IMLebanon

دولة الرئيس  نبيه بري

عندما يتعذر توجيه الرسالة الى العنوان المطلوب عن طريق النشر، يصبح من الطبيعي التوجه اليكم مباشرة، وأنتم صاحب الباب المفتوح للجميع، وصاحب الصدر الذي يتّسع للجميع أيضا. وأنتم يا دولة الرئيس سيد العارفين بما آلت اليه الأوضاع اللبنانية من انحدار مستمر على مدى عقود الاستقلال، وأدت الى اهتزاز دعائم الدولة من الجذور، وقلبت فيها المعايير والموازين، وساد الفلتان في مختلف الميادين، من السياسة الى الاقتصاد والحياة الاجتماعية، وتراخت قبضة القانون، وحامت شكوك حول قداسة العدالة، وتحوّل الدستور الى لغز، وأصبح لكل فريق سياسي المفتي الخاص به، وأصبح النظر الى الدستور مجرد وجهة نظر! غير أن أدهى ما أصاب لبنان هو بعض انهيار مفجع في القيم والمفاهيم والأخلاق. ومن دواعي الأسف والحزن ان هذه اللوثة أصابت بعض الاعلام بمختلف اختصاصاته. وعندما كان الاعلام قديما محصورا تقريبا بالصحافة، كان يقال عنها إنها السلطة الرابعة، والبعض يقول اليوم ان الاعلام هو السلطة الأولى، ومنهم وزير الاعلام ملحم رياشي.

كان يقال في الأمثال المتوارثة ان الشجرة المثمرة وحدها تتعرّض الى الرشق بالحجارة. وقد يكون هذا الرشق مبررا اذا كانت الغاية منه حصول محتاج أو محروم الى ثمار لا يملك الحصول عليها بطريقة مشروعة من السوق عن طريق الشراء ودفع الثمن. وفي زمن تراجعت فيه قيم وأصابت بعض الاعلام الذي لا يتورّع عن مراشقة شجرة تنشر أفياءها على مساحة الوطن، حتى ولو أخطأت حجارته باصابة أي من ثمارها! ولعل الاصلاح الشامل لن يكون متاحا إلاّ اذا شمل الاعلام. ولعل اصلاح الاعلام يبدأ بشجاعة مبادرة من بعض أهله، وبتصحيح بعض المفاهيم، واعادة الاعتبار الى أخلاقيات المهنة وآدابها…

في أصول المهنة: لا يجوز اخفاء الغرض الشخصي تحت غطاء من التطاول الاعلامي على قامات وطنية شامخة، وتبرير ذلك بما يسمّى حرية الرأي والتعبير. صحيح ان هذه الحرية مقدسة، ولكن فقط عندما يكون الهدف نبيلا. والاعلام الوطني الصافي لا يجوز له إلاّ تطبيق القاعدة في الشكل والمضمون. ورأينا جميعا في حقبة غير بعيدة من الزمن، كيف ان سفهاء الغرب في أوروبا وأميركا ارتكبوا أفظع الآثام متستّرين بحرية الرأي والتعبير. أليس بهذه الذريعة – الفرية تطاول سفهاء الغرب على الرسول الأكرم بكل ما ملكت أياديهم من أقلام وريش وميكروفونات ومكبّرات صوت وكاميرات تلفزيون؟! وبهذه الذريعة نفسها تطاولوا على العزّة الإلهية وأحرقوا الكتب المقدسة؟!

لم يكن الذين حزنوا وأسفوا، من التطاول على القامات الوطنية ورموزهم، هم فقط أولئك الشبان الغاضبون الذين تظاهروا في شارع محدود، وانما أيضا نخب وازنة من مختلف ألوان الطيف الوطني. ولعلنا عندما نصلح أنفسنا في المهنة وفي المجتمع، يزول من الوجود اعلام كيس الفحم الذي اذا وقع عليك لوثك واذا وقعت عليه لوثك أيضا!