IMLebanon

جنوب شرقي آسيا ملاًذا لـ«داعش»

ديفيد اغناتيوس

لم يصادف تنظيم داعش نجاحا كبيرا في تجنيد متشددين من بين الأعداد الكبيرة من السكان المسلمين في جنوب شرقي آسيا. ولكن ماذا سيحدث عندما يتم تدمير عواصمه في سوريا والعراق٬ ويحاول المئات من المقاتلين الأجانب من إندونيسيا وماليزيا والفلبين العودة إلى الديار؟

يرى الخبراء هنا في أستراليا أن تحدي مكافحة الإرهاب مشكلة إقليمية٬ وليس مجرد محنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهم يخشون من أن مرحلة خطيرة جديدة محتملة٬ مع بحث المتطرفين عن ملاذات جديدة.

تواصل الحكومات في جنوب شرقي آسيا العمل بهدوء مع الولايات المتحدة٬ وبعضها يعمل مع الأميركيين منذ ما يزيد على عقد من الزمن٬ لمراقبة ومحاولة القضاء على الجماعات المتشددة٬ وقد حققوا نجاحا كبيرا. ساعدت الولايات المتحدة في تدريب وحدة بالشرطة الإندونيسية يطلق عليها «الوحدة 88 «التي قضت إلى حد بعيد على الجماعة المتطرفة٬ فرع تنظيم «القاعدة» المسؤول عن تفجيرات بالي في 2002 .التي قتلت ما يزيد على مائتي شخص.

ولكن السجون والأحياء العشوائية وعصابات الشباب في جنوب شرقي آسيا٬ توفر حاضنة بيئية يمكن للإرهاب من خلالها أن ينمو من جديد٬ على حد قول الخبراء. ولقد حاول عملاء «داعش» في سوريا التواصل مع هؤلاء المتشددين المحتملين٬ كما حدث في التفجير الذي ضرب جاكرتا في يناير (كانون الثاني)٬ وقتل 8 أشخاص٬ والذي أعلن التنظيم مسؤوليته عنه.

ترفض الغالبية من مسلمي جنوب شرقي آسيا العنف٬ ولكن التخطيط لاعتداءات تسقط كثيرا من الضحايا٬ لا يحتاج لأكثر من مجموعة صغيرة. قالت سيدني جورج٬ مديرة معهد تحليل سياسة النزاع الذي يتخذ من جاكرتا مقرا له٬ في كلمة لها في أبريل (نيسان) في أستراليا: «لدينا نشاط في أوساط الجماعات المتشددة يفوق نظيره في أي وقت خلال السنوات الـ10 الماضية».

المحفزون المحتملون على العنف هم المتطرفون الذين سافروا من جنوب شرقي آسيا إلى سوريا والعراق. ويقدر الخبراء بأن شبكة المقاتلين الأجانب هذه تشمل ما يصل إلى

500 إلى 600 إندونيسي و110 أستراليين٬ ونحو مائة ماليزي٬ وعدد صغير من الفلبينيين. وتعد هذه المجموعة من جنوب شرقي آسيا أكبر بكثير من العدد الذي سافر إلى أفغانستان للانضمام لـ«القاعدة» قبل سبتمبر (أيلول) 2001 .وفي العراق وسوريا٬ قاتل المتطوعون وقتلوا. قال آرون كونيلي٬ الزميل الباحث في لوي إنستتيوت٬ وهو مركز أبحاث السياسة الخارجية في سيدني٬ يخشى الخبراء 3 من عوامل المخاطرة التي يمكن أن توسع نطاق الشبكات الإرهابية الصغيرة حاليا في جنوب شرقي آسيا:

إعلان فرع لتنظيم داعش في منطقة الغابات التي تنعدم فيها سيادة القانون بجنوب الفلبين٬ وتجنيد متطوعين جدد لـ«داعش» في الجيش الماليزي٬ وتحرك عنفي من جانب السجناء المفرج عنهم في إندونيسيا.

اقترح مقاتلو «داعش» من جنوب شرقي آسيا إقامة خلافة مزعومة في الفلبين٬ في فيديو تم نشره في يونيو (حزيران). يمكن لهذه المنطقة أن تصير ملاًذا للمتطرفين؛ فثمة ثورة يقودها المتطرفون تستعر تحت الرماد هناك٬ منذ قرن ضد الحكومة التي يهيمن عليها الكاثوليك. في الفيديو الذي تم تسجيله في مدينة الرقة السورية٬ وترجمه موقع سايت إنتليجنس غروب»٬ حّث أبو عبد الرحمن الفلبيني أنصاره أن «اقتلوا الكفار حيث ثقفتموهم.. ولا تأخذكم بهم رحمة». وفي ماليزيا٬ كان الجيش مصدر تجنيد مثير للقلق. قال وزير الدفاع الماليزي للبرلمان العام الماضي إن ما لا يقل عن 70 من أفراد الجيش السابقين تطوعوا بالانضمام لـ«داعش». ولطالما كانت السلطات الماليزية تنظر بعين الارتياب إلى المساعدات الغربية٬ ولكنها تعمل الآن منذ العام الماضي مع الولايات المتحدة وأستراليا على احتواء مثل هذه النشاطات المتطرفة.

أما في إندونيسيا فقامت الشرطة بحملة أمنية مشددة ضد المتشددين فقتلت وسجنت كثيرا من القياديين. ولكن كما هو الحال في العراق وسوريا٬ كانت السجون تربة خصبة للتطرف. واستنادا إلى أبحاثها في جاكرتا٬ تدفع السيدة جونز في دراسة صدرت مؤخرا أن «نظام السجون ­ حيث تحاك المخططات٬ ويجري الترتيب لسفر أنصار (داعش) بعد تجنيدهم ­ يحتاج لعناية عاجلة». ويخشى الخبراء أن ما يصل لمائتين من المتشددين السابقين من المنتظر الإفراج عنهم من السجون الإندونيسية قريبا.

منذ ما يقرب من 15 عاما والولايات المتحدة تمول في هدوء جهود مكافحة الإرهاب في جنوب شرقي آسيا. ولفتت دراسة نشرها مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت العام الماضي أن الولايات المتحدة قدمت مساعدات بقيمة 441 مليون دولار إلى الفلبين٬ ذهب معظمها للجيش٬ و262 مليون دولار لإندونيسيا٬ ذهب معظمها للشرطة. وتبدو  جهود الشرطة رهانا أفضل: زادت الهجمات الإرهابية في الفلبين بواقع 13 ضعفا بين 2002 و2013؛ وتراجعت الهجمات بنسبة 26 في المائة على مدار الفترة نفسها في إندونيسيا.

قد يخسر «داعش» خلافته المزعومة في سوريا والعراق٬ لكن يمكن أن يكون هناك تأثير مرتد ­ تهديد تطرفي أكبر في الدول التي يعود إليها المقاتلون الهاربون.

*خدمة: «واشنطن بوست»