IMLebanon

الإرهاب يعيد الاهتمام إلى تحصين الداخل

كيف يتفادى لبنان أن يكون «حديقة خلفية» لبروكسل؟

الإرهاب يعيد الاهتمام إلى تحصين الداخل

انشغل لبنان، كما سائر العالم، بالجرائم الإرهابية التي وقعت في بروكسل. أضيف يوم 22 آذار الى نظرائه من التواريخ المأساوية، التي ضرجّها الإرهاب بدماء الابرياء.. وصار لبلجيكا تاريخها المشؤوم.

ليس العنف والإرهاب وحده ما صدم اللبنانيين. هم يختبرونه يومياً ويعيشون على إيقاعاته المتنوعة. ويكاد لا ينقضي يوم إلا ويحتل الارهاب عنواناً من عناوينه، سواء بمواجهة عصاباته على الحدود أو إلقاء القبض على احد عناصره، أو محاكمة متهم به. تحوّل إلى هاجس مقلق مقيم في خلفيات يومياتهم. ومع ذلك، يبقى الارهاب قادراً في كل مرة على الصدم وزعزعة كل توازن فردي أو جماعي.

لكن ما كان صادماً، بشكل خاص، في جرائم بروكسل، هو اماكن الاستهداف التي يفترض انها تخضع لأعلى معايير التدقيق الأمني، خصوصاً أن بلجيكا كانت تملك معلومات عن نيات باستهدافها من قبل الإرهابيين. وهي وضعت جهداً استثنائياً في هذا المجال لتجنب الأسوأ، ومع ذلك حصل ما حصل.

يفتح الموضوع سجالاً واسعاً حول سبل المواجهة. ويتساءل سياسي لبناني عن «قدرة لبنان في مثل زمن العواصف هذا، أن يبقى صامداً في مواجهة الجنون المتعاظم».

يرى ذلك السياسي أن كل المؤشرات تؤكد ان العالم يتجه الى مزيد من العنف. فأوروبا المهددة باستقرارها وأمنها وحياة شعوبها، ستزداد حساسية من «الغرباء» عن نسيجها الاجتماعي والثقافي، وسيعزز ذلك من صعود المتطرفين فيها «ومع الأسف ستدخل في حلقة مفرغة لن تخرج منها بسهولة. أي سيميل الناس عموماً الى انتخاب المحافظين الذين يزيدون من السواتر بينهم وبين سائر الشعوب وبالتالي يزداد الجهل بمعرفة الآخر وتتعمّق المسافات، وهكذا يعالج الناس خوفهم بالإنكار والإقصاء من جهة وبمزيد من العنف من جهة اخرى».

لكنه يرى في المقابل أن «مخاوف الأوروبيين مبررة. فهم يدفعون من حياتهم ومن اقتصادهم ثمن جنون بعضنا. وعلينا أن نتحمل مسؤولياتنا في هذا المجال. فلا تكفي الإدانة والاستنكار والقول مثلاً إن ليس هذا هو الإسلام او العرب. على مؤسساتنا الدينية أن تكفّر هؤلاء التكفيريين لا أن تدين فقط سلوكياتهم. وعلى الرؤساء والسياسيين العرب أن يُظهروا في ممارساتهم السياسية قدرة على التأقلم مع مفاهيم الديموقراطية وفي طليعتها احترام الانتخابات ونتائجها، وحرية الاختلاف والمعتقد وتقبل الآخر. فلا يمكننا أن نطالب الآخرين بما نرفض أن نقدمه نحن».

ويعتبر أنه «بهذا المعنى يمكن للبنان أن يكون نموذجاً يُبنى على تجربته المتراكمة رغم الكثير من الملاحظات عليها. الا أن دون ذلك شرطاً اساسياً هو اعادة بعض من التماسك للجسم الاجتماعي والسياسي اللبناني. وذلك لا يكون إلا باستعادة المؤسسات دورها، بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية، مروراً بالانتخابات النيابية التي يُفترض ان تدخل وجوهاً ومشاريع جديدة الى الحياة السياسية، ولو بالحد الأدنى، وصولاً الى تفعيل كل آليات المراقبة والمحاسبة».

ليس لبنان جاراً لبلجيكا في الجغرافيا. لكن الارهاب، قبل التكنولوجيا وبعدها، حوّل العالم «قرية كونية». بهذا المعنى يمكن بسهولة للبنان أن يكون الحديقة الخلفية لبروكسل في ظّل استمرار تحلل مؤسساته. وفي هذا السياق يؤكد السياسي اللبناني أن «كل حدث في العالم ينعكس علينا بطريقة أو بأخرى. فنحن نحارب على أكثر من جبهة. ومن سخرية القدر ان نكون على مواجهة مباشرة مع الإرهاب، تحاربه قواتنا العسكرية على الحدود وتطارد خلاياه في الداخل، وأن نكون في الوقت نفسه، على لوائح البلدان التي يتخوّف العالم منها كمصدّرة للارهاب».

بين النظرة والواقع والوقائع فإن ما ينتظرنا من أيام مقبلة لن يكون سهلاً. فالعالم يتجه الى مزيد من التشدد والانغلاق وكل دولة تهتم ببيتها الداخلي وتبحث عن كيفية تحصينه. لذا، في رأي السياسي «سنكون نحن، في آخر سلّم اهتمامات تلك الدول، وعلينا أن نمسك أمورنا بأيدينا ونحسمها لمصلحة قيام سلطة ودولة، وإلا فإن علامات استفهام كثيرة تظلل مصيرنا ومستقبلنا».