IMLebanon

يستمر المجلس مجدداً: عند “الحل” لا عند “الشغور”؟!

منذ استخدام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون صلاحياته الدستورية بتجميد عمل المجلس النيابي شهراً بموجب المادة 59، لم يطل الجدل في تفسيرها فطُوي سريعاً، ليُفتتح في الكواليس حول الظروف التي “يستمر فيها المجلس في ممارسة سلطاته”، وهل هو ممكن في حال الشغور ما لم تُجرَ الإنتخابات وفق القانون النافذ في مهلة 3 أشهر؟ فماذا يقول الدستور وبموجب أيّ مواد يقوم المجلس؟

مهما تعددت الآراء في خطوة رئيس الجمهورية الدستورية الاخيرة بـ “تجميد عمل مجلس النواب في مهلة لا تتعدى شهراً واحداً” فقد طُوي الجدل سريعاً وأيقن الجميع أنّ هذه الصلاحية ما زالت له تلازم شخصه، ولا تنتقل الى أيّ طرف آخر ولا يشاركه فيها أحد بموجب مادة وُضعت في دستور 1926 ولم تُمَس يوماً طوال العقود التي تلت صدور أوّل دستور للجمهورية اللبنانية ولا في “إتفاق الطائف” ولا بعده.

حسناً فعل الجميع مسؤولون ودستوريون وسياسيون، فقد سلّموا بالخطوة الدستورية للرئيس ولم يناقشها أحد في العلن. واكتفى بعض المغالين في الإدعاء والحرص معاً تارة على صلاحيات رئيس الحكومة وطوراً على صلاحيات رئيس مجلس النواب بتقديم تفسيرات وشروحات لم تخرج من بعض القاعات والمكاتب المقفلة فدُفنت في مهدها.

ولكن على ما يبدو أنّ البحث ما زال جارياً في بعض المواد الدستورية التي تحكم المرحلة المقبلة قياساً على حجم الخيارات المختلفة المطروحة بتناقضاتها والتي ما زالت موضعَ أخذٍ وردّ وتفسيرات دستورية وقانونية مختلفة.

ومن هذه المواد التي تخضع للنقاش ما يتصل بالمرحلة المقبلة التي تلي فترة تجميد عمل مجلس النواب، في حال أُنجز القانون الجديد للإنتخاب الذي ستُجرى على أساسه الإنتخابات النيابية المقبلة أو العكس، وما يمكن أن يُتخذ من ترتيبات وإجراءات قانونية ودستورية وفق الخيارات المختلفة وخصوصاً تلك التي تطاول التمديد لمجلس النواب ريثما تُجرى هذه الإنتخابات، أو في حال حَلّ الشغور فيه بعد رفض التمديد له وعدم التفاهم على قانون إنتخابي.

في كواليس المناقشات الجارية لمرحلة التمديد للمجلس أو عدمه كثير من الحديث عن الشغور النيابي أو عدمه في اعتبار أنّ المجلس يمكن أن يستمرّ في سلطاته مجدّداً في حال الشغور النيابي وما لم تُجرَ الإنتخابات في غضون ثلاثة أشهر من نهاية الولاية، وهو أمر ما زال مدار نقاش بين رجال الدستور وتتناقض الآراء حيال هذه النقطة بالذات ويمكن الحديث عن رأيين في هذا المضمار:

– الرأي الأول يفيد أنه وفي حال رفض التمديد للمجلس النيابي كما يقول رئيس الجمهورية من دون إنجاز قانون إنتخاب فإنّ مجلس النواب سيستمرفي سلطاته مجدداً في غضون ثلاثة أشهر ما لم تُجرَ الإنتخابات على أساس القانون النافذ وهو قانون الـ 25 /2008 المعروف بقانون الدوحة الذي كان قانون الستين معدّلاً.

ـ الرأي الثاني يقول إنّ الشغور النيابي حتميّ فجر 20 حزيران المقبل طالما أنّ التمديد الثاني للمجلس قال بنهاية الولاية ليل 19 ـ 20 حزيران المقبل ما لم يتم التمديد وما لم يُقَرّ قانون الإنتخاب الجديد لتُجرى على أساسه الإنتخابات المقبلة بعد تحديد فترة التمديد التقني للمجلس النيابي، ولذلك فإنّ قيامة المجلس الحالي غيرُ ممكنة.

كلا الرأيين يتطلّع الى مضمون المادة 25 من الدستور المعدّلة بالقانون الدستوري الصادر بتاريخ 21 / 1 /1947 والتي لم تُمَس في التعديلات الدستورية التي أُقِرّت في “الطائف”. وهي تقول ما حرفيّته: “إذا حُلّ مجلس النواب وجب أن يشتمل قرار الحَلّ على دعوة لإجراء انتخابات جديدة وهذه الانتخابات تجرى وفقاً للمادة 24 وتنتهي في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر”.

وبالعودة الى المادة 24 من الدستور يتبيّن أنّ الحاجة اليها تبرز من خلال ما تنص عليه الفقرة الأولى منها وهي: “يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفقاً لقوانين الانتخاب المرعيّة الإجراء”.

وهذا يعني أنّ إجراء الإنتخابات بعد 20 حزيران المقبل سيتمّ وفق القانون النافذ في حال لم يُقَرّ قانون جديد.

وتأسيساً على ما تقدّم يظهر الخلاف جلياً عندما ربط أصحاب الرإي الأول مضمون المادة 25 بمضون المادة 55 من الدستور التي قالت ما حرفيّته في فقرتها الأخيرة: “(…) وفي حال عدم إجراء الانتخابات ضمن المهلة المنصوص عنها في المادة الخامسة والعشرين من الدستور (مهلة الأشهر الثلاثة) يُعتبر مرسوم الحلّ باطلاً وكأنه لم يكن ويستمر مجلس النواب في ممارسة سلطاته وفقاً لأحكام الدستور”.

وعلى هذه الخلفيات الدستورية يمكن حصرُ الخلاف القائم بين الرأيين في حالتي “حلّ المجلس” أو “الشغور النيابي” وهما حالتان مختلفتان في الشكل والمضمون. فأصحاب الرأي الأول لديهم البديل في تفسير المادة 55 من الدستور والذي يحاكي حالة “حَلّ المجلس النيابي” وليس الشغور.

أما أصحاب الرأي الثاني فلا يمتلكون حلّاً بديلاً يحاكي حال الشغور ولديهم الإقتناع الكافي تجاه هذا الموقف فليس في المواد الدستورية كافة المُشار اليها ( 24 و25 و55) ما يؤدّي الى معالجة وضع “الشغور النيابي” كالحال التي سنعيشها كما هو متوقع في 20 حزيران المقبل ما لم يتوصل المعنيون الى قانون إنتخابي جديد ليتوقف الجدل حول طريقة “قيامة المجلس النيابي الحالي” مجددا.

وحيال هاتين الحالتين يتوقع المراقبون أن يتجدّد الجدل الدستوري في هذه النقاط قريباً ما لم تصحّ توقعات رئيس الجمهورية ومعه رئيس الحكومة قبل نهاية الولاية النيابية.

وعليه ستُطرَح الأسئلة المنطقية التالية: لمَن ستكون الغلبة في النتيجة؟ ولأيّ رأي؟ وهل سنكون أمام جدل دستوري من هذا النوع لا تُعرف تردداته السياسية من الآن؟ وهل من السهل معرفة النظرية التي ستنتصر في نهاية المطاف؟