مدينة الرياض عام 2005م. بمشاركة أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية وأجنبية، إضافةً الى العديد من المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية والعربية، تتويجاً لجهودها في محاربة الإرهاب بكلّ صوره على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، واستمرت العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وحكومته، بمتابعة الجهود لمكافحة الإرهاب والتطرف والغلو بكل أنواعه ومصادره ومسمّياته، بأبعادها الطائفية والمذهبية والعرقية، فكان تشكيل التحالف العربي والإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية والذي ضمّ الأكثرية المطلقة للدول العربية والإسلامية لمحاربة ومكافحة الإرهاب دينياً، وتعليمياً، وإعلامياً، واجتماعياً، وثقافياً، وعسكرياً، لتأكيد انحراف التطرّف والغلو عن حقيقة الإسلام ووسطيّته، كما ساهمت بشكل فعّال فتاوى المفتي العام للملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وهيئة كبار العلماء بجهود كبيرة في مواجهة التطرّف والغلو المؤدي الى الإرهاب، ومناصحة وتوجيه وردع المتعاطفين معه، بل وتشريع عقوبات حازمة وحاسمة بحق مَن تثبت إدانته بتعاطفه أو انخداعه بشعارات التطرّف والإرهاب.

وبهذا المعنى فإن البلدان العربية وفي مقدّمتهم السعودية، يواجهون التطرف والإرهاب بقوةٍ وحكمةٍ واقتدار على الرغم من سقوط آلاف الضحايا والشهداء على هذه الأرض الطيبة. والمهمّ بهذه المواجهة أن ينتصر العرب ومعهم السعودية على تطرّف المتطرفين، من خارج الوطن العربي، لأنّ تطرّف هؤلاء في غرفهم السوداء هم الذين يغذّون ويدعمون التطرف والإرهاب في مجتمعاتنا. فأيّ تطرّف مرفوض أيّاً كان، سواء التطرف المذهبي الصفوي الذي ترعاه إيران أو تطرّف وإرهاب بعض المنظمات العربية التي ترفع شعاراتٍ إسلامية ولا حاضنة لها من أية دولة عربية. والتطرف الذي ترعاه الدول هو أشد خطورة وفتكاً وتخريباً من التطرف والإرهاب الذي تدعمه بعض المجموعات أو الأفراد الخارجة عن القانون والنظام العام للدولة.

فمواجهة التطرّف والإرهاب واجبٌ شرعيّ، وضرورة وطنية، ومصلحة عربية وإسلامية. والمهم في هذه المعركة المفصليّة، أن نضع حدّاً لهذه التنظيمات التي تدّعي محاربة العدو الصهيوني وتعمل في الخفاء على نشر وتمدّد مشروعها المذهبي والطائفي، سواء كان صفوياً أو قاعدياً أو داعشياً أو غير ذلك، لوضع حدّ للتغيير الديموغرافي والمجازر والتهجير القسري لإنشاء كيانات صغيرة متقاتلة ومتناحرة تخدم المشروع الصهيوني على المدى القريب والبعيد، لتستفيد بعض القوى الإقليمية لتبرير مشاريعها المعادية للعرب والمسلمين.

ومن المؤسف أنّ هناك حملة مركّزة ومشبوهة من البعض، على فتاوى ورسائل لعلماء الدعوة الإصلاحية في المملكة العربية السعودية، مع أن هذه الرسائل تتضمن حوارات ونقاشات وردود حول مسائل العقيدة الإسلامية والتوحيد، وأخرى تتعلق بأبواب الفقه الإسلامي وهي نتاج لما كتبه العلماء على مدار عشرات السنين. وهذه الرسائل والفتاوى هي ذات مضامين دينية – فقهية – توحيدية، تتعلق بالعبادات والمعاملات للأفراد والجماعات وليس لها أي طابع سياسي أو طموح شخصي.

وعلماء هذه الحركة الإصلاحية هم من أبرز العلماء في العالم الإسلامي، الذين جابهوا التطرّف والبدع والغلو وتقديس الذات وفنّدوا شبهاتها، وهي أجوبةٌ لأسئلةٍ في أزمان وأوقات مختلفة، فُسّر بعضها خطأً وتفسّر أحياناً على غير حقيقتها وأهدافها وما تسعى إليها، تماماً كما استدلت جماعة الخوارج لتبرير مشروعها من قبل ببعض آيات القرآن الكريم. وهذا يعني بأنّ الجماعات المتطرّفة لكي تبرّر تطرّفها تستخدم النصوص وتحمّلها فوق معانيها، وتستنبط أحكاماً مشوّهة لتبرير أعمالها المرفوضة من قبل المراجع الدينية المعتمدَة في المملكة العربية السعودية، وفي المجامع الفقهية ومشيخة الأزهر الشريف في مصر، ومراكز دور الفتوى المعتمدة في البلدان العربية والإسلامية، والتي عانت وتعاني من تطرّف المتطرّفين، ومغالاة الإرهابيين الذين أساءوا الى الإسلام وإلى أوطانهم وبلدانهم العربية والإسلامية.

وما يحدث الآن بأكثر من بلدٍ عربي شاهدٌ على ضرورة مواجهة التطرّف والغلو المؤدي الى الانحراف والإرهاب بكل مسمّياته وشعاراته، سواء حمل أحقاداً تاريخية أو فَهماً مغلوطاً للنصوص التي وردت لمعالجة شأناً معيّناً في زمنٍ معيّن، أو هي إرشاد ودعوة وتبليغ لتصحيح مسيرة الحياة انطلاقاً من الالتزام بكتاب الله وسُنّة نبيّه عليه الصلاة والسلام. وهذا هو واجب كلّ مسلم ومسلمةٍ في أرضنا العربية والإسلامية، وفي التجمعات والأقليات خارج الوطن العربي والعالم الإسلامي لأن معركتنا مع التطرف والإرهاب هي معركة وجود للحفاظ على الشريعة الإسلامية المستمدة من كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلّم، وسيرة السلف الصالح والتابعين الذين حملوا بصدق الإسلام عقيدةً وسلوكاً، فكانوا المثلَ والمِثال للإنسان السويّ، الذي خلقه الله تعالى ليكون هادياً وبشيراً بالحكمة والموعظة الحسنة لكل الناس.

(*) رئيس «المركز الإسلامي للدراسات والإعلام»