IMLebanon

«الطائف» رهن تكتل الطوائف

منذ اللحظة الأولى لولادة مشهد ما يسمّى بالحراك المدني تمّ رسم تصوّر أوّلي لمؤدّيات هذا الحراك الذي سيقود البلاد نحو الفوضى التي سيوظّفها الطرف الأقوى لمصلحته وفي خدمة أهدافه. ولكن بما انه يصعب أحياناً تقدير الاتجاه الذي يمكن ان تسلكه الأمور، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: أين المجتمع الطائفي من هذا الحراك؟

الوتيرة التصاعدية للحراك في الشارع تؤشّر بوضوح إلى وجود أجندة في رأس أولوياتها إسقاط النظام السياسي، فالمسألة لا علاقة لها بالنفايات ولا بأيّ ملف مطلبي آخر، على رغم اّن النفايات شكّلت الشرارة التي شجّعت ومهّدت لوَضع خطة انقلابية على جمهورية الطائف.

ولا ضرورة للتأكيد مجدداً على تأييد الجانب المطلبي الذي حرّك الناس، كونه مشروعاً في ظل الاستهتار المتمادي بكراماتهم وأبسط حقوقهم، ولكن من الواضح انّ الناس التي شاركت عفوياً في التظاهرات الأولى انسحبت وانكفأت، بعدما أيقنت وجود أجندة خفية تستخدم العناوين المطلبية لمشاريع انقلابية.

والحديث هنا ليس عن مؤامرة ولا تلفيق اتهامات أو كَبّ حرام على المتظاهرين، بل عن وقائع مثبتة ليس بالتقارير الأمنية، إنما بالعين المجردة والاحتكاك المباشر والنقل المباشر، حيث تعمد مجموعات معلومة إلى استفزاز القوى الأمنية بالشتائم التي لا يمكن ان يتصوّرها عقل، من أجل استدراجها إلى مواجهة مصوّرة لاتهامها باستخدام العنف وقمع المتظاهرين، وكل ذلك من أجل تعطيل دورها تمهيداً لإسقاط السلطة.

وقد تمّ تكليف مجموعة من النساء والشابّات للقيام بهذه المهمة بغية تصوير السلطة بأنها متوحّشة كونها تعتدي على الجنس اللطيف الذي يُشبه كل شيء إلّا اللطافة، بل من المؤكد انّ السباب المُستخدَم من قبلهنّ لا يشرّف المرأة اللبنانية التي تشكّل بحد ذاتها مدرسة في الأخلاق والتربية والحضور وآداب التعاطي.

ومن الظلم، بل من الخطيئة، تشبيه هذا الحراك بانتفاضة الاستقلال أو القوى السيادية إبّان الوصاية السورية. فلا سلطة اليوم تشبه سلطة ذاك الزمن، ولا الحراك الأخير يشبه حراك ذاك الزمن. والوقوف إلى جانب السلطة ليس تهمة، لأنّ هذه السلطة ليست سلطة الوصاية ولا تشبه سلطة النظام السوري، بل تعبّر عن إرادة معظم اللبنانيين، إلّا إذا أظهرت الانتخابات المقبلة خلاف ذلك.

ففي الأنظمة الديكتاتورية السلطة دائماً على خطأ، ولكنّ السلطة في لبنان اليوم ليست ديكتاتورية، ومواجهتها ليست القاعدة، بل القاعدة هي مواجهتها عندما تخطئ، وتأييدها عندما تصيب. والتجييش على أساس انّ الشعب دائماً على حق والسلطة على خطأ هو في غير محلّه، بل هو الخطأ بحدّ ذاته.

فضلاً عن انّ التجييش المطلوب هو لدفع السلطة إلى تسريع المعالجات والحلول، على غرار ما حصل في ملف النفايات، والذي أظهر مرونة السلطة مقابل تَعنّت المجموعات المتظاهرة على قاعدة «عنزة ولَو طارت»، لأنّ آخر همومها حلّ قضية النفايات، فيما أولويتها إسقاط السلطة لا أكثر ولا أقل، ولو اقتضى الأمر تخريب، ليس فقط وسط بيروت، بل تجديد الحرب الأهلية.

وبعد ان تَكشّفت النيّات الحقيقية لهذه المجموعات، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل من المسموح ترك السلطة منفردة في هذه المواجهة؟ وهل جمهورية الطائف ستنجو في حال تمّ تعطيل دور قوى الأمن، وشَلّ وزير الداخلية، وإسقاط الحكومة؟

وهل الاكتفاء بالدعم اللفظي الخجول كاف لإسقاط المخطط الانقلابي؟ وهل التعامل بخفّة مع هذا الحراك يعني أنّ هناك جهات حزبية-طائفية تدعمه أو تفضّل تَركه لقطف ثمار الوضع الذي سيوصِل البلد إليه؟ وبصريح العبارة هل الثنائي «حزب الله» – «التيار الحر» يريد إدخال البلد في المجهول، ولكن عن يَد غيره؟

فحتى إثبات العكس، لبنان مَمسوك من قبل القوى الحزبية-الطائفية، ويستحيل لحراك مدني أن يهزّ الوضع في لبنان ما لم يرتكز ويستنِد إلى قوى حزبية-طائفية. فاليسار في العام ١٩٧٥ لَما نجح في إسقاط الدولة لولا استناده إلى البيئة الإسلامية عموماً والثورة الفلسطينية خصوصاً، قبل أن ينتهي إلى لاجئ لدى منظمة التحرير الفلسطينية.

وبالتالي، اليسار الانقلابي الجديد لن يتمكن من هزّ قواعد الحكم الحالية ما لم يكن يرتكز الى «حزب الله»، ولكن على هذا اليسار القديم أن يدرك انّ مصيره في حال نجاحه لن يختلف عن مصير مَن سبقه، إنما هذه المرة سيكون لاجئاً لدى «حزب الله».

ويبقى أنّ كل المؤشرات تفيد أنّ البلد يتجه نحو الفوضى الحتمية، وأنّ فَرملة هذه الاندفاعة غير ممكنة ما لم تَتكَتّل القوى الحزبية-الطائفية لإسقاط المشروع الانقلابي.