IMLebanon

الموفد السعودي في بيروت: الــساحة ليست لطهران

طرح التطوّر المفاجئ في الموقف السعودي المتمثل في وصول الموفد السعودي وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان الى بيروت لمواكبة الإستحقاق الرئاسي، السؤال عن الظروف التي رافقته والنتائج المترتبة عليه. وفي وقت أكد الموفد لبعض مَن التقاهم أنّ إعادة ترتيب العلاقات بين بيروت والرياض واردة، توقف المراقبون عند زيارته المرتقبة الى قيادة الجيش ومغزاها. فما هي المؤشرات؟

لم يرَ أيّ من المسؤولين اللبنانيين أنّ زيارة الموفد السبهان الى بيروت زيارة عادية. فقد شكلت إشارة واضحة الى امكان احياء العلاقات بين بيروت والرياض بسرعة لم يكن أحد يتوقعها إطلاقاً بعدما واكبت الرياض قرار تبنّي الرئيس سعد الحريري العماد ميشال عون مرشحاً رئاسياً بلائحة عقوبات اميركية – سعودية جديدة ضمّت مجموعة من الشخصيات والشركات بتهمة دعم أنشطة «حزب الله».

كما تزامنت زيارته الى الرياض في عطلة نهاية الأسبوع الماضي مع قرار من مجلس الوزراء أكّد مضي المملكة في التصدّي لكلّ «الأنشطة

الإرهابية» للحزب.

أوحَت القراءة الأوّلية للقرارات السعودية استمرار الرياض في النأي بنفسها عن كلّ شيء في لبنان ولا سيما الإستحقاق الرئاسي تاركة للحريري حرية التصرف في بيروت من دون أن تشاركه المسؤولية والتبعات في ما يمكن أن تؤول إليه خياراته، وهي تراقب تداعياتها من بعيد.

وكان أخطرها التفسيرات التي قالت إنه أهدى انتصاراً لا سابق له لمناهضيها وفي مقدمهم «حزب الله» الذي أدار الإستحقاق الرئاسي وقاده الى حيث يريد بتأييد عون، مرشحه الأول والأخير.

ثمّة مَن اعتقد أنّ السعودية تخلّت عن الساحة اللبنانية وأقرّت بضرورة الإنسحاب منها في مواجهة المد الإيراني على كلّ المستويات، فكلّ المؤشرات السياسية والديبلوماسية كانت تقود الى هذا التوجّه السعودي. فبعد تجميد الهبة العسكرية للجيش والأجهزة الأمنية والعسكرية، غاب عن بيروت سفيرها علي عواض عسيري منذ شهور من دون أن يلتحق بمقرّ عمله الجديد في العاصمة الباكستانية.

أمام هذه الوقائع وما تمّ تسييله من حبر للدخول في تفاصيل برامج العقوبات السعودية التي طاولت الحريري، جاءت خطوته من بيروت بتبّني ترشيح عون الى جانب «حزب الله» و»القوات اللبنانية» لتشكل صدمة فعلية واعتقد البعض أنّه قرَّر خوض حرب انتحارية مفتوحة مع القيادة السعودية.

في المقابل، يقول العارفون إنّ مَن أطلق سلسلة الأحكام هذه تجاهل الجهود التي بذلها الحريري في زياراته المتكرّرة الى الرياض وعواصم أخرى صديقة للمملكة لمعالجة الوضع المتدهور ومنها انقرة وباريس وموسكو، مجنّداً قدراته وصداقاته فيها لإعادة وصل ما انقطع مع القيادة السعودية، والتي أثمرت زيارات معلنة لقادة منها امثال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ومسؤولين من مواقع مؤثرة في برامج التعاون الإقتصادي والمالي والعسكري مع الرياض والتي أنتجت حلحلة في العلاقات بين الرجل والقيادة السعودية.

وعليه، شكلت زيارة الحريري الأخيرة الى العاصمة السعودية مناسبة لتلمس بدايات تطوّرات إيجابية تنعكس ايجاباً على العلاقات بين الرجل وأركان القيادة.

فتجدّد الحديث عن استعادة مرتقبة لأموال هي من حقوقه المتأخرة في وزارة المال ومصادر التمويل الأخرى قد تؤدّي قريباً الى استعادة شركاته نوعاً من التوازن المالي الذي ينعشها وفق برامج تمويل محدودة قد تؤدّي الى سدّ العجز فيها وإحيائها مجدداً.

وتتمّةً للحلول المالية والإقتصادية عادت الحرارة الى القنوات السياسية، فتحدثت المعلومات عن لقاءات عقدها الحريري بعيداً من الأضواء مع عدد من اركان القيادة السعودية التي كانت قد قطعت وعوداً لزوّارها بالعمل لترميم العلاقات معه.

وقد ظهر ذلك بوضوح عند بداية الحديث منذ بداية الأسبوع عن موفد سعودي يُبارك خطواته الأخيرة ويعطيها زخماً يعيد له القدرة على التحكم بالمعارضة الداخلية في تياره قبل البحث في ترتيب أوضاع مجتمعات أخرى كانت محسوبة عليه الى أن كلّف السمهان بالمهمة الأخيرة في بيروت.

ثمّة مَن يعتقد أنّ هناك مَن اقنع الرياض بأنّ تركها للساحة اللبنانية يعني أنها تخلّت عنها لطهران وحلفائها في لبنان ومحيطه نهائياً، وأنّ ما حقّقه الحريري من تسوية رئاسية تستحق الرعاية.

فالحديث عن فتح الطريق أمام حليف طهران ودمشق الى قصر بعبدا لا يقلّ أهمية عن عودة الحريري الى السراي. فالتسوية التي تحقّقت تشكل قطعاً للطريق على انتصار كامل للمحور المناهض للمملكة، فجاءت الزيارة لتؤكّد أنّ الساحة اللبنانية ليست لهم وحدهم.

ثمّة مَن يعتقد أنّ زيارة الموفد السعودي حاملاً رسالة سعودية الى القيادات اللبنانية باستثناء «حزب الله» مهمة للغاية، والأهم منها زيارته الى وزارة الدفاع للقاء قائد الجيش العماد جان فهوجي التي تحمل أكثر من دلالة، فهل تترجم التوقعات بإحياء الهبة العسكرية؟