IMLebanon

التسوية لم تُنقذ الدولة..

كل ما يجري في البلد، يُوحي بأن الطبقة السياسية ما زالت غير مستوعبة لحراجة المرحلة التي تمر فيها المنطقة العربية، وتداعياتها الخطيرة على الوضع اللبناني.

لا ضرورة للتذكير بأن وضعنا معرض للاهتزاز، أصلاً، عند هبوب أول نسمة خلاف داخلي، بين أطراف التسوية الحالية، التي جمعت الأضداد على صيغة آنية، من دون أن تتطرّق بنود التسوية المزعومة إلى حلول جذرية ودائمة، لقضايا الخلافات الاستراتيجية بين اللبنانيين.

وسرعان ما تبين أن التوافق على إنهاء الشغور الرئاسي وانتخاب العماد ميشال عون رئيساً، لم يؤدِ إلى تحصين البلد من رياح العواصف الإقليمية، ولم يجدّد في الإدارة السياسية ما يساعد على احتواء الأزمات، وما أكثرها، أو يخفف من ضغوط الصراعات الداخلية وتعقيداتها المعروفة!

كما أظهرت تطورات الأشهر القليلة المنصرمة أن «التسوية الرئاسية» لم تحقق وحدة المواقف بين الأطراف السياسية في الحكم، فالتباينات بين بعبدا وعين التينة أكثر من أن تُعد وتُحصى، خاصة بكل ما يتعلق بالملفات الرئيسية، والحال أفضل قليلاً بين ساحة النجمة والسراي، حيث يساعد التجاور الجغرافي، وعوامل أخرى تجمع بين الرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري، على تطويق دخان الخلافات قبل أن يتحوّل إلى نار تحرك ما تبقى من أخضر ويابس الدولة. وهذا يعني أن التسوية لم تنقذ الدولة من عجزها!

والأمثلة على أن الطبقة السياسية ما زالت عاجزة عن استيعاب دروس وعبر المتغيّرات المتلاحقة في الداخل، وفي الإقليم، كثيرة، ومتعددة الألوان والأشكال، لا يتسع المجال للخوض في تفاصيلها في هذه المقالة، ونكتفي بالتوقف سريعاً عند بعضها، على سبيل المثال لا الحصر:

1 – العلاقة الأخوية مع أكثر من دولة عربية، وخاصة الدول الخليجية، ليست على ما يرام. الانتقاد السعودي لبعض مواقف العهد، والمذكرة الكويتية الأخيرة للخارجية اللبنانية، يرسمان حجم التردّي الذي وصلت إليه علاقات لبنان مع الأشقاء العرب، ولا سيما الدول المانحة للمساعدات والقروض، والتي يعمل فيها مئات الألوف من اللبنانيين.

فماذا عملت الدبلوماسية اللبنانية لتحسين هذه العلاقات، وإعادتها إلى أيام التعاون والثقة التي نتائجها لمصلحة لبنان في الدرجة الأولى؟

2 – الحرب المدمرة في سوريا اقتربت من نهايتها، ولكن الحل السياسي ليس جاهزاً، وقد تحتاج ولادته إلى فترة زمنية أخرى. ولكن سوريا الدولة المركزية الموحدة القوية، يبدو أنها أصبحت من الماضي. والسيناريوهات المطروحة حالياً تتراوح بين الفيدرالية والكونفدرالية، بعدما تقاسمت الدول النافذة: أميركا وروسيا، وتركيا وإيران، مناطق النفوذ على الأرض، والعرب غادروا سوريا بعدما دفعوا المليارات، ثم تركوا المعارضة تواجه مصيرها عبر فصائلها المتناحرة، بعد شرذمتها المتعمدة من حلفائها!

كيف ستتعامل الدولة اللبنانية مع وجود مليون ونصف المليون نازح سوري، قد يتطلب الوضع المضطرب في سوريا، تمديد إقامتهم في لبنان سنوات أخرى؟

بل كيف ستتعامل الحكومة اللبنانية مع الدول الأوروبية التي تراجعت عن تقديم الدعم المالي للبنان والمخصص لرعاية النازحين السوريين؟

3 – مضاعفات الثورات والحروب المشتعلة في المنطقة أتت على قسم كبير من الاحتياطات المالية للدول الخليجية، الأمر الذي سيؤدي حكماً إلى تراجع حجم المساعدات الخليجية اللبنانية المخصصة لتمويل عشرات مشاريع التنمية ومع ذلك ما زالت الدولة اللبنانية تتصرّف وكأن الدنيا بألف خير، من دون أي جهد لإقفال مزاريب الهدر والفساد، والعمل على تحقيق حدّ أدنى من التوازن المالي والاقتصادي!

بل لعل العكس هو الصحيح، حيث روائح الصفقات تطغى على روائح النفايات المنتشرة هنا وهنالك، وأبواب الهدر مفتوحة على مصراعيها، في ظل عجز فاضح عن ضبط واردات الدولة في الجمارك والكهرباء والإدارات المالية، فضلاً عن الغيبوبة التي تخبط فيها ملف النفط والغاز!

* * *

الحديث عن فشل هذه الطبقة السياسية في إدارة شؤون البلاد والعباد طويل ومتشعب، ويكفي هذا الإهمال المتمادي بوضع أي خطة إنمائية مرحلية: ثلاثية أو خمسية، سباعية أو عشرية، كما تفعل الدول التي تتخبط في أزماتها المالية والاجتماعية، على النحو الذي يعيشه كل يوم هذا الشعب الطيّب!