IMLebanon

بدأ الفرز الطبقي المناطقي لمصلحة الأغنياء؟

انتظر المستأجرون والمالكون القدامى طويلاً التئام مجلس النوّاب في جلسة تشريعية لكي يُرفع الظلم عن الذين ألحقه بهم قانون الإيجارات الجديد الذي صدر في العام 2014 وراكم الخلافات بين الطرفين، وهدّد برمي قسم كبير من المستأجرين القدامى، لا سيما في العاصمة بيروت في الشارع، فضلاً عن جعله المحاكم عاجزة عن الفصل في بعض الدعاوى المتعلّقة به نظراً للحديث عن تعديله.

وكانت المفاجأة أن قام مجلس النوّاب بإقرار هذا القانون سريعاً في جلسة واحدة مع إضافة فقرة إليه تقضي بإنشاء صندوق أو حساب يستفيد منه المستأجرون، على ما ذُكر، من دون أخذ الإعتراضات عليه بالإعتبار، ومن دون إيلاء أي أهمية لما سينتج عنه من تفريغ للمدينة من سكّانها المولودين والمقيمين فيها. وتتساءل أوساط سياسية كيف أنّ اقتراح إنشاء الحساب قد جعل القانون يمرّ رغم كلّ التداعيات السلبية التي ستنتج عنه فور البدء بتطبيقه. علماً أنّه سيكون هناك علامات إستفهام عدّة ليس على قدرة الدولة على تمويل هذا الصندوق فحسب، إنّما على المحسوبيات التي ستتدخّل حتماً لاستفادة ليس فقط المحتاجين الفعليين منه، بل التابعين لهذا الزعيم أو ذاك.

فهل تمّ إنصاف المستأجرين والمالكين القدامى في آن جرّاء تعديل قانون الإيجارات وإقراره، تُجيب الأوساط نفسها بأنّ «إقرار القانون بالشكل النهائي له ليس الحلّ الأفضل والمناسب للإيجارات في لبنان. ففي الوقت الذي تلقّفه المالكون القدامى بكلّ ترحيب لا سيما لأنّه يعيد لهم جزءاً كبيراً من حقوقهم، انتفض المستأجرون القدامى لأنّه لم يأت على مستوى الآمال التي انتظروها منذ العام 2014، فقد عاشوا في منازلهم طوال حياتهم ووفّروا أموالهم لإجراء التحسينات عليها بعد أن أصبحت قديمة جدّاً (عمرها 50 أو 60 سنة)، لكي يخرجوا منها في نهاية الأمر بخفي حنين؟».

فالأمر الأول بالنسبة لهؤلاء، على ما أضافت الاوساط، كان المستأجرون يتوقّعون إلغاء القانون الجديد للإيجارات بكلّ بنوده نظراً لتعسّفه بحقّ نحو مليون مستأجر قديم، سوف تُرمى أكثريتهم، لا سيما العجائز منهم الذين لا معيل لهم على الطرقات، وذلك لعدم حصولهم على أي تعويض مالي عن كلّ السنوات التي استأجروا خلالها منزلهم. والأسوأ من ذلك أنّ القانون حتّم عليهم دفع بدل الإيجارات مع إضافة 15 في المئة عليه في السنوات الستّ الأخيرة ومن ثمّ إخلاء المأجور من دون أي بدل تعويض.

في الوقت نفسه، كان يجب ألا يتمّ البدء باحتساب السنوات الستّ لبقاء المستأجر في المأجور القديم منذ إقرار القانون في العام 2014، بل بدءاً من العام الحالي (2017)، لأنّ هذا الأمر يُبقي لديه ثلاث سنوات قانونية للإقامة فيه فقط تضيف الاوساط، فانتظار المستأجرين تعديل القانون، جعلهم يتريّثون أو يتوقّفون عن دفع بدلات الإيجار مع إضافة النسب الجديدة اليها نظراً لعدم تحديدها في القانون بشكل واضح، إنّما بشكل مطّاطي ما أتاح لتفاقم الخلافات بينهم وبين المالكين على تحديد هذا البدل. واليوم مع إقرار القانون والبدء بتطبيقه منذ العام 2014، يتوجّب على المستأجرين تأمين بدلات الإيجار عن الأعوام الثلاثة الماضية، فهل يملكون كلّ هذه المبالغ؟

أمّا بالنسبة لمسألة التعديل التي طالت مدّة الستّ سنوات فأصبحت تسع سنوات للمستأجرين و12 سنة للذين سوف يستفيدون من الصندوق، فلا تعطي المستأجر أي حقّ، أو أي حلّ لصالحه، بحسب رأي الاوساط، لأنّه بعد انتهاء المدّة، سيعود للمالك مسألة تحديد بدل الإيجار، وفي حال لم يُناسب المستأجر لا يمكنه الإعتراض، لأنّ القانون يقف الى جانب المالك الذي يستطيع عندها إخراجه أو بالأحرى طرده من المأجور. وتتساءل هنا: لماذا يجري إجبار المستأجر القديم على ترك منزله خلال فترة محدّدة، ولا يتمّ إجبار المالك القديم على بيع منزله لهذا المستأجر الذي عاش فيه طوال حياته، وبمبلغ مقبول؟!

ثمّ إنّ نسبة كبيرة من المستأجرين لا قدرة لها على دفع الإيجار الجديد، على ما أشارت الاوساط، ولا حتى على شراء مسكن جديد لا سيما اليوم مع غلاء أسعار الشقق والعقارات، متسائلة: لماذا يتمّ ربط بدلات الإيجار بقيمة الشقّة بدلاً من ربطه بسنوات بنائها، ما يترك إلتباسات كثيرة بين المالكين والمستأجرين؟. ولا يبدو أنّ الحساب أو الصندوق الذي اجترحه مجلس النوّاب، سيتمكّن من حلّ مشاكل كلّ هؤلاء، لا سيما وأنّه يكفي المواطن الإستعطاء أمام كلّ الوزارات الخدماتية، لكي يُضاف اليها صندوق جديد ستستفيد منه حتماً شريحة من الشعب دون الأخرى.

ولم يأخذ مجلس النوّاب مسألة انتزاع المستأجر ليس فقط من منزله، بل من المحيط الذي تربّى فيه، أي المنطقة التي عاش فيها بين أهله وجيرانه. وهذا أمر مهم جدّاً بالنسبة للأشخاص الكبار في السنّ الذين يتعلّقون بهذه التفاصيل. فإذا ما تأمّن بدل الإيجارات لهؤلاء من الصندوق على مدى السنوات التي يُحدّدها القانون، فما الذي سيحلّ بهم بعدها؟ الى أي منزل أو مكان أو منطقة سيذهبون، وهل من السهل أن يتأقلموا في منطقة غير منطقتهم؟

إنّ مثل هذا الأمر الإنساني والإجتماعي لا يلحظه القانون بالطبع، تقول الأوساط ذاتها، لكنّ المواطن يأمل بأن يجعله العهد الجديد يعيش باستقرار وراحة بال، لا أن يتمّ إقرار تهجيره من منزله وبلدته أو منطقته لعدم قدرته على دفع الإيجار الذي يُطالبه به المالك. فهل كان يجب إقرار القانون أم وقفه الى حين درس السياسة الإسكانية في لبنان، لا سيما مع وجود مليون ونصف مليون نازح سوري، و500 ألف فلسطيني مقيمين في جميع المناطق اللبنانية دون استثناء، ساهموا في الكثافة السكّانية وإحداث الفوضى فيه؟!

وأكّدت الاوساط، أنّ القانون الجديد كما أقرّ أخيراً يتسبّب بتفريغ المناطق والمدن، لا سيما مدينة بيروت، من سكّانها ومستأجريها القدامى لأنّهم حتماً لن يتمكّنوا من شراء منزل فيها، فأصغر منزل اليوم في منطقة الأشرفية، على سبيل المثال، يبلغ ثمنه نصف مليون دولار، ما يجعل السكّان يضطرون الى اللجوء الى مناطق أخرى حيث أسعار الشقق أقلّ نسبياً، هذا في حال توافرت الأموال لبعضهم. أمّا البعض الآخر فسيصبح حتماً بلا مأوى ولا مسكن ولا حتى غرفة واحدة.

فهل تقوم سياسة الحكومة الجديدة اليوم على تهجير اللبنانيين داخل وطنهم؟ والسؤال الأهمّ: من سيسكن مكان سكّان مدينة بيروت وسواها، في الشقق الجديدة بعد أن يُصار الى هدم المباني القديمة وإنشاء أخرى «سوبر دولوكس» مكانها؟ هل ستُصبح حِكراً على الأغنياء أم الأجانب أم العرب؟! ولمصلحة من سيكون عليه الفرز الطبقي المناطقي الجديد؟!