IMLebanon

إنتحاريّو القاع يوقظون مخاطرَ النائمين في المخيمات

يبدو أنَّ قرار التنفيذ بدأ بعدما كانت كلّ الخطط التحضيرية قد اكتملت، وهذا ما اتّضح من التفجيرات الإنتحارية في منطقة القاع.

منذ بداية شهر رمضان المبارك كانت كلّ المعلومات والمعطيات تتقاطع وتشير الى أنّ عمليات انتحارية ستطاول كلّ الفئات اللبنانية والمناطق الحيوية في بيروت وذلك لإحداث أوسَع خلل أمني وأكبر حال انفلات في الشارع، خصوصاً أنّ موضوع الانغماسيين تمّ التجهيز له أيضاً وأنّ مثل تلك التحرّكات يمكنها إشاعة الفوضى لساعات. لذا كانت الاحتياطات المتخذة من الجيش اللبناني والقوى الأمنية والمعنيّين دقيقة والتحذيرات جدّية مع الحفاظ على عدم إشاعة أجواء الهلع بين المواطنين.

وفي السياق، خضعت الحدود اللبنانية – السورية لأشدّ الاستنفارات المتواصلة مع عمليات استباقية كان يُنفّذها الجيش عند لحظ أيّ تحرّكات للجماعات الإرهابية التي بقيت في تراجع عن الخطوط الأمامية.

ووسط كلّ الإجراءات الكفيلة، بنسبة جيدة ولكن غير مطلقة، بإقفال الحدود امامهم والتسلّل الى الاراضي اللبنانية عبر انتحاريين، إلّا أنّ الثغرة تبقى في دائرة مخيمات النازحين السوريين.

وهذا ما يطرحه قائد الجيش العماد جان قهوجي أمام جميع زواره من دوائر مركز القرار الدولي من باب المنظار الأمني البعيد من الحسابات الأخرى حرصاً على حماية دماء اللبنانيين وعدم إفساح المجال امام المتاجرة بالمواقف العنصرية التي لا تصب إلّا في خانة الشخصنة من ناحية وحرصاً على حماية النازحين من الخلايا النائمة بينهم من المنظار الامني والانساني والاجتماعي.

ويبدو أنّ الأمن أوّلاً وآخراً هو أولوية العماد قهوجي بحيث يعمل على حمايته من خلال كشف الثغرات التي تكاد اليوم تنحصر في مخيمات وتجمعات النازحين السوريين، في وقت يُغطّي الجيش الحدود اللبنانية – السورية بشكل دقيق ويعمل على كشف الارهابيين وتوقيفهم ضمن عمليات استخبارية هادئة وغير معلنة أحياناً كثيرة. لذا حرص الجيش على ضرورة تفعيل العمل الرقابي على النازحين وتفعيل العمل الداخلي والدولي للحدّ من المخاطر الدائرة داخل بيئتهم، بحيث تُجمع كلّ التقارير وكلّ اعترافات الإرهابيين الموقوفين بأنّ مجتمع النازحين مخروق وأنّ الخطر قد يخرج من بينهم.

فمخيمات اللاجئين المنتشر بعضها بأعداد كبيرة في أكثر من ناحية، والبعض الآخر بشكل بؤر صغيرة كثيرة الانتشار، تصعب المراقبة والرقابة عليها، وهي أصبحت في بعض الأحياء متداخلة مع المخيمات الفلسطينية مثل مخيم صبرا حيث تنتشر محال سوق الحميدية وتسميات اسواق سورية شعبية، مع وجود عدد هائل من النازحين يمتد انتشارهم حتى الطريق العام المتّجه نحو الضاحية الجنوبية من جهة، والطريق المؤدّية الى بيروت عبر منطقة الكولا من جهة أخرى.

وبعيداً من الموضوع الإنساني الذي يفرض نفسه في ظلّ الحرب الدائرة في سوريا، فإنّ خطر وجود النازحين في لبنان لا يمكن التساهل في حيثياته وأبعاده. فكلّ الاحصاءات لا تعطي أرقاماً محددة عن عدد النازحين لكنها كلّها وحتى المفوّضية العليا للاجئين وتقارير الامم المتحدة تُجمع على أنّ أكثر من مليون وثمانمئة الف نازح موجودون في اكثر من الف ومئة نقطة في لبنان.

أما المنظمات غير الرسمية فتقول بعدد أكبر يتجاوز المليونين، وإذا ما قيست الامور بعدد تلك الرسمية فهذا يشير الى مخاطر عدة:

– أولاً، المخاطر الأمنية: إذ تحتضن تلك النقاط أفراداً إرهابيين، إما تمّ إرسالهم مسبقاً مثل اللاجئين الهاربين من الحرب، وإما تمّ تدريبهم بعد وصولهم وإعطائهم المال وطُلب منهم الاختلاط بالمحيط على أن يبقوا خلايا نائمة يُستخدمون كإنتحاريين وانغماسيين في الوقت المناسب.

وفي عملية حسابية عادية، إذا ما سلّمنا بأنّ عدد النازحين هو فقط مليون ونصف مليون سوري، وإذا ضمّوا بينهم اثنين بالألف من الشباب الارهابي مجهّزين كخلايا نائمة، فهذا يعني أنّ 3000 ارهابي يعيشون بين اللبنانيين، وهو عدد هائل مقارنة مع عدد سكان لبنان ومساحته الجغرافية.

ولعلّ خروج انتحاريين من القاع يؤكد حتماً أنّ الأعداد هائلة والبيئة الحاضنة في المخيمات سهلة، وخصوصاً أنّ مخيم القاع يضمّ ما بين الـ 30 و35 الف نازح.

– ثانياً، في مخاطر الإرهاب الجنائي: إذ من المتوقع أن تتكاثر الجرائم الجنائية نتيجة الوضع الاقتصادي المذري والوضع الاجتماعي السيّئ، والذي بدأ يخرج عن العادات السورية المحافظة بحيث تنتشر الدعارة انطلاقاً من المخيمات في اتجاه المناطق اللبنانية.

– ثالثاً، في الخلل الديموغرافي: حيث ينتمي 90 في المئة من النازحين الى المذهب السنّي، فيما يشكل المسيحيون في لبنان بعد حالات الهجرة 30 في المئة. لكنّ هذه النسب تبقى في حجم الأرقام من دون أن يكون لها حجمها العملي، بمعنى أنّ الخلل الديموغرافي صوري وليس واقعياً لأنّ التوطين لا يمكن أنّ يتحقق وهو مرفوض شيعياً ومسيحياً في الدرجة الأولى.

ولعلّ التجربة الفلسطينية ووجود 400 ألف فلسطيني في لبنان وعلى رغم بعض المحاولات الداخلية والدولية لتوطينهم، إلّا أنّ ذلك لم يحصل نتيجة الاعتبارات والحسابات السياسية والسكنية التعدادية.

– رابعاً، في موضوع الأمراض والأوباء: إذ إنّ الوضع الصحّي للنازحين تختصره التقارير بـ»النازحون بين قنابل الموت وقنابل الأوبئة». بحيث يتعالج أكثر من 90 ألف مريض في المستشفيات وهذا يعكس أيضاً عائقاً امام المرضى اللبنانيين.

وبعيداً من كلّ الوقائع وما يترتب عليها من أزمة بيئية ونفايات ونظافة، لا شك في أنّ النازحين السوريين في لبنان هم في جزء منهم قنبلة موقوتة، الأمر الذي يتطلب خطة طوارئ عاجلة وتفعيل الحركة الدولية والمجتمع الدولي المقصّر أمام تلك الحالة التي قد تُحدث خللاً في لبنان.

علماً أنّ الجهد الكبير واليقظة والرقابة والعمل الاستخباري والتشديدات الامنية تجتمع في المؤسسة العسكرية والقوى الامنية وتعطي نتيجة مهمة جداً تتجلّى في الاستقرار الامني الحاصل مع لحظ بعض الخروق التي تُعتبر بالمفهوم الأمني العام خروقاً نسبية امام ما تشهده المنطقة.

لكن لا بدّ من إعادة النظر في موضوع حصر اللاجئين بمخيمات عند الحدود مع توفير المستلزمات المعيشية لهم وإعطائهم الأمن وبالتالي إعطاء لبنان بأكمله الأمن والأمان.