IMLebanon

قولوا ما تشاؤون ونفعل ما نشاء

قولوا ما تشاؤون ونفعل ما نشاء… تلك هي المعادلة السائدة في هذه المرحلة اللبنانية، فريق منغمس بصراعات الأغيار، وآخر يتحصن بين جدران النأي بالنفس، وفي نهاية المطاف يلتقي المتفرقون تحت ظلال حكومة استعادة الثقة.

هذه المساكنة بين الشيء ونقيضه يصحّ اعتبارها آخر صرعات الديمقراطية التوافقية في لبنان، التي لا مثيل لها وكان التقدير ان جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت أمس، ستكون عاصفة، وان بعدها لن يكون كما قبلها. قياسا على زيارة وزراء شكرا سوريا الى دمشق، على همّتهم وبدون تكليف حكومي. وها قد انعقدت الجلسة في القصر الجمهوري، فلا المدعوون للزيارة أعادوا النظر، احتراما للتضامن الحكومي، ولا المعارضون نصبوا الميزان، انما اكتفوا بتسجيل موقف، إرضاء لعواطف جمهور متعطش لسماع صوت مرتفع.

بعض الوزراء الزائرين ربط الزيارة بمساع يبذلها من أجل فتح الحدود السورية أمام الترانزيت اللبناني، وقد جاءه الجواب بأن طرق الشاحنات اللبنانية عبر سوريا، ليست آمنة، بحكم تعدّد السلطات تبعا لتقسيمات المناطق، فضلا عن ان المعابر السورية، لا توصل الى أي مكان الآن، في العمق العربي أو الخليجي أما الأسواق السورية، فهي مشبعة، بحكم اختلال التوازن بين العرض والطلب، ونتيجة النزوح المليوني الواسع.

ومن هنا، تتفق مختلف الأوساط، على توظيف زيارة وزراء الممانعة الى دمشق وفي هذا التوقيت بالذات، في حقل التطبيع السياسي مع النظام، الذي يعاني من المقاطعة العربية، وخصوصا بعدما أعاد التحالف الدولي وضع الأسلاك الشائكة على حدوده مع العراق.

وكان اللافت صرف وزير الاقتصاد رائد خوري النظر عن تلبية الدعوة السورية، لغياب الضوء الأخضر الحكومي، هذا الموقف أغنى الرئيس عون عن اتخاذ موقف من موضوع زيارة الوزراء الآخرين، ولئن كان هناك من أمل بموقف مباشر يصدر عن مجلس الوزراء.

بيد أن مجلس الوزراء شاغل نفسه ببنود جدول الأعمال الغنية عن التعريف، وقد أبلى بلاء حسنا، في موضوع صفقة استئجار البواخر التركية الدسمة، ومثلها اعتمادات وزارة الاتصالات، وكان الاحتدام حالة مطلوبة لتنفيس احتقان متعدّد الوجوه.

على ان المعترضين على الزيارات العلنية للنظام السوري، لا يرون بما حدث، مجرد غيمة وعبرت… وقد تحدثوا عن زيارات مقابلة لمناطق تواجد المعارضة السورية، اذا ما أخذت مساعي التطبيع مع النظام، اشكالا أكثر عمقا وجدّية.

الى ذلك لاحظ الملاحظون، ان المشادات حول بواخر الكهرباء وسلفات وزارة الاتصالات، صرفت الانتباه عن استحقاق دستوري ملحّ وهو الانتخابات الفرعية في طرابلس وكسروان، بحيث أرجئ هذا الموضوع، على الرغم من قول سابق لوزير الداخلية نهاد المشنوق بأنه سيطرحه على طاولة جلسة مجلس الوزراء، الأمر الذي بدأ يرسّخ قناعة معظم الناس، بأن لا مصلحة لأي طرف سياسي يخوض هذا الاختبار، على أبواب انتخابات عامة، محتملة في أيار المقبل…

وعبارة محتملة تعكس شكوك اللبنانيين بامكانية اجراء الانتخابات العامة في الموعد المعلن، وبموجب قانون الانتخابات الجديد، العصي على الفهم، والذي أقل ما يقال في اعتماده نظام اللوائح الحصرية، مع صوت تفضيلي واحد، انه مصادر لحرية الرأي التي يتباهى اللبنانيون بوجودها في دستورهم. فعندما لا يسمح للناخب أن يختار كل من يراه من المرشحين، أو ان يشكّل لائحته بنفسه، نصبح أمام عملية فرض لا انتخاب… وازاء هذه الحالة، سيدفع الاقبال على صناديق الاقتراع الثمن.

وثمة معطيات أخرى مرتبطة بديمومة الحكومة واستقرار الوضع، واستحقاق التلزيمات النفطية، جعلت بعض المراجع السياسية، أقل حماسة لاطلاق ماكينتها الانتخابية منذ الآن، رغم إلحاح المحبطين، لكن ذوي الطموح، لم يعدموا التفاؤل، وهؤلاء يراهنون على النسيم، علّه يأتيهم بشيء من الأمل…