IMLebanon

نهاية «الحلم السوري»

لم تعترف سوريا بلبنان دولة، منذ شارك لبنان في تأسيس الجامعة العربيّة، جاهرت سوريا بهذا الرفض، مراراً وتكراراً، ومع هذا لم تكفّ الأنظمة السورية المتتالية عن حلمها بضم لبنان واستتباعه كمحافظة ملحقة بها، وهذه الرغبة ما زالت قائمة ومستمرّة ومصرّة على احتلال لبنان تحت أي عنوان كان، ولها في لبنان أدوات و»زلم» مهمتها عدم السماح للبنان بأن يكون دولة!!

كثير من اللبنانيّين استفاقوا بالأمس على طرقاتهم الدوليّة محتلّة، وكأنّ خنق الناس وإذلالهم في سياراتهم تذكيرٌ بأنّ الاحتلال ما زال قائماً وأنّ أذرعة النظام السوري طويلة جداً، وأنّ مخلّفاته في لبنان قادرة على «مرمرة» عيشة اللبناني وتركيعه، مشهد الأمس ليس بريئاً أبداً وليس بعيداً عن احتلال ورثة الاحتلال… من تذكروا بالأمس انسحاب جيش الاحتلال السوري ذليلاً من لبنان، غاب عنهم أنّ حلم الاحتلال ما زال قائماً فيما حلم 14 آذار التي أخرجت جيش الإحتلال على مرأى من العالم سلماً، مات وشبع موتاً!

ربما كانت أسوأ فكرة صدّقناها صبيحة 15 آذار العام 2005 أنّنا نجحنا في الردّ على خطاب 8 آذار و»شكراً سوريا الأسد»، وأخطر فكرة صدقناها لاحقاً صبيحة 26 نيسان العام 2005 أن الاحتلال السوري خرج إلى الأبد من لبنان، سكرنا بمشهد المليون ونصف المليون لبناني الذين احتشدوا للردّ على خطاب أمين عام حزب الله الذي خرج في 8 آذار ليعلن بـ»التقيّة» أنّ «الوليّ الفقيه» بات الحاكم الأوحد للبنان، وأننا دخلنا بتوقيت اغتيال الرئيس رفيق الحريري زمن الاحتلال الإيراني، وأننا بتنا حدوده على البحر الأبيض المتوسط!!

كانت اللحظة حاسمة وضيعتها على لبنان الحسابات الانتخابيّة الخاطئة، وها نحن نعيد التجربة في العجز عن التوصّل إلى قانون انتخاب يكنّس مخلّفات الاحتلال من تحت قبة البرلمان، مسار 14 آذار انهار كليّاً منذ أدرك اللبنانيّون بحدسهم حزب الله متورّط في اغتيال الرئيس الحريري، ومحى السيّاسيّون الذين طرحوا الأسئلة على حزب الله وأدركوا أنه من الاستحالة أن لا يكون أقلّه على علمٍ بالاغتيال والتحضير له، مع هذا ومنذ خرجت أصوات لا تفكّر إلا بمصلحتها الآنية ملقيةً أشباح «النسيج الوطني» على حزب الله المنفصل بالكامل في كيانه عن كلّ ما يمتّ بصلة للبنان، منذ تلك اللحظة بدأ تيّار 14 آذار بمعناه وصورته الشعبية اللبنانية يخطّ نهاية ما صنعه اللبنانيّون في ذلك النهار وكانوا في غير وارد التنازل عنه!!

وقع لبنان في «فخّ إيران» وأطبق حزب الله يده عليه منذ «التحالف الرباعي» الانتخابي، مصالح آنية لكسب نائب هنا وآخر هناك حتّمها قانون غازي كنعان، وتوالت الضربات متنقلة تفجيرات، واغتيالات، منذ اغتيال سمير قصير كان على اللبنانيين العودة إلى الشارع ووقف مهزلة «الانتخابات» التي فرضت على لبنان بقانون الاحتلال، كان هذا الخطأ الثاني الذي ارتكبه السيّاسيّون الذين «نُصّبوا» قيادات على ذاك النهار التاريخي الذي أوصلنا إلى 26 نيسان، والقيادات التي لحقت بالشارع «الـ 14 آذاري» اختارت أن تلعب دور «حفّار القبور» فمشّتْ في الجنازات الواحدة تلو الأخرى، وإلى جانب تشييع الجنازات  جلست في الحكومة جنباً إلى جنبْ مع السّاعين إلى تعطيل التحقيق الدوليّ أولاً ومنع إنشاء المحكمة الدولية ثانياً، بدقّة أكثر لم تختر القيادات الجلوس مع حزب الله ـ وقدّيسيه المتورطين في دم شهداء لبنان ـ في حكومة واحدة منذ يوم انطلاق أعمال المحكمة الدوليّة بل منذ أدركوا عرقلة حزب الله وحلفائه التحقيق الدولي وقرروا منع ضم كلّ جرائم اغتيال الشهداء التي تلت اغتيال الحريري وخرج هذا إلى العلن في 12 كانون الأول 2005 يوم اغتيال جبران تويني وانسحاب وزيرين لحزب الله من الحكومة لمنع إقرار الحكومة لهذا الطلب بحجّة الحاجة إلى يوميْن للتشاور والدراسة!!

من تذكّر بالأمس عرّابي طرد جيش الاحتلال السوري الشهيدين سمير قصير وجبران تويني، ما وصل إليه لبنان في مشهد طرقاته المقطوعة بالأمس هو نتيجة حتميّة لهذا المسار الطويل من تراكم أخطاء فريق إذا خاصم لا يعرف كيف يخاصم ولا إذا تحالف لا يعرف كيف يتحالف، للأسف لم يبقَ من 26 نيسان ولا من 14 آذار ذاك النهار إلا حزب القوات اللبنانيّة وقائدها التي لم تحد قيد أنملة عمّا صدّقه اللبنانيون عشيّة 26 نيسان العام 2005.