IMLebanon

الدولة في خدمة حبيش: كرمى لعيونك يا «شيخ»

الأمر لا يتعلق بالنائب هادي حبيش، بل بذلك الرجل الخمسيني الذي كان يقبع مع زوجته وأبنائه عند طرف الطريق في «رينو 5» بعدما قطعتهم من البنزين، فإذا بمجموعة سيارات حديثة تمر بجانبهم كالصواريخ في طريقها الى «الشيخ» للاحتفال معه بمهرجانات زوجته.

الأمر يتعلق ببائعة الفستق التي توقفت تلك السيارات أمامها ونزلت منها بضع فساتين ملونة لالتقاط صور معها كأنها من كوكب آخر. الأمر يتعلق ببشرة الشيخ التي نادراً ما ترى الشمس فيما الشمس تأكل لحم ناخبيه ودمهم في سهل يعجزون عن تصريف محاصيله. الأمر لا يتعلق بهادي حبيش، بل بالشيخ هادي حبيش وسياراته ومهرجان زوجته وأصدقائهما وقصره. ففي وقت كانت فيه أزمة تيار المستقبل المالية تعيد آلاف الموظفين في الشركات الأمنية إلى منازلهم في عكار وتسرّح مئات المتفرغين وتضطر بعض المسؤولين المستقبليين إلى بيع سياراتهم، كان «الشيخ» يشتري بضع سيارات جديدة بمئات آلاف الدولارات. وفي وقت كانت فيه المستوصفات الحريرية تقفل أبوابها، كان «الشيخ» يضع اللمسات الأخيرة على فيلته في أدما. كان العكاري يلفت نظر أبنائه إلى «التلفريك» أو «تمثال حريصا» حين يصل إلى الكازينو، فبات يلفت نظرهم إلى فيلا «الشيخ» فوق الكازينو. وفي وقت كان فيه الرئيس سعد الحريري يعرض قطعة الأرض تلو الأخرى من إرث والده للبيع، كان «الشيخ هادي» ينهي الترتيبات اللازمة لبدء العمل في قصره في القبيات. الأمر لا يتعلق بالنائب هادي حبيش، بل بمقارنة الناخبين بين الإقطاع العكاري الرهيب الذي كان يبيع أراضيه ليحافظ على نفوذه رغم كل جبروته والمشايخ الجدد الذين يشترون الأراضي ليحافظوا على نفوذهم. الأمر يتعلق بالمواطن العكاري الذي شاهد التلفزيونات تضج بالأخبار عن مهرجانات القبيات القريبة من منزله لكنه يعجز عن الاستمتاع بها أو الاستفادة منها، لأن منظميها اهتموا بصورتهم فقط لا بتحويلها إلى فرصة سياحية ــ اقتصادية. الأمر يتعلق برؤية ذلك المواطن أكثر فأكثر أنهم يعيشون في عالم وهو في عالم آخر. ففي السابق كان السياسي يسافر إلى جزيرة بعيدة لشراء قصر ويخت وسيارة أحلامه، أما اليوم فيفعل ذلك علانية. يرى العسكري أو الموظف العكاري نفسه يحرم أبناءه اللقمة من أجل بناء غرفة إضافية يقبّل ألف يد ويد ليسمح له بتشييدها، فيما الشيخ يبني قصراً تلو القصر من دون حسيب أو رقيب. الأمر يتعلق بالوقاحة المستجدة؛ باستفزاز الرأي العام الذي يزداد فقراً فيما هم يزدادون غنى على مرأى منه ومسمع. العكاريّ المؤيد لتيار المستقبل يقارن بين منفعة المستقبل من ولايتَي حبيش النيابيتين ومنفعة حبيش الشخصية. العكاريّ المؤيد لتيار المستقبل يعلم أن راتب النائب لا يكفيه لشراء السيارات التي يشتريها حبيش وتشييد القصور، وغيره وغيره. العكاريّ المؤيد لتيار المستقبل مستفز جداً؛ التعليقات العكارية من جمهور المستقبل تعصف بمواقع التواصل الاجتماعيّ منذ أعادت صحيفة السفير التذكير بقصر حبيش. ومن يمض ساعات بين مئات التعليقات يتبيّن له حجم الكره والقرف اللذين لم تعبّر عنهما بما يكفي صناديق الانتخابات البلدية الأخيرة.

اقتلاع 4500 شجرة وشق طريق وتعبيده بعرض 14 متراً

فالنائب هادي حبيش لم يفهم الرسالة؛ اعتقد أنه ربح ويتصرف على هذا الأساس. لم يدقق في مغزى نيله مع النائب مخايل الضاهر وملياردير يرأس البلدية منذ أكثر من عشر سنوات وحزب الكتائب ووزارة الداخلية وإدارة السير والمركبات وقيادة الجيش ومديرية المخابرات وعدة عائلات قبياتية كبيرة وحشد من رجال الأعمال والمصرفيين وغالبية وسائل الإعلام خمسين في المئة من الأصوات مقابل حصول محام شاب مدعوم من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على خمسين في المئة. وهذا في بلدته القبيات، أما خارجها فحدثوا عن «نائب الأمة» دون حرج. لا تسألوا العونيين عنه فهم يهادنونه هذه الأيام. اسألوا جمهور المستقبل. ففي لبنان كله، لا في عكار فقط، لا يوجد طريق فرعيّ إلى منزل بعرض 14 متراً. أصحاب القصور الأوروبية الخيالية التي تعود إلى القرن التاسع عشر لم يفعلوا ما فعله حبيش، علماً بأن «مرصد أهالي القبيات» الذي تديره مجموعات أهلية قبياتية ذكر أمس أن المساحة الإجمالية للطريق المنفذة تؤكد أن عدد الأشجار المقطوعة يقدر بنحو 4500 شجرة حرجية، أي ما يعادل خمسة أضعاف العدد المسموح بقطعه وفقاً لرخصة وزارة الزراعة. وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد ضجّت بخبر اقتلاع حبيش نحو 1000 شجرة، فيما العدد وفق المرصد نحو 4500. ودعا المرصد في بيان وزارة الأشغال العامة إلى الالتفات إلى حاجات «القبيات» الطارئة وعدم اعتبار صرف اعتمادات المرسوم المتعلق بمنزل حبيش الخاص من حصة القبيات لدى الوزارة، وحرمانها بالتالي من تزفيت الطرقات وصيانتها. فالنائب القبياتي إنما يشقّ طريقاً إلى منزله الخاص على حساب الدولة ونفقتها، فيما حالة الطريق متردية جداً بين القبيات والهرمل على نحو يحول دون وصول المزارعين إلى أراضيهم ويعطل الحركة السياحية الكثيفة بين محافظتي عكار وبعلبك ــــ الهرمل.

وكانت قد سبقت فضيحة القصر الأخيرة فضيحة المهرجانات. فبدل أن يبحث «الشيخ» مع المتمولين الذين يسيّر شؤونهم لدى إدارات الدولة والمجالس البلدية ومختلف الوزارات التي يمون عليها عن المشروع الاقتصادي – السياحي الذي ينعش المنطقة قليلاً ويوفر بضع فرص عمل، آثر استحداث مهرجان لزوجته أسوة بسائر نساء السياسيين تتسلى به بضعة أشهر.

حبيش لا يعلم بطبيعة الدعوات التي انهالت عليه بعد رؤية بقايا الأشجار المعمرة في موقعته البيئية. لا يعلم أن الرأي العام يقارن بين الوظائف التي يؤمنها لأقربائه والوظائف التي يؤمنها لسائر المواطنين كما يقارن بين سعيه لتأمين المشاريع الإنمائية لمنطقته وسعيه لشق طريق خاص إلى قصره الجديد. الشيخ نسي أن «اختراع والده» في أواسط التسعينيات قام على أساس محاربة الإقطاع القبياتي الذي بنى لنفسه فيلا فخمة في بيروت ومنزلاً عادياً في القبيات. لا يعلم بحجم النقمة من تجييره علاقته بقائد الجيش مثلاً لتأمين مصالحه الخاصة بدل مصالح العكاريين. لا يعلم بما يمكن التفاوت الطبقيّ أن يوصل إليه وكيف أحرقت شعوب كثيرة قصور ممثليها انتقاماً من فكرة القصر. ولذلك يواصل استعراض ابتسامته معتقداً أنه أذكى من سائر الخلق، ويواصل التبجّح بعلاقاته ونفوذه هنا وهناك كأنه اكتسبها بعرق جبينه لا بفضل الناخبين. وهو بالمناسبة ليس مجرد نائب، هو نموذج متقدم يختزل حقيقة السلطة السياسية – الاقتصادية – الأمنية – الدينية وقلة حيائها.