IMLebanon

عشر سنوات… من التفاهم الوطني إلى التكامل الوجودي

شكّل التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله نقطة تحول في الحياة السياسية اللبنانية. مثّل من جهة ضمانةً للاستقرار، وغطاءً للمقاومة، وسبيلاً لجسر هوّة بين ما كان يُعتقد أنهما «مجتمعان» متضادان. ومن جهة أخرى، كان الهدف الأول لهجوم محور دولي وإقليمي ومحلّي حاول تحطيمه. صمد التفاهم، ليحتفل اليوم بالذكرى العاشرة لولادته. في ما يلي، شهادة من المنسق العام للتيار، بيار رفّول، تتضمّن بعض ما عايشه كنتيجة لهذا التفاهم

تعود بدايات العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله إلى عام 1990، يوم قررنا فتح المعابر والتقينا على أكثر من معبر رافضين الفرقة بين اللبنانيين ومصرّين على متابعة مسيرة الأخوة الدائمة والعيش الواحد.

هذه النبتة التي منعتها التطورات المتلاحقة من أن تزهر وتثمر عاشت مرحلة انتظار على مدى ست عشرة سنة في حنايانا، واعدة بأمل آت لا محال.

في السادس من شهر شباط 2006 التقى العماد والسيّد في كنيسة مار مخايل، التي تناحرنا في ما بيننا وتقاتلنا على بوابتها في ذلك الزمن الرديء، حيث تفاهما وكانت صفحة جديدة وبداية عهد مجيد من التلاقي والتفاهم بين اللبنانيين.

إنّ ورقة التفاهم تناولتها أغلبية بالسلبيات، حتى من دون الاطلاع عليها، وقلة باركتها. وقد سارت بخطى ثابتة رسّخها الترحيب الشعبي السريع الذي كان مفاجئاً. بعد أربعة أشهر وستة أيام على انطلاقتها، حصلت حرب تموز، لتؤكد صوابيتها ومتانتها والرؤية البعيدة النظر للفارسين اللذين وقّعاها. القائد الذي قال سنة 1990: «يستطيع العالم أن يسحقني لكنّه لن يأخذ توقيعي». والسيد الذي قال إباّن حرب تموز: «لا أريد أن أنهي حياتي عميلاً، ولكني أريد أن أطويها شهيداً».

إنّ ورقة التفاهم فجّرت حالة مسيحية ولبنانية باتجاه المقاومة لم يُشهد لها مثيل في السابق، ما أمّن لها في حرب تموز البعد الوطني الواسع والاحتضان الشعبي الجامع.

بعد يوم واحد من وقف الحرب، في الخامس عشر من شهر آب سنة 2006، الموافق عيد السيدة مريم العذراء التي أهداها سماحة السيد الانتصار، ذهبت مع معالي الوزير جبران باسيل ومعالي الوزير الياس بو صعب ومجموعة من الرفاق إلى الجنوب؛ مررنا في مدينة بنت جبيل، وكانت الجرافة تفتح الطريق أمامنا وتزيل القنابل العنقودية وركام الحقد والكراهية والإجرام، فشاهدنا كوكبة من المقاومين يسرعون باتجاهنا. عانق بعضنا بعضاً بشوق ونحن نكرر لهم مبروك، مبروك النصر. فأجابوا: «لا، لا، إنتو شركا بالنصر انتو اللي انتصرتوا»، وأكملوا: «هيدي أول مرة منروح ع الحرب وبالنا مرتاح، لأن كنا متأكدين إنو نسواننا وولادنا كانوا بإيدين أمينة. شكراً ع كل اللي عملتوه، وسلامنا الحار إلى حبيب القلب الجنرال ميشال عون».

بعد الحرب ذهبنا إلى الجنوب والبقاع الغربي لنساعد مؤسسة جهاد البناء في تقدير حجم الخسائر وضبطها، لنسرّع في دفع التعويضات للأهالي من قبل حزب الله. مكثنا في المنطقة حوالى ثلاثة أشهر، حيث تسنّى لنا التعرّف على رفاقنا في الحزب؛ تعرّفنا على أخلاقهم الراقية ونمط حياتهم البسيط ونبل علاقتهم مع اللبنانيين. نسجنا معهم أمتن العلاقات، وتآخينا حتى أصبحنا عندما ندخل بيوتهم نشعر وكأننا في بيوتنا.

كم سهرنا يبارك بعضنا لبعض بالانتصار. نحلم بلبنان قوي ونظيف يليق بتضحيات الشهداء ووجع الأمهات والأرامل ودموع اليتامى. هناك، في الميدان، فهمنا كنه مقاومة حزب الله وسلوكيتها؛ مقاومة مؤمِنة ممارِسة، قيَميّة معيوشة، جهادية باستمرار واستشهادية دفاعاً عن العرض والأرض والمقدسات. الإيمان عندهم علاقةٌ عمودية بالله، الأخلاق عندهم حالةٌ لا تفارقهم، حماية الأهل والوطن واجبٌ مقدس، والشهادة نعمةٌ من الله… والشهادة عندنا، نحن المسيحيين، ترتقي إلى مستوى القداسة.

في جهادهم ما قتلوا بريئاً ولا نكّلوا بأسير ولا اعتدوا على أحد أو سرقوا جنى غيرهم. لا ينسون فضل من وقف بجانبهم حتى يوم القيامة، ولكنهم لا يمنّنون بما فعلوه للبنان وما قدمّوه من أجل أمان بنيه ومجدهم.

دعونا مرة لزيارة مَعلم «مليتا». مليتا إحدى البلدات الجنوبية التي شكّلت المنطلق الأول للمقاومة، حوّلها حزب الله إلى مزارٍ وطني. هناك رأينا آليات العدو المدمّرة. زرنا النفق الذي حفره المقاومون بأيديهم، سمعنا صلواتهم وابتهالاتهم التي تردّدها الغابة الرابضة على التلة والمسجلة على جذوع السنديانات العتاق، وقرأنا وعدهم المحفور على الصخر، وشعرنا بطيفهم يظللنا على دروبها المتعرّجة. في هذا المَعلم الوطني يغمرك الحبور والطمأنينة، وتتأكد أن لبنان القوي ثمنه دمٌ وبطولات، أما لبنان الضعيف فسعره سمسرة وتنازلات.

في ذكرى العشر سنوات لا يسعنا إلا أن نتذكر شهداءنا الأبرار، أغنية الفرح على شفاهنا وجذوة العنفوان في وجداننا، وأن نحيّي رجال المقاومة الأشدّاء أينما كانوا، ونشدّ على أياديهم مكررّين: نحن وإياكم حال واحدة لا يفرّق بيننا إلاّ الموت، نعتز بصداقتكم، ونقدّر صدقيّتكم ومحبتكم وتضحياتكم.

مسك الختام، نتقدم من الماردين سماحة السيد والعماد القائد بأحرّ التهاني في ذكرى هذا الإنجاز العظيم، داعين لهما بالصحة والعافية والعمر الطويل، وراجين الله أن يعمَّم هذا التفاهم والتكامل على كافة الأحزاب والأطياف اللبنانية.

وكل ذكرى ونحن على موعدٍ مع نصر جديد.

*المنسق العام للتيار الوطني الحر