IMLebanon

التباين بين البطريركية والرئىس عون يظهر!

في تكرار لأكثر من موقف سابق بالمعنى نفسه، أعلن البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي بكل وُضوح وشفافيّة أنّه «ليس عيبًا الإقرار بالفشل إذا لم يتم التوصّل إلى إقرار قانون جديد للإنتخابات والذهاب إلى الإنتخابات وفق القانون الساري»، وأضاف: «نُعوّل على حكمة الرئيس ومسؤوليته لتجنيب البلد أيّ أزمة سياسيّة أو إقتصاديّة مُرتبطة بقانون الإنتخاب». ويأتي مَوقف رأس الكنيسة المارونيّة في الوقت الذي يتواصل فيه تأكيد رئيس الجمهورية – عن طريق مَصَادره وكذلك من خلال ما ينقله زوّار قصر بعبدا، رفضه الشديد أن تجري الإنتخابات النيابيّة المُقبلة وفق «قانون الستّين». فهل تجدّد التباين السياسي التكتي بين البطريركيّة المارونيّة والعماد ميشال عون؟!

مصدر سياسي مسيحي كان شارك في مؤتمر الطائف ذكّر أنّه في العام 1989 أمّن البطريرك الماروني في حينه، مار نصر الله بُطرس صفير، الغطاء المسيحي لإتفاق الطائف، بالتنسيق مع حزب «القوّات اللبنانيّة» ومع النوّاب المسيحيّين الذين شاركوا في مؤتمر الطائف في المملكة العربيّة السعودية، وقد كان رأي البطريركيّة المارونيّة آنذاك أنّه لم يعد من مَفرّ عن التنازل عن جزء من السُلطات المَمنوحة للمسيحيّين في الدُستور اللبناني بهدف وقف الحرب وأعمال القتل في ظلّ إنقلاب موازين القوى المحلّية والإقليميّة، وبهدف وقف الهجرة المسيحيّة إلى الخارج، في الوقت الذي كان رئيس الحكومة المُوقتة آنذاك العماد ميشال عون يُحاول عرقلة هذا الإتفاق الذي تمّ برعاية إقليميّة ودَولية واسعة، عبر حلّ مجلس النوّاب وتخوين المُشاركين فيه ومُهاجمة الجهات المسيحيّة الدينية والسياسيّة التي أمّنت الغطاء له، مُعتبرًا أنّ الإتفاق يُمثّل خطأ إستراتيجيًا لا يُغتفر.

وأضاف المصدر نفسه أنّه اليوم وبعد نحو ثلاثة عُقود من هذا التباين التكتيّ بين «الجنرال» والبطريركيّة المارونيّة، وعلى الرغم من إختلاف الظروف والمُعطيات، أطلّ خلاف تكتيكي جديد بين العماد عون الذي صار يشغل حاليًا منصب رئيس الجُمهوريّة، والبطريركيّة المارونيّة مُمثّلة بالبطريرك الجديد مار بشاره بُطرس الراعي، بشأن مسألة الإنتخابات النيابيّة، يتمثّل في رغبة الرئيس عون في مُتابعة الضغط إلى أقصى الدرجات للتوصّل إلى قانون جديد للإنتخابات النيابيّة، في مُقابل تخوّف البطريرك الراعي من أنّ عدم التوصّل إلى قانون جديد سيتحوّل إلى صدام سياسي داخلي لا محالة، وقد يُؤدّي إلى التمديد لفترة طويلة للمجلس الحالي، وربما إلى الإحتمالين مًعاً! وتابع المَصدر كلامه بالقول إنّ الرئيس عون يعتبر أنّ مواقفه الحازمة بشأن كل من التمديد للمجلس الحالي وإجراء الإنتخابات وفق «قانون الستّين»، ستحمل القوى السياسيّة المُختلفة على التوصّل إلى قانون جديد للإنتخابات في نهاية المطاف، خاصة وأنّ الرأي العام اللبناني مع هذا الخيار، وأنّ إستخدام السُلطات الدُستوريّة التي لا تزال بيد الرئيس يسمح بعرقلة مُحاولات التمديد أو إجراء الإنتخابات من دون تغيير القانون، بينما البطريرك الراعي يعتبر أنّ إجراء الإنتخابات النيابية وفق القانون النافذ حاليًا، يُمثّل «الحلّ الأقلّ سوءًا»، لأنّ الحفاظ على تماسك المؤسّسات الرسميّة وعلى تداول السُلطة ولو من دون تغييرات جذريّة، أفضل من التمديد للمجلس ومن شلّ السلطة التشريّعية ومن الدخول في صراع سياسي داخلي جديد سيُهدّد بدون أدنى شكّ الإستقرار والإقتصاد، وسيرفع أجواء التوتّر السياسي.

تخوّف بكركي…

وفي السياق عينه، لفتت أوساط دينيّة مُقرّبة من بكركي إلى أنّ البطريرك الراعي لا يُطلق مواقفه بشكل إرتجالي بل بناء على مُعطيات ملموسة لديه، مُشيرة إلى أنّ الموقف الأخير للبطريرك مبني على واقعين إثنين، الأوّل مُرتبط بتوقّع عدم نجاح القوى السياسيّة الفاعلة في التوصّل قريبًا إلى تسوية وسطيّة على قانون جديد للإنتخابات النيابيّة، وكذلك بوجود نيّة واضحة لدى العديد من الأفرقاء السياسيّين على الإبقاء على القانون الإنتخابي النافذ حاليًا، على الرغم من تصاريحهم العلنيّة التي تنفي هذا الأمر. وأضافت الأوساط الدينيّة نفسها أنّ موقف البطريرك الراعي الأخير مبني أيضًا على واقع ثان يتمثّل في التخوّف من الإجراءات التي يُمكن أن تُتخذ في حال عدم التوصّل إلى قانون إنتخابي جديد قبل 15 أيّار المُقبل، لجهة القيام بتحرّكات إعتراضيّة في الشارع يُمكن أن تتحوّل إلى صدامات بأبعاد طائفيّة، وإتخاذ إجراءات سياسيّة وقضائيّة يُمكن أن تضرب شرعيّة المؤسّسات القائمة وأن تشلّ البلاد وتؤثّر على الإستقرار والأوضاع الإقتصاديّة. وتابعت الأوساط الدينيّة عينها أنّ البطريرك الراعي يعتبر أنّ التفاهم بين «التيار الوطني الحُرّ» و«القوات اللبنانيّة» يُمكن أن يُعوّض الغُبن اللاحق بقانون الستّين المُعدّل في الدَوحة، وفي الوقت عينه التحالفات والإمتدادات السياسيّة لكلّ «التيّار» و»القوّات» يُمكن أن تُجنّب البلاد أيّ توتّر داخلي بأبعاد طائفيّة أو مذهبيّة.

في المُقابل، وعلى الرغم من رفض أكثر من مسؤول في «التيار الوطني الحُرّ» التعليق على الكلام الأخير للبطريرك الراعي، وكذلك على كلام مُفتي الجمهوريّة اللبنانيّة الشيخ عبد اللطيف دريان الذي قال إنّه ليس من حقّ أي فريق أن يُعطّل مؤسّسة دستورية، مبديًا تخوّفه من تعطّل مجلس النوّاب والحكومة، ومُطالبًا بقانون إنتخاب لا يخلّ بالعيش المُشترك، فإنّ أوساطًا سياسيّة مُطلعة أكّدت ما عكسته شبكات التواصل الإجتماعي من إمتعاض كبير لدى مُناصري «التيّار» مِمّا إعتبروه خطأ سياسيًا جديدًا ترتكبه البطريركيّة المارونيّة، بعد خطأ تغطية «إتفاق الطائف»، حيث أنّها فضّلت حلولاً قصيرة المدى بدلاً من حلول طويلة المدى لصالح المسيحيّين، ولوّ أنّ هذه الأخيرة لا يُمكن أن تتحقّق إلا بعد مخاض عسير!

وختمت الأوساط السياسيّة كلامها بالتشديد على أنّ على القيادات المسيحيّة عدم الوقوع في الخطأ نفسه، لجهة الإنقسام حول قرارات مصيريّة تؤثّر على حُضورهم ونفوذهم وسُلطاتهم السياسيّة، لأنّ هذا الأمر يزيد من ضعفهم ويفتح شهيّة الكثير من الجهات الراغبة بإستغلال هذا الإنقسام لقضم المزيد من الحصّص العائدة إلى الطائفة المسيحيّة.