IMLebanon

«الستون»حاجة سعودية لاستعادة دورها

                                               

حسم رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون رأيه في مسألة قانون الانتخابات، كما في الوقت عينه حسم التيار الوطنيّ الحرّ قراره من خلال البيان الصادر عنه بلسان رئيسه جبران باسيل، لن يقبل الرئيس أن يسلك سلوكًا مجافيًا لخطاب القسم، فالقانون إمّا أن يتضمّن النسبيّة المطلقة مع المناصفة الفعليّة أو الفراغ. في مقابل هذا الحسم ظهرت في الآفاق بوادر حراك مستعجل من قبل الحزب التقدميّ الاشتراكي وكتلة وليد جنبلاط نحو القوات اللبنانيّة في معراب مدغدغة الشعور بلحظة المصالحات ما بين المختارة وبكركي من خلال البطريرك مار نصرالله بطرس صفير أو البطريرك بشارة الراعي.

أوساط مسيحيّة راقبت المواقع والحراك المصاحب لها، أظهرت ما يلي:

1- لقد اتفقت القوات اللبنانيّة والتيار الوطنيّ الحر على ثابتة أساسيّة وهي عدم عودة عقارب الساعة إلى الوراء، بمعنى لن يتمّ القبول بقانون يتمّ فيه تهميش المسيحيين، وجعلهم في هذه البقعة أو تلك تحت أيدي أوصياء ووكلاء. فالمسيحيون مكوّن حيويّ وجوهريّ للبنان، واستقامة البلد بنظام انتخابيّ تكويني تكون بتأمين حقوقهم ومشاركتهم في السلطة التشريعيّة والتنفيذيّة كشركاء وليس كأجراء.

2- ليس من خلاف بانّ ثمّة خصوصيّات راسخة في تكوين لبنان منذ أن تحوّل من لبنان الصغير إلى الكبير، فتأمين المشاركة المسيحيّة لا يلغي ولا يبطل بدوره شراكة الآخرين لهم أو شراكتهم للآخرين. وبحسب تلك الأوساط المرافقة للموقف ما بين التيار والقوات، فإنّ ثمّة تمييزا بين خصوصيّات متجانسة متلاحمة وخصوصيات متراكمة ومتنافرة. الخطورة التي أدّت في مراحل سابقة لمجموعة انفجارات نتجت من تنافر الخصوصيات بسبب تراكمها السلبي واحتسابها العدد في طيات أبحاثها وأطروحاتها المؤدية إلى كلّ تنافر وانفجار، في حين أنّ التجانس والانصباب ومن ثم الانكباب على التآلف أو التأليف الحسن والتعبير للرئيس حسين الحسيني هو المطلوب في مثل هذه اللحظات الدقيقة.

3- لقد وضع وفد التقدميّ الاشتراكيّ مع الكتلة النيابيّة بهذه الصورة بروحيّتها وليس بحروفيّتها سواء في قصر بعبدا أو في معراب. التشديد على الهواجس يعبّر عن عقد نقص راسخة في التركيب الجمعيّ السياسيّ والسوسيولوجيّ لهذه الطائفة أو تلك. وفي سؤال طرح على شخصيّة درزية راقية حول ما إذا كانت ثمّة هواجس عند طائفة الموحدين الدروز، فأجابت بالنفي وأكّدت بأنها هواجس تخصّ صاحبها، ولو فرضنا أنها موجودة فإنّ الحلّ الوحيد لها يكمن في قبول الدروز كما سواهم بالنسبيّة لأنها السبيل لتجددهم وتوثبهم وتأمين شراكتهم للجميع واندراجهم في تكوين الدولة بمؤسساتها والكيان بمتطلباته.

أوساط أخرى مراقبة تنطلق من كلام رئيس الجمهوريّة العماد عون  لتؤكّد بأنّه موقف مبدئيّ لا رجوع عنه البتّة. وفي معلومات تلك الأوساط بأنّ الرئيس أبلغ من اجتمع بهم وبخاصّة كتلة جنبلاط بأنّ مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ هو الكفيل بضرب مفهوم الهواجس، أو الاتجاه إلى النسبية المطلقة مع مجموعة دوائر سواء عرفت بقانون نجيب الميقاتي أو بقانون يعبّر عن النسبيّة وخمس عشرة دائرة، أو النسبيّة ولبنان دائرة واحدة. وبوضوح أكثر فإنّ مصادر مقربة من رئيس الجمهوريّة أعتبرت بأن الرئيس وضع الجميع أمام خيارين: إمّا القبول بقانون طائفي-نسبيّ وهو مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ ورئيس الجمهوريّة لا يزال حتى إشعار آخر يعتبره القانون الأمثل الذي يؤمّن العدالة للجميع والمناصفة الفعليّة من ضمن الفلسفة الميثاقيّة كما نقل عنه، أو القبول بقانون مدني صرف يعبّد الطريق مباشرة وبلا وسيط نحو نظام لاطائفيّ وهو الذروة المطلقة ما بين القوانين، وهو قانون النسبية المطلقة ولبنان دائرة واحدة، مع انفتاح موضوعيّ على معظم الاقتراحات التي تتضمّن تلك المبادئ والأسس.

وعلى الرغم من هذا الجوّ الذي تضفيه مواقف رئيس الجمهوريّة، فإنّ أوساطًا سياسيّة أخرى تنظر بريبة إلى ما ينتظر لبنان، وتلك الأوساط بأبحاثها واتصالاتها مع مجموعة سياسيين فاعلين خشيت من استنفاد الوقت بحدوده القصوى لوضع لبنان امام خيارين: إمّ قانون الستين أو الفوضى. وفي الوقائع الظاهرة، فإنّ الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، وعدد من الشخصيات المسيحية المستقلة مصطفون في قانون الستين لأسباب عديدة وهي على النحو التالي:

1- قانون الستين يعيد تموضع هذه القوى السياسيّة، ويعيد معها تموضع الأسس التي نشأت عليها في مقابل التغييرات الجذريّة الحاصلة في لبنان وفي المنطقة.

2- تحتاج تلك القوى إلى هذا القانون لتحمي نفسها، وهي تنطلق من مبدأ الحماية والتموضع لتبلغ بعد ذلك إلى مرحلة الهجوم، وتقول الأوساط بأنّ هذه المنطلقات خصوصيات أرساها الآخرون ومن يتمسك بها في الداخل يعيد إنتاج الآخرين من خلالها.

3- إنّ مسألة قانون الستين وبحسب تلك الأوساط حاجة سعوديّة في لبنان. وتقول هذه الأوساط، بأن زيارة الرئيس إلى السعوديّة وقطر لم تكن نتائجها بما تأمله كثيرون، فالسعوديون لا يزالون ينظرون إلى لبنان كنافذة لهم في مواجهة إيران، ولبنان ليس مجرّد نافذة يطلون من خلالها بل هو مساحة للضغط على نتائج الحرب في سوريا وعلى ما انتهت إليه المباحثات في الأستانة.

4- إن رئيس الوفد المعارض في سوريا وهو يحيا العريضي يعتبر من المقربين إلى وليد جنبلاط، وفي الوقت نفسه يعتبر من المقربين إلى السعودية بحسب ما اشارت بعض المعلومات، واستكمالا لذلك فإنّ السعودية تحاول الضغط ما بين لبنان وسوريا لتحظى من جديد بقاعدة لها في جوف النظامين، وهذا برأيي هذه الأوساط لن يكون ناجزًا بفعل التوازنات الجديدة المرسومة في المنطقة.

5- إنّ الفريق المسيحيّ وبحسب التطورات النوعية يعتبر بأنّ العودة إلى قانون الستين مرفوضة ولن تكون أبدًا واردة، وهذا الأمر موضع اتفاق بين التيار الوطنيّ  الحرّ والقوات اللبنانيّة.

من هنا إنّ الاصطفاف الجامع بين هؤلاء ما هو سوى محاولة يائسة بحسب مصادر سياسيّة. والخريطة السياسيّة الجديدة منطلقة من:

أ- انفتاح واضح بين القوات اللبنانية وحزب الله. ويؤكّد هذا الانفتاح المرحلة الجديدة الدامغة في لبنان. فالقوات متجهة نحو قراءة تحمل في طياتها موازين القوى الجديدة، ومعروف بأنّ القوات اللبنانية تتعاطى مع الملفّات السياسيّة ببراغماتية مشهود لها بنوعيتها وقراءتها العميقة.

ب- توليف جديد بين القوات وحزب الله والتيار الوطنيّ الحر ومن ضمن البراغماتية عينها، يقوم على مواجهة أي قانون انتخابي لا يؤّمن المشاركة الفعلية بين الجميع، وتعتقد تلك المصادر بأنّ رئيس الجمهوريّة قد استمدّ قوّته في رفضه لقانون الستين من خطاب القسم بصورة عقيديّة وجذريّة وفي الوقت عينه من هذا الاصطفاف الجديد المتكون من تلك الاتصالات في مواجهة القوى الداعمة للستين عينه.

ج- ليس التيار الوطنيّ الحر او القوات اللبنانية أو حزب الله أو حركة أمل بعيدين عن عدد من الهواجس المشروعة المطروحة من قبل الحزب التقدميّ الاشتراكيّ، غير أنّهم مصرّون على أن تبديدها ينطلق من النسبية وليس من قانون هجين ومسخ تكون نتيجته على غرار قانون الستين.

في الختام فقد لفت الانتباه عودة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون إلى مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ، وتعتبر مصادر مواكبة للرئيس بأن العودة إلى هذا المشروع هو الأسلم. عدالة التمثيل والفلسفة الميثاقيّة لن تتأمن وتتاصّل إلاّ بالمناصفة الفعليّة، فليعد الجميع على الأقل إلى الوثيقة الوطنيّة الصادرة عن بكركي في عيد مار مارون بتاريخ 9-2-2014 أي منذ سنتين ليتأكّدوا بأن لا حلّ في لبنان إلاّ بهذا القانون عينًا.

النسبية المطلقة والمناصفة الفعلية هما أسس القانون الجديد عمادا العمارة الانتخابية الجديدة، بل النظام السياسيّ الجديد المتوازن مع نفسه والمتكون بميثاق يبقي العقد والعهد بين جميع مكونات لبنان.