IMLebanon

الوقوف على أطلال الكوتا النسائية لا ينفع

الدول الاسكندنافية نموذجاً

الوقوف على أطلال الكوتا النسائية لا ينفع

بعد جهد جهيد، وأشهر من المخاض العسير والسير بين نقاط خلافية كثيرة، أُقرّ قانون الانتخابات. إلا أن الكوتا النسائية التي شكلت مادة دسمة للتصريح ظلّت، كما كان متوقعاً، وعداً لم يرَ النور. والأمر كان متوقعاً، لأن الوضع اللبناني بنظامه القائم على المحاصصة أصلاً، يضيف المزيد من التعقيدات والخلافات على آلية تطبيق الكوتا النسائية، وهو أمر طالما اصطدمت به قوى سياسية في أكثر من بلد حول العالم.

ورغم غيابها عن القانون، بقيت الكوتا النسائية نجمة التصريحات المتعلقة به في الأيام التي تلت إصداره. الرئيس ميشال عون أمل في تعويض غيابها من خلال إقبال النساء على الترشح، الرئيس سعد الحريري وعد بتطبيقها في لوائح تياره، الوزير جان أوغاسابيان أعرب عن أسفه، كذلك فعل مسؤولون في «القوات اللبنانية» وغيرها، ووصل الأمر لدى السيدة رندة بري حدّ الاستهجان والإدانة. أما المطلوب، فهو إخراج موضوع مشاركة المرأة في الحياة السياسية من دائرة البروباغندا الى خانة الفعل، بغض النظر عن أي قانون. وهذا أمر ممكن إذا ما توافرت الارادة الحقيقية. كيف؟

بداية ما هي الكوتا؟ ألا تتناقض مع روح الديمقراطية والمساواة؟ وما مدى فعاليتها؟

الكوتا هي آلية يتم عبرها حجز مقاعد بهدف وصول فئة معينة الى مركز معيّن. هنا الحديث عن حجز نسبة معينة من المقاعد في البرلمان للنساء. وفي ذلك برأي البعض ضرب لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، إذ يمكن لإمرأة أن تأخذ مكان رجل قد يكون أكثر كفاءة، من جهة. وضرب لمبدأ الديمقراطية وحق الناخب بأن يختار من يمثله من دون فرض شروط عليه، من جهة أخرى. في حين يرى آخرون أنها آلية ضرورية ولو مرحلياً، من أجل تخطي حواجز وُضعت أمام المرأة على مدى عصور نتيجة قيود اجتماعية، وحرمتها من حقها الطبيعي بالتواجد في هيئة تمثل الشعب كونها تشكل نصفه في الغالب.

لقد تم تطبيق الكوتا الجندرية بأشكال مختلفة في ثماني دول أوروبية والهند ورواندا وليبيا وتونس والعراق والمغرب والاردن وغيرها. إلا أن نتائج تلك التجارب اختلفت، حيث أدت الى قفزات نوعية في بعض الدول، وكان تأثيرها لا يذكر في دول أخرى. من دون أن نغفل أن وصول المرأة في بعض الحالات، كان فيه نوع من الالتفاف على الفكرة الأساسية، حين تم اختيار أقارب من هم في السلطة لشغل مقاعد الكوتا، أو نساء يمكن مصادرة قرارهن ( علماً أن هذا يحصل أصلاً مع نواب ذكور )، أو حين كان يُطلب منهن العمل فقط على قضايا نسائية تهم المرأة.

اللافت أن أكثر التجارب نجاحاً في مشاركة المرأة بفعالية في السياسة، كانت في البلدان الاسكندنافية التي لم تعتمد بمعظمها الكوتا في قانونها الانتخابي. هناك أعلى نسبة مشاركة نسائية في البرلمانات، ولكنها لم تأت من فراغ، بل نتيجة عقود من تحضير أرضية كان يتم فيها الضغط من أجل إعطاء المرأة الفرصة للترشح. نتيجة تلك الضغوط، قامت بعض الأحزاب باعتماد الكوتا في مجالسها التمثيلية، وكل حزب اعتمد ما يناسبه. مثلاً، الحزب الديمقراطي الاجتماعي في الدانمارك، طبق مبدأ أربعين في المئة نسبة كوتا جندرية في لجانه، مضاعفاً في نفس الوقت عدد الأعضاء، فلم يشعر الرجال أنهم مهددون، وشعرت النسوة بوجود فرصة حقيقية أثارت حماسة لديهن للعمل انطلاقاً من القاعدة وصولاً الى القمة.

مثال تلك الأحزاب قد يصح نوعاً ما على ما بدأ به تيار «المستقبل» في لبنان قبل سنوات. إذ فتح باب دخول العمل في الشأن العام أمام كوادره بغض النظر عن الجنس أو العمر، وهذا كان العامل الرئيسي وراء وصول سيدات وشباب الى لجانه ومكتبه السياسي في انتخاباته الاخيرة، بنسبة فاقت تلك التي كانت مخصصة لهم من خلال كوتا طبقاً للنظام الداخلي. تجربة قد تشجع بقية الأحزاب والتيارات على النظر داخل كوادرها بشكل يتناسب مع أنظمتها وتركيبتها، الى كفاءات نسوية قد تكون بحاجة الى حوافز وتشجيع ودعم، لتقدم ما عندها.

صحيح أن الأحزاب هي الخزان الأهم الذي يرفد لوائح الترشيح في أي انتخابات، لكن المسؤولية لا تقع على عاتقها وحدها. لقد حان الوقت كي تقفز الحركات النسوية فوق المطالبة بإقرار كوتا، وتضع ثقلها في الدفع نحو بناء أرضية تتيح المشاركة بغض النظر عن إقرارها في قانون. مثل ذلك، تشجيع الفتيات على الانخراط في الشأن العام عبر المنظمات الشبابية، والنقابات، والبلديات وغيرها من النشاطات، بهدف تسهيل دخول المرأة معترك السياسة بجهوزية تامة. كذلك يجب التنبه الى المناهج التربوية المعتمدة، والتشبيك مع منظمات أهلية أخرى. وهذه مهام ليست مستحيلة، نظراً لتوفر حرية حركة في مجتمعنا اللبناني أمام المرأة، رغم بعض القيود والعادات الاجتماعية.

وهنا تذكير أن المرأة اللبنانية كانت حاضرة في العديد من مفاصل تاريخنا الحديث. لقد ساهمت بالنضال من أجل الاستقلال، وطالبت بحق الانتخاب والترشح وحصلت عليه عام ١٩٥٢. ومع بروز الحركات اليسارية، برز دور للمرأة في إطارها ولكنه ظل متماهياً مع ايديولوجية اليسار وقضاياه. بعد ذلك دفعت الحرب الأهلية بالنشاطات النسائية نحو تقديم الخدمات والمساعدات والرعاية الاجتماعية للمحتاجين والضحايا. وبعد الاتفاقية العالمية للقضاء على التمييز ضد المرأة، أخذت المنظمات النسوية منحى جديداً التقى مع الأهداف الدولية، ونشأت عدة جمعيات تعنى بحقوق المرأة وضد العنف وتنظيم الأسرة وما إلى هنالك. إلا أن التركيز بقي في الغالب على المطالب الحقوقية، في ظل غياب طرح مشاريع سياسية.

بشكل عام يمكن القول إن عملية مشاركة المرأة في الحياة السياسية لم تكن يوماً سهلة، ولن تكون. إذ غالباً ما تترافق مع صراعات من الطبيعي أن تكون مضاعفة في نظام طائفي عشائري إقطاعي، ولو ارتدى زي الديمقراطية. وكان يمكن بالفعل للكوتا النسائية، لو تم إقرارها، أن تشكل عاملاً مساعداً مسرّعاً، يخلق مناخاً اجتماعياً متقدماً، وظيفته التذكير بأن للمرأة دوراً سياسياً (لعبته تاريخياً بشكل مباشر أو من خلال التأثير في الزوج والأولاد). دور قد يضفي نكهة خاصة مطلوبة على الثقافة السياسية، من خلال خبرتها وتجاربها المختلفة في الحياة. دور لا بد منه لاكتمال أي مجتمع ديمقراطي، أو يدعي الديمقراطية، لأنها تشكل نصفه وأكثر.

لكن الوقوف على أطلال عدم الإقرار لن يفيد. أمام المنظمات والأحزاب أشهر يمكن فيها إنجاز الكثير، إن توفرت الارادة لذلك. وكل الأطراف التي دعمت الكوتا كلامياً واستغربت عدم إقرارها، موضوعة الآن أمام مسؤولياتها والتزام ما أعلنته من مواقف. أكثر من طريق مفتوحة أمام الجميع، والناخب اللبناني لن يمانع التعرف إلى وجوه جديدة يمكن أن تُقدم اليه عبر وسائل الاعلام والتواصل وحتى الجمعيات العمومية واللقاءات المباشرة. مع الأمل بأن يكون للجنس اللطيف حصة من بينها، تمكّنه ولو في المستقبل من الحصول على نسبة وازنة وفعالة في البرلمان، كي تكتمل صورة المجتمع.