IMLebanon

نتائج القرع على الطبول الطائفية قبل وبعد 15 أيار

تأجيل جلسة مجلس النواب التي كانت مخصصة لاتخاذ قرار ما بصدد قانون الإنتخابات النيابية، أجمع اللبنانيون على الإشادة بعقلانية وواقعية الرئيس عون بحيث أفسح، فرصة شهر كامل أمام مجلس الوزراء ليقدم مشروع قانون يصوت عليه المجلس النيابي ويعتمد في الإنتخابات النيابية المقبلة بعد أن تبينت استحالة الاتفاق على مشروع جديد نظرا «لانفخات الدف وتفرق العشاق» حول أي مشروع يحظى بشبه إجماع نيابي بعد أن اتضحت معالم الخلافات الجذرية أمام مشروعين متناهضين متناقضين، أ) مشروع الثنائي الشيعي المتبنّي بإصرار وصلابة مبدأ الإنتخابات النسبية الشاملة، ب) ومشروع الثنائي المسيحي المتمثل باقتراح الوزير جبران باسيل المتبنّي لهذا المشروع يدا بيد مع القوات اللبنانية، مع بعض التحفظات القواتية على بعض تفاصيله، إضافة إلى موقف الوزير جنبلاط الرافض بحزم وممانعة جدية لأية محاولة لتهميشه، وتهميش الموقع الميثاقي لطائفته، وإلى موقف تيار المستقبل المتمثل بليونة محدودة تسعى إلى إيصال الفرقاء المتجابهين إلى حلّ ما يوصل إلى مشروع منطقي ومتوازن.

أمام هذه التناقضات برزت إتجاهات بين القيادات المسيحية تدعو للنزول إلى الشارع إضافة إلى تشنجات حفلت بالتحريض الطائفي المؤسف وضعت البلاد أمام احتمالات تدعو إلى القلق الشديد ونفذت بأنياب وأظافر طائفية، متفلتة من أية ضوابط وطنية، ولئن وقف في غمرة هذا الالتهاب المشبوه عقلاء من كافة المواقع والانتماءات، إلاّ أن ما أطلقته في بعض الأوساط التي لم تردعها كوارث الماضي القريب والحرب الأهلية التي انطلقت من بوسطة عين الرمانة لتغرق الوطن كلّه بحرب لم تبق ولم تذر وكلّفت البلاد والعباد ما يزيد على الماية والخمسين ألف قتيل، وعشرات ألوف الجرحى وكمّ هائل من الخراب والدمار، بعد أن استمرت مواجهاتها المأساوية ما يناهز الخمسة عشر عاما. كل هذا الذي حدث لم يردع أولئك المتهورين الذين أبدوا بالتصريح والتلميح، وبكمّ هائل من التشنجات المَرَضيّة التي أطلقتها وسائل الإتصال الإجتماعي، دونما أي إدراك أو تحسّب لمصير الوطن وقدرته على مواجهة تحديات ومخاطر الجوار الملتهب، والداخل الذي يشكو من ترهّله وشح امكانياته والأعباء والتحسبات المتعلقة بالنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، فضلا عن الأخطار المستمرة المتمثلة بالدواعش الذين يرشحهم كثير من المطلعين للإنقلاب إلى الداخل اللبناني بعد أن بعثرت جموعهم الحروب التي تساق ضدهم في كلّ من العراق وسوريا، وبعد أن أصيبوا بخسارات كبيرة أخرجتهم من «دولتهم» الإرهابية حيث قتل منهم من قتل، وتفرّق الناجون الهاربون إلى حيثما تمكنوا من الهرب لتتشكل من بعضهم خلايا نائمة مستنفرة، جرى دسّها أو دسّت نفسها في أماكن تواجد النازحين، ولا يجوز لنا أن نطمئن كثيرا إلى أن لبنان كان وسيبقى بعيدا عن الأخطار، خاصة اذا وصل بعض التفكير المضطرب إلى أن بمقدورنا مواجهة الطوارئ الإرهابية وسط أجواء التشنج والتهيئة النفسية لتقبّل الدعوات الهوجاء للنزول إلى الشوارع، وتأليب الشوارع المقابلة ودفعها إلى المواجهة بالمثل، وقد غاب عن أذهان البعض أنّ لكل فئة شارعها، وهناك كثير من الجهات والمصالح الدولية القادرة على التدخل والتمويل، إنطلاقا من مصالحها وغاياتها المشبوهة كما غاب عن بعض الإنفعاليين، النظر إلى الماضي القريب والتنكر لدروسه وعبره وقساوة نتائجه.

أخطر ما يمكننا أن نستخلصه من الوضع القائم، أن حلّا ما للرسوّ على قانون انتخابي ما، عادل ومتوازن، يكاد وسط المعمعات والاستهدافات المشبوهة لغالبية الطواقم السياسية الممسكة حاليا بخناق الوطن بزعم الحرص عليه وعلى مصالح أبنائه، أن يكون سعيها خالصا لوجه الله والوطن، ونأسف أن نفسّر معظم المواقف التي أطلقت إلى سوق التداول والتعامل، بأنها سعي إلى مزيد من تسليط السيطرة التي نخرها الفساد ونْهب الثروات العامة، وهي لم تكتف بما حققته من جني مشبوه وملوث، بل هي تسعى في غالبيتها، إلى تكبير أحجامها واحتكارٍ طويل الأمد للسلطة والتسلط من خلال تأمين أكثريات نيابية تضمن استمراريتها وتغذّي طموحات بعضها إلى اعتلاء المراكز الحساسة، كما تضمن لها حماية المكاسب الهائلة المتوقعة من ثروات طبيعية ما زالت قيد التناتش، إضافة إلى مطامع لا تحد لاستخلاصها من جنى المشاريع المقبلة، وقد فصّل لنا بعض نوابنا الأكارم في جلسات المجلس الأخيرة، كيف يُستخلص المال الحرام من مال الوطن واحتياجات الناس البسطاء الذين حرمتهم هذه التصرفات الملوثة وأحوال التراجع السياسي والاقتصادي والمعيشي والحضاري وشح الأعمال والوظائف وسبل العيش المختلفة فدفع بهم كل ذلك إلى الهجرة والهرب من واقع أليم هائمين على وجوههم في بلاد الله الواسعة، ومع الأسف، ونظرا لإستفحال الأعمال الإرهابية في بلادنا، لم يعد اللبناني (والعربي عموما) مرحبا به في تلك البلاد تخوفا وتحسّبا وتجنّبا للممارسات المؤسفة التي باتت تغزو بلادنا كما تطاول بوحشيتها الداعشية كثيرا من البلاد على مدى العالم كلّه، فلا يقع ضحيتها هنا وهنالك إلا الأبرياء بل يتقصّد الإنتحاريون وذئابهم المنفردة أن يكون الأبرياء في طليعة من يطالهم الاستهداف الإجرامي.

شهر من الوقت مهلة دستورية حددتها المادة 59 من الدستور، مكنت رئيس الجمهورية، كما منحت اللبنانيين متنفسا لمْلَمَ عنهم بعض تلك الإحتقانات التي عمّت البلاد قبيل ذلك الخميس المشؤوم الذي أعدّ له البعض كموعد للنزول إلى الشارع وإلى المجهول. هل سيجيء حلٌّ ما من فسحة الوقت هذه التي مكّنت من إخراج ذلك الأرنب من الكيس الساحرة؟

هل يلوح في الأفق شيء من الأمل بحلّ ما يضع حدّا للتمديد المتكرر لكونه يشكل اغتصابا للسلطة متخفيا بشرعية مصطنعة؟ هل سيكون الحلّ الذي لمّح إليه كثيرون وفي طليعتهم غبطة البطريرك، لجهة أن قانون الـ60 سيكون في حال الفشل في اقرار قانون جديد، أفضل من الفراغ؟ هل ستعود حليمة إلى عاداتها القديمة عن طريق قرع طبول التجييش والدعوة لنزول مناصريهم إلى الشارع والضغط على الآخرين بما قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه؟ أسئلة ستعود إلى الظهور كلّما اقتربنا من يوم 15 أيار دون أن نجد حلا يجد طريقه إلى التحقيق والتطبيق؟

أملنا أن يشّذب اللبنانيون أظافر البعض الطويلة النابتة في أظافرهم وفي عقولهم، وأن يتقوا الله في مصير هذا الوطن.