IMLebanon

الجيش في موروث الحساسيات.. وجديدها

عن المؤسسة التي حمت لبنان من صراعات المنطقة

الجيش في موروث الحساسيات.. وجديدها

تنافس اللبنانيون على تهنئة الجيش في عيده السبعين. سياسيون، إعلاميون، فنانون ومواطنون حاولوا التعبير، كل على طريقته، بإيمانهم بـ «الجامع المشترك» الذي يبقي اللحمة في ما بينهم.

الجيش هو بالنسبة الى كثيرين، من آخر المؤسسات التي يمكن الرهان عليها لحماية البلد، ليس بالمعنى الأمني فحسب، إنما بالبعد الكياني ومفهوم الدولة أيضاً. لكن حتى في التفافهم حول الجيش، ينقسم اللبنانيون في مفهوم هذا الالتفاف وترجمته. يريدون الشيء ونقيضه من المؤسسة العسكرية. كل طائفة وحزب يطمح لأن تكون هذه المؤسسة «جيشه» وضاربة بسيفه. وها هي المؤسسة تحتفل اليوم بعيدها السبعين وسيوف ضباطها المتخرجين لا تجد رئيسا للجمهورية يسلمهم إياها.

تناوبت كل الاحزاب والطوائف على «التحسس» من الجيش وانتقاده وحتى محاربته. وهي حساسية تعود للظهور بين حين وآخر، إلا أن «حاجة جميع القوى السياسية الى صمام أمان يجعلها لا تذهب بعيدا في حساسياتها وحساباتها»، بحسب سياسي مستقل.

ويضيف «على الرغم من كل محاولات إقحام الجيش في زواريب السياسة، إلا انه استطاع ان يبقى على مسافة من الجميع. وتمكنت قيادته من نسج علاقات بحدودها المطلوبة مع كل القوى تسمح بإبقاء السياسة خارج أبواب المؤسسة. وقد يكون أهم إنجاز يسجل لها انها تمكنت من منع تسلل الصراع السني ـ الشيعي الى الداخل اللبناني. فلا يخفى على أحد أن أي خطوة ناقصة للجيش أو أي انحياز ملموس كان يمكن أن يفجر الأوضاع ويفلت الامور. كما أن تعاون «تيار المستقبل» و «حزب الله» معه، كان دليلاً على الثقة المشتركة من الطرفين بالجيش وقيادته، على ندرة المشتركات بينهما في هذا الوقت.

في المقابل، يأسف السياسي لـ «تعرض الجيش وعماده جان قهوجي لانتقادات في بعض الأوساط المسيحية، تحديدا من التيار الوطني الحر». ويضيف: «ليس سرا ان اسم قائد الجيش مطروح لرئاسة الجمهورية، تماماً كما العماد ميشال عون. والإنصاف يقتضي الاشارة الى ان أحدا لم يسجل على قهوجي أي سلوك يُفهم منه سعي أو عمل مباشر في هذا المجال. فالرجل ملتزم التقاليد العسكرية وكلامه يتمحور حول مكافحة الإرهاب والتصدي للعدو الاسرائيلي. ولا يضيف إلا ما من شأنه ان يرفع معنويات عسكرييه وضباطه. ولم يقدم الجيش على خطوة إلا بإمرة السلطة السياسية. بالتالي، فإن هجوم عون المباشر على قهوجي ليس فقط غير مبرر، بل له مردود سلبي في الوسط المسيحي».

يرى أنه «ليس مقبولا أن يقف جمهور التيار في مواجهة المؤسسة العسكرية وقيادتها. فالتيار خرج من رحم هذه المؤسسة مطالبا بها وبسلطتها على كل الاراضي اللبنانية في وجه كل المليشيات والسلاح غير الشرعي. وحتى المنافسة الضمنية، ان جاز التعبير، بين عون وقهوجي يجب ألا تصل في أي حال من الأحوال الى اعتبار قائد الجيش خصما. في النهاية هو اليوم أعلى سلطة مسيحية، مارونية تحديدا، في مؤسسات الدولة، بعد الفراغ المقيم في رئاسة الجمهورية. وعلى السياسيين بالتالي التنبه الى الفارق بين اللعب بالثوابت والأسس والاستراتيجيات، ومن بينها دعم الجيش، والتكتيك والاختلاف السياسي».

ليس الجيش اللبناني زوجة القيصر، وبالتالي ليس فوق المساءلة والمحاسبة. وفي ظروف طبيعية لا يأخذ الاحتفال بعيد الجيش هذا الحيز من الاهتمام العام. لكن غياب الثقة المتزايد في الطبقة السياسية، وتحلل مؤسسات الدولة وصولا الى تفريغ النظام من مقومات صموده، تجعل اللبنانيين يتمسكون أكثر فأكثر بالمؤسسة التي يعتبرونها ضامنة لاستقرارهم وأمنهم. المؤسسة التي تضم أبناء الطبقتين الوسطى والفقيرة من كل الطوائف، وتحاول اليوم ان تكون آخر سد لمنع سقوط الهيكل على الجميع.