IMLebanon

مصير نفط لبنان في العهد الجديد

يشهد لبنان ولادة عهد جديد يتوقّع منه المواطنون الكثير، فهم لطالما حلموا بازدهار يطاول جميع القطاعات ومنها قطاع النفط الّذي ينتظر إقرار مرسومي تقسيم المياه البحرية اللبنانية على شكل رقع (Blocks) ودفتر الشروط المتضمن نموذج اتفاقية الاستكشاف والإنتاج بعد تأخير ناهز الثلاث سنوات.

اليوم، وبعد أن يعود الانتظام الى العمل التشريعي يصبح إقرار مشروع القانون الضريبي المتعلق بالأنشطة البترولية وشيكاً. وفي الوقت عينه، يتوقّع من هيئة إدارة قطاع البترول إعادة تأهيل الشركات النفطية التي سيسمح لها بالمشاركة في دورة التراخيص الأولى.

تدلّ المؤشرات على حماسة لدى كل الأفرقاء لإيصال هذا الملف الحيوي الى خواتيمه المرجوة، فهو محركٌ أساسيٌ للاقتصاد اللبناني إذ أنّ استثمارات الشركات في التنقيب والاستكشاف وتطوير الحقول والانتاج ستصل إلى مليارات الدولارات.

أمّا بلدان حوض شرقي البحر الأبيض المتوسّط فتعيش في الآونة الأخيرة تطورات في قطاع النّفط قّلما شهدتها من قبل. فلا يمضي شهرٌ إلّا ونسمع عن اكتشاف نفطي جديد أو إعلان عن دورة تراخيص أو تحالفات استراتيجية بين الدول لتسويق الغاز المكتشف. وقد ساهمت هذه التطورات في تحريك ديناميكيّة جيوستراتيجيّة دفعت بالدول العظمى إلى مراقبتها ومواكبتها عن كسب حتّى أنّها تدخلت لتذليل العقبات حيث أمكن.

في خضمّ هذا الجو، يحتاج لبنان إلى أن يلحق بما يدور حوله من حراك بترولي في الحوض المشرقي للبحر المتوسط وإطلاق قطاع التنقيب والاستكشاف والعمل على اجتذاب شركات النفط العالمية التي تملك الخبرات التقنية والملاءة المالية للاستثمار في مياهه البحرية والبدء بالاطّلاع على الأسواق الإقليمية المتبقية لبيع غازه.

فقد خسر لبنان مؤخرًا جرّاء التأخير الحاصل سوقا مهما جدا له وهو السوق الأردني. فقد نجحت اسرائيل في عقد اتفاقية بيع غاز مع الأردن بقيمة عشرة مليارات دولار لتوريد 300 مليون قدم مكعب باليوم ولمدة خمس عشرة سنة.

بالإضافة إلى أنّه يتوجّب علينا ألّا ننسى، ومنذ مراحله الأولى، أن نحصّن هذا القطاع الناشىء من أيّ عملية فساد أو استغلال للسلطة، من هنا أهمية العمل على محاربة الفساد في الإدارة العامة وإعادة الدور الفعّال الى الهيئات الرقابية. وفي أول ورشة تشريعية، يُفتَرض بالنوّاب التّصويت على جميع القوانين المتعلقة بالشفافية ومحاربة الفساد والحوكمة.

بناءً على ما تقدّم، السؤال الذي يطرح نفسه مع بداية العهد الجديد وفي خضمّ تشكيل أولى حكوماته هو الآتي: هل سنشهد التنافس نفسه بين الفرقاء على تولّي وزارة الطاقة والمياه؟ وهل اقتنع الفرقاء أنّه لا يُتوقّع أي مردود مالي قبل عدّة سنوات من بدء التنقيب الّذي قد يصل إلى حوالي عشر سنوات؟ من المؤكّد أنّ انتاج النّفط لن يكون في خلال مدّة هذه الحكومة وحتّى مدّة العهد الرّئاسي الحالي.

لذلك من المنتظر أن يشكّل ملفّ تأمين الكهرباء 24/24 أولوية الوزارة الحاليّة فالتكلفة الجسيمة التي يتكبّدها الاقتصاد اللّبناني جرّاء عدم تأمين الكهرباء والهدر الحاصل في هذا القطاع يصلان إلى مليارات الدولارات سنويًّا.

مع ذلك، يجب على قطاع النفط في لبنان أن يتحرّك بسرعة لما له من انعكاسات إيجابيّة على الحركة الاقتصاديّة، فاستفادة الاقتصاد اللبناني ستأتي من استثمارات الشركات النفطيّة بالدرجة الأولى في خلال عمليّة التنقيب والاستخراج.

وتبدأ هذه الاستثمارات في الأشهر الأولى لتلزيم هذه الشركات، إضافةً إلى توظيف اليدّ العاملة اللّبنانية وزيادة الطّلب على الخدمات غير النّفطيّة كالاستشارات القانونيّة والماليّة والمحاسبيّة إلخ، بالإضافة إلى الخدمات الفندقيّة وزيادة حركة المطار والمرفأ.

أمّا البنوك اللبنانية وشركات التأمين فيكون لها عملاء جدد وقطاع جديد يساهم في زيادة الانتاج الفعلي للاقتصاد، ممّا سيخلق لهذه الأخيرة منفذًا لتوظيف أموالها في الاقتصاد المنتِج بعيدًا عن الاقتصاد الاستهلاكي والاقتصاد الرّيعي.

يبقى موضوع الصّندوق السّيادي الّذي ستوضع فيه عائدات النّفط، فالحديث عن إيلاء إدارته لمصرف لبنان وبالتالي إبعاده عن التنافس السّياسي هو مشجّع جدًّا ويعطي مؤشّرًا إيجابيًّا بإبعاده عن المحاصصة. فقد أثبت مصرف لبنان في خلال العقود الماضية جدارته ومهنيته في مجالات النقد والدّين العام وتطوير القطاع المصرفي. أمّا المطالبة بتوظيف أموال الصّندوق السّيادي لإطفاء الدّين العام فهو غير مجدٍ.

إنّ خبرة البلدان كالجزائر التي استعملت عائدات نفطها لدفع ديونها غير مشجّعة أبدا. إذ لم يكن المردود الاقتصادي لهذه الدول مفيدا بل أدّى في بعض الأحيان الى انعكاسات سلبيّة.

ما يجب عمله مع بدء القطاع النفطي في لبنان هو السعي الجدّي الى تحسين تصنيفه السّيادي، وبالتالي تخفيض الفوائد على الدّين العام ممّا سيخفّض كلفة خدمة الدين. فتعطي الاكتشافات النّفطيّة والغازيّة لبنان ملاءة ماليّة تنعكس على قدرته المستقبليّة على تسديد دينه.

فيمكن توظيف المبالغ الّتي ستستعمل لإطفاء الدين في مشاريع إنتاجيّة في لبنان أو في الخارج ويكون مردودها أكبر بكثير من نسبة الفوائد التي تُدفع على دينه إن كان حالياً أو مستقبلياً.