IMLebanon

معلّمي المطران جورج خضر  

منذ أن توقّف المطران جورج خضر عن كتابة مقاله الأسبوعي في «النهار» شعرت (وكثيرون غيري) أنّ نقصاً لافتاً قد لا يكون ملؤه ممكناً بسهولة. وأرجو، صادقاً، ألاّ يُفسّر هذا الكلام على أنه إنتقاص من قدر أحد. فالأسقف الجليل الذي توالى على زاوية يوم السبت البديلة هو أيضاً لاهوتي جليل، دأبت على قراءته باحترام وتقدير.

إلاّ أنّ القراءة ادمان. وقراءة من أدمنت على مقالاته هي أكثر من ضرورة  لإشباع التوق الى المزيد. وأنا أعترف ها هنا، بأنني أدمنت قراءة مقالات سيدنا خضر هذا الأسقف المشرقي النشأة والهوى، اللبناني الولاء، العروبي الوعي، الإنساني الشمولي.

أعرف الكثر، ممن يلجأون الى «مرشد روحي». بينهم قادة عظماء لهم في حركة التاريخ فعل وبصمات… وبينهم الناس العاديون، وأنا منهم، إلاّ أنني أختلف  عنهم بأنني لا أجتمع مع مرشدي وجهاً لوجه، فقط أنا كنت ألتقيه في مقالاته المهمة.

وتقتضي الحقيقة أن أعلن أن سيادة المطران جورج خضر، ومن خلال مقالاته الأسبوعية، كان بالنسبة لي المرشد والمعلّم في شؤون الدين والإيمان.

هذا اللاهوتي الكبير كنت ألتقيه قليلاً، لكنني كنت أستفيد منه كثيراً. أنت في حضرة نور مشع عندما تكون في حضرته. إنه ينطق بوحي الروح… هكذا كنت أستمع الى كلماته أو أقرأها. يشع معرفة. ينضح حكمة. ينطق إنسانية شمولية. حتى لتخال أنك (وأنت تتابعه) أمام حال حلولية حقيقية.

كتبت مرة، في هذه الزاوية، أقول فيه إنه «كاتب صعب لقارىء صعب». وخلتني أنصفته في هذا القول. إلاّ أنني اكتشفت انه يكتب الصعب بالمعنى السهل، هذا إذا أردت أن تدخل الى محرابه وقد خلعت عنك بعضاً من دنياك لترنو الى بعض من آخرتك.

تعلّمت عليه (من قراءتي إياه) الكثير من شؤون الدين والدنيا. وأعجبت دائماً بأسلوبه الإستثنائي في تطويع الكلمة لتكون في خدمة الفكرة. بل لعلّي أعتبره أحد أخطر من كتب العربية في عصرنا. وما توفرت على مقال له إلا تبينت لي أبعاد رائعة من الفصاحة والبلاغة والبيان والتبيين… حتى ليتعذر على أساطين اللغة أن يستبدلوا كلمة بسواها في ما يقطّر حبر يراعه على بياض دفتره.

ذات زمن قال لي (من موقع الأسقف الأرثوذكسي): شربل قدّيس. هذه مسلّمة حتمية. وأضاف: إلاّ أنني كنتُ آثر أن يعلن البطريرك الماروني قداسته، وليس ثمة ضرورة لأن يعلنها الڤاتيكان.

يوم الأربعاء الماضي كان المشرقي الكبير الآخر، الرئيس ميشال عون، يقلّد المطران خضر وسام الإستحقاق اللبناني «ضابطاً أكبر» ليزدهي الوشاح على الصدر الرحب الذي يعبق بعطر القداسة فشكراً لفخامة الرئيس على هذه البادرة النبيلة.

ويا سيادة المطران جورج خضر، أعتز بأنك معلّمي.