IMLebanon

عَ الستين يا بطيخ!

في الظاهر يبدو أن التشكيل الحكومي يصطدم حتى الآن بعقدة بروتوكولية بين رئيس الجمهورية ميشال عون، والمرشح السابق للرئاسة الزعيم الشمالي سليمان فرنجيه. ويرى رئيس الدولة ان توجيه دعوة شخصية الى زعيم المردة لزيارة قصر بعبدا، هي انتقاص من هيبته الشخصية ومن مقام الرئاسة. ويرى سليمان فرنجيه ان غياب الدعوة هو استهانة به وبما وبمن يمثّل. وبين هاتين النظرتين يتجاهل الطرفان ما يحدثه هذا التباين من أضرار فادحة تلحق بالوطن من جراء هذا التعثر الثقيل على نفوس اللبنانيين للتشكيل الحكومي. بل وما يلحق بالرئيس المكلف من أضرار سياسية وشعبية بسبب هذا التعثر، وهو الرجل الذي كان له الفضل في اطلاق الطلقة الأخيرة التي سمحت بولادة العهد الجديد، بعد الشغور المرعب.

***

النظرة الموضوعية الى هذا الواقع المهتز تشير الى سلوك موضع ملاحظة أو حتى مؤاخذة لطرفين لا تليق بشخصية كل منهما ومكانته بلوغ هذا المستوى من الانغلاق. في البلدان التي بلغت حدّا من الرقي الديموقراطي، يبادر الخاسر الى تهنئة الفائز بالمنصب والتمني له النجاح في مهمته لمصلحة الوطن، أيا كانت درجة المنافسة وحتى الخصومة بينهما. ومع الاعتراف بأن النظام الديموقراطي اللبناني لم يبلغ هذا المستوى من الرقي، فان شخصية كل منهما بما تنطوي عليه من رقي وترفّع وشجاعة أدبية ووطنية صادقة وشفّافة، كان من الحري ان تدفع بهما معاً الى سلوك مغاير يتطابق مع موقعهما الأخلاقي، ويتجاوز هذا القطوع.

***

لم يكن من اللائق بالزعيم الشمالي سليمان فرنجيه ان تقتصر التهنئة بالعهد الجديد وبفوز الرئيس ميشال عون، على مجرد تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، متجاهلا حضوره الشخصي الى القصر الجمهوري في مناسبات رسمية، بدا غيابه عنها مستهجنا، ولا يليق بسمعة ماضي سلوكه الراقي والشجاع. ومتجاهلا أيضا ما كان يجمعه مع العماد عون في الأهداف الاستراتيجية، وجلوسه في المقعد المجاور عندما كان العماد عون يجلس الى طاولة اجتماعات تكتل التغيير والاصلاح. بل وتجاهله كذلك لفارق السنّ بينهما، وهو أمر لا يزال من الأعراف التي تفرض الاحترام في مجتمعنا، ولو على سبيل اللياقة.

***

على المقلب الآخر، يرى كثيرون ان رئيس الجمهورية بما يتمتع به من ذكاء سياسي وحنكة وتبصّر ينبغي أن يكون هو المبادر الى احتواء أحد كبار رفاق الدرب النضالي، والتعويض عليه ولو معنويا، وهو الذي اقترب في مرحلة ما من الرئاسة أكثر من أي مرشح آخر، بمن فيهم العماد عون نفسه. ثم ان الصفة التي أطلقها العهد الجديد على نفسه وقدم سيّد العهد على انه بيّ الكلّ، كانت تفترض ان تكون صريحة وواضحة، وتسمّي الأبناء بأسمائهم، وليس بالاشارة أو بالأيماء… إلاّ اذا… اذا…

***

… إلا اذا كان وراء الأكمة ما وراءها، وان القصد من هذه الشجرة هو اخفاء الغابة خلفها، وان هدر وقت التأليف لدى أوساط أخرى ظاهرة أو خفيّة، هو استهلاك المهل الدستورية لفرض قانون الستين كأمر واقع، واجراء الانتخابات النيابية على أساسه…

وفي هذه الحالة المؤسفة والكارثية، لا يتبقى للسادة الناخبين من الشعب اللبناني سوى المناداة على بضاعتهم الكاسدة والفاسدة. عالستين يا بطيخ!