IMLebanon

وسط صراعات المحاور وتقاسم النفوذ الفرصة سانحة ليتفق اللبنانيون على الحياد

يرى مسؤول سابق أن الفرصة قد تكون أصبحت سانحة ليتفق الزعماء على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم على تحييد لبنان عن صراعات المحاور وتقاسم النفوذ في المنطقة لأنه السبيل الوحيد للحفاظ على أمن دائم واستقرار ثابت سياسياً واقتصادياً.

لقد كان المسيحيون عام 1943 عند نيل لبنان الاستقلال مع حياده، وقد وردت في “الميثاق الوطني” غير المكتوب عبارة “لا شرق ولا غرب”، لكن، ويا للأسف، لم يتم التزامها لأن فريقاً من المسلمين ظل يتطلع الى وحدة مع سوريا ولم يؤمن إيماناً قوياً باستقلال لبنان، فما كان من فريق مسيحي سوى أن عاد يتطلع الى الغرب وتحديداً الى فرنسا ثم الى غيرها على رغم أن الزعيم رياض الصلح كان حريصاً على مراعاة الخصوصية اللبنانية ومتمسكاً بالميثاق الوطني، ما جعله يقول: “لا للالتحاق بفرنسا ولا للالتحاق بسوريا”. وفي جلسة إقرار ميثاق جامعة الدول العربية قال بصرخة لبنانية: “إن النص المتعلق بضمان استقلال لبنان هو القرار الوحيد القاطع والنهائي ولا رجوع عنه، وهو قرار بمثابة حكم غير قابل للاستئناف ولا للتمييز”. وتوجه الى المجتمعين بالقول: “نحن أيها السادة أينما ذهبنا رواد استقلال وتعاون بين المسيحيين والمسلمين، ونحن نحمي هذا الاستقلال التام الناجز ونفديه بدمائنا وأرواحنا، ليس فقط ضد الغرب بل ضد الشرق أيضاً”. وتعالت موجة التصفيق يومذاك من ايدي وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن عبد العزيز ورئيس الوزراء العراقي نوري السعيد ورئيس الوزراء الأردني توفيق أبو الهدى والأمين العام للجامعة عبد الرحمن باشا عزام. لكن اللبنانيين ظلوا منقسمين بين شرق وغرب، لا بل بين غرب وغرب وشرق وشرق، ويتطلعون الى ما وراء الحدود، الى هذه الدولة أو تلك، ولم يعرفوا قيمة الكرامة وأهمية استقلال لبنان وسيادته وحريته إلا بعدما ذاقوا الأمرين من الوصاية السورية على لبنان، في حين كانوا يظنون أنهم يستطيعون الاستقواء بسوريا على شريكهم في الوطن فيكون لهم ما يريدون. ولكن تبين للبنانيين، مسيحيين ومسلمين، في ظل تلك الوصاية أنهم في الاضطهاد والظلم والاستبداد سواء، وان الوصاية القاسية كانت وصاية عليهم جميعاً، وهي تستقوي بالجميع على الجميع، ولم تكن قوة لهم بل قوة عليهم… تحقيقاً لأهدافها ومراميها في لبنان. وانتهت تلك الوصاية بالتقاء أكثرية المسيحيين والمسلمين على شعار “لبنان أولاً”، وها أن أكثرية شيعية بقيادة “حزب الله” تحاول الوقوع اليوم في اخطاء السنّة والموارنة بالاستقواء بايران على شريكها في الوطن لتجعله مغلوباً، فيضطر هذا الشريك الى الاستقواء بخارج آخر عربي أو إقليمي أو دولي، الأمر الذي يحدث عندئذ الانقسام الداخلي الحاد ويشرع ابواب التدخل في لبنان ويحول دون توصّل اللبنانيين الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، ولا على تشكيل حكومة، ما جعل لبنان يغرق في أزمات لا خروج له منها إلا بالاستعانة هذا بخارج وذاك بخارج آخر بحيث لا يكون حلّ إلا باتفاق هذا الخارج عليه وهو اتفاق لم يتمّ حتى الآن.

لذلك فان المسيحيين الذين التقوا مع المسلمين السنّة على شعار “لبنان أولاً” وعلى تحييده بالموافقة على “اعلان بعبدا”، فإن هذه الموافقة لن تكتمل ويكون لها نتائج إيجابية إلا اذا أصبح شيعة “حزب الله” مع هذا الشعار ومع هذا التحييد. فهل ينتظر “الحزب” نتائج تجربة تحالفه مع إيران ليقرر ما قرّره مسلمون سنّة بعد اختبار تحالفهم وتجربتهم مع سوريا ليعود الى لبنانيته؟

الواقع أن لا خلاص للبنان مما يجري حوله ومما سيجري بعد، إلا بتحييده، ولا حفاظ على أمنه واستقراره سياسياً واقتصادياً ولا حماية لحدوده ولاستقلاله وسيادته وحريته إلا بتحييده. ولتحقيق ذلك لا بد من اتفاق اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، على ذلك كما اتفقوا على التخلص من الانتداب الفرنسي فكان لهم الاستقلال الذي لا حفاظ عليه إلا بالحياد، ولا وحدة وطنية دائمة إلا به وليس بانحياز فريق الى هذا المحور أو الى ذاك ليبقى لبنان ساحة لصراعات الآخرين على أرضه يدفع ثمنها خسائر بشرية ومادية جسيمة.