IMLebanon

المستفيد الاول من النسبية هم السنة وتحديدا المستقبل

قبل الانتخابات الرئاسيّة التي أفضت في نهايتها إلى فوز العماد ميشال عون برئاسة الجمهوريّة، خشيت أوساط كثيرة وفي مسرى النقاش حول مشروع قانون الانتخابات من البلوغ كثمن لوصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة بأنّ يوضع الفريق المسيحيّ أمام خيارين:

-إمّا القبول بالمشروع الثلاثيّ، أي القانون المختلط المقدّم من قبل القوات اللبنانيّة والحزب التقدميّ الاشتراكيّ وتيار المستقبل، ويعتبر على مستويات عديدة قانونًا ممسوخًا وهجينًا بالمعنى التقنيّ والدستوريّ للكلام، ويصبّ في خانة تجويف الفلسفة الميثاقيّة من مضمونها التكوينيّ الجذوريّ للنظام السياسيّ.

-أو العودة إلى قانون الستين، وقد تمّ لفت النظر غير مرّة بأنّه الأسوأ في مشاريع قوانين الانتخابات الموضوعة على بساط البحث، وهو قانون إلغائيّ وإقصائيّ للمكوّن المسيحيّ في لبنان، ومعه يبطل وجود الميثاق بأبعاده السياسيّة والإنمائيّة والرؤيويّة المندمجة في جوف النظام السياسيّ وعقله.

ما يلفت نظر الأوساط السياسيّة سواءً كانت في موقع المراقب أو في موقع المناقش ذلك المنطق المخيِّر بين مشروعين سيّئين، كلاهما يملكان الهدف عينه، وهو إقصاء المسيحيين كمكوّن تكوينيّ ممدود في المدى اللبنانيّ بأسره. ويتدحرج النقاش باتجاه محاصرة العهد المنتصر وهو لم يدخل شهره الثالث بعد بهذين الخيارين، فيما سيّد العهد الرئيس عون، رفض غير مرّة المشروعين، وتمسّك بالنسبيّة بتشدّد واضح مع المناصفة الفعليّة كإطار تكوينيّ للنظام السياسيّ في الأساس، وإطار يصب في فلسفة نشوء العهد. فمن رافق أدبيات التيار الوطنيّ الحرّ في المراحل التمهيديّة لانتخاب الرئيس، ومن ثمّ في المراحل الحالية، أدرك بلا التباس بأن ما يطرح الآن مجاف بالكليّة لهذه الأدبيات ومناف للأهداف التي وضعها التيار الوطنيّ نصب عينيه وهو تأمين المناصفة الفعليّة بين المسيحيين والمسلمين.

وتلفت مصادر سياسيّة أخرى النظر إلى أمر جرى النقاش فيه خفية، ولم يصدر للعلن البتّة، وهذا الأمر بمضمونه خطير للغاية، بحيث معظم القوى السياسيّة، وبحسب تلك المصادر، سلّمت طوعًا أو كرهًا بوصول العماد عون إلى الرئاسة. ولكنّ التسليم عند من سلّم كرهًا ما لبث كشف عن مجموعة ألغام نُصِبَت في جوفه وبين مفرداته، ضمن عنوانين جوهريين ووجوديين غير معلنين  ومترابطين عضويًّا بالنسبة لهؤلاء وهما قانون انتخابات يميل ما بين الستين والمختلط، واستمرار الفساد في بنية الدولة وجوهرها، بمؤسساتها وإدارتها، وديمومة منطق المحاصصة في القطاعات المفتوحة على مجموعة مناقصات واستثمارات كقطاع النفط والنفايات وما إلى ذلك.  الترابط بين العنوانين ليس عابرًا بل أساسيّ واستراتيجيّ، ذلك أنّ النسبيّة وكما تم الإيضاح غير مرّة تبيح دخول نخب سياسيّة جديدة تكون شريكة في النظام ورفعة الكيان، وتساهم من ضمن فلسفة العهد ورئيسه بتطهير الإدارة من الفاسدين من ضمن عنوان شاءه التيار الوطنيّ الحرّ لنفسه وهو الإصلاح والتغيير.

وتجزم تلك المصادر وبصورة قاطعة، غير قابلة عندها للجدل، بأنّ الأبطال المسلّمين طوعًا هم بالدرجة الأولى وليد جنبلاط وفؤاد السنيورة الذي لا يزال يترأس كتلة المستقبل وتصدر بياناتها وتصرّ على رفض النسبيّة، ورئيس الحكومة الحاليّ سعد الحريري، الذي لم يبد موقفه العلنيّ بعد، ولكنّه ترك الموقف ضمن دائرة وزير الداخليّة نهاد المشنوق، وقد اعلنه في موقف رئيس الحكومة بصورة غير مباشرة،  خلال حديثه التلفزيونيّ الأخير.

وتكمّل تلك المصادر بجزم واضح بأنّ هؤلاء الأبطال تآلفوا قبل انتخابات الرئاسة، ويكملون، تاليًا، محاصرتهم من باب هذا الائتلاف ضمن عنوانين يجدر بحزب الله أن ينتبه إليهما لأنهما بدورهما يهدفان إلى محاصرته من باب جذبه إلى عناوين واهية بدأت أصداؤها تظهر، وهما:

-مراعاة الخصوصيات المذهبيّة، فتبدو الخصوصيات المذهبيّة قناعًا خافيًا لطموحات شخصيّة متورّمة ومنتفخة تماهت مع ما سمي بالهواجس وهي جوفاء لا تنتمي إلى أي مضمون سياسيّ ضمن الواقعيّة السياسيّة، وعمدت على استهلاكها بتوسّع فجّ ووقح على حساب الفقراء والعمّال والكادحين والفلاّحين لتكسب على ظهورهم ملايين الدولارات بشراكات وشركات، وتسوس هذا المذهب بخصوصيّته «وهواجسه» المزعومة بإقطاعيّة قابضة على الحياة السياسيّة في بنية هذا المذهب فتمنع سطوع الضياء من بعض النوافذ، وتحجب عنه إمكانية اقتحام نخب راقية قائمة في بنيته الحلبة السياسيّة من بابها البرلمانيّ الواسع.

– ضرب منطق الشراكة الوطنيّة والميثاقيّة، وقد قام في الأساس على ورقة التفاهم ما بين حزب الله والتيار الوطنيّ الحرّ كلبنة أولى، وما لبثت أن توسّعت باتجاه ورقة جديدة ما بين القوات اللبنانيّة والتيار الوطنيّ سميت بورقة إعلان النيّات. وما بين الورقتين كانت ثمّة تجارب واضحة تمثّلت بشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ» من ضمن أسبابه الموجبة الشاكية من فقدان التوازن السياسيّ والإداريّ في العلاقة المسيحيّة-الإسلاميّة، بفعل استيلاد الطوائف الإسلاميّة للمسيحيين في كنفهم، وقد تداخل مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ» في صميم التيار الوطنيّ الحرّ والبطريركية المارونيّة في بكركي، فتبنى العماد عون مشروع اللقاء بالتشديد على النسبيّة المطلقة والشراكة الفعليّة الكاملة، وجاءت وثيقة بكركي الشهيرة في التاسع من شباط من سنة 2014 لتؤكّد المؤكّد أي على المحتوى عينه.

 وتعتبر تلك المصادر بأن دعم حزب الله لهذه المنطلقات شكّل علامة فارقة أراحت الجميع وأعادت الاعتبار لمنطق التوازن بمندرجاته. وتبدي تلك المصادر تحليلها المبني على أنّ جوهر تلك الفلسفة قد انتصر في المعارك في سوريا من حلب وصولاً إلى ما يحدث الآن في وادي بردى في ريف دمشق، وانتصر أكثر مع صمود الرئيس بشار الأسد، فالمفروض بالخيار المنتصر أن ينغرس في التربة اللبنانيّة، أي بترسيخ منطق الشراكة الوطنيّة الكاملة بقاعدتيها الأساسيتين، وهو منطق شموليّ وغير متجزّئ، ومتوازن وزيارة الرئيس عون الأخيرة إلى الخليج العربيّ، قد تعطي فعالية سياحيّة واقتصاديّة، إنما تلك الفاعلية لن تترسّخ بدورها إلا من ضمن وعاء متين محتواه قائم على شراكة كلّ الأطراف في بينية النظام السياسيّ، وقانون الانتخابات فيه يكوّنه، بمعنى أن الكلام في القانون كلام تكوينيّ.

وعندما تسأل تلك المصادر وهي حياديّة عن المراحل المقبلة إذا ما استكان الجميع في قانون الستين أو حتّى المختلط، فتعتبر بأنّ العهد يكون قد بدأ بالتعثّر، لكون أعمدته بنيت من رخام الفلسفة الميثاقيّة وليس من فلسفة تسوويّة أخرى. المؤامرة وبحسب تلك المصادر لا تزال على مسيحيي لبنان بالدرجة الأولى الممثّلين بالرئيس القويّ وبعهد انطلق انطلاقة مباركة وعلى التسوية التي أفضت بوصول ممثلي الوجدانات الطائفيّة بأكثريتها المطلقة إلى السلطة وهي جزء من الفلسفة، وهي مؤامرة على الشعب اللبنانيّ المقاد بثقافة غنميّة بعيدًا عن المحاسبات وقلب الطاولات. وتشير تلك المعلومات بأنّ وليد جنبلاط على وجه التحديد لا يسير إلاّ بقانون الستين وهو من أوحى لتيار المستقبل لضرب مفهوم النسبيّة، مع العلم أن القانون المختلط والستين من شأنه في طرابلس وعكار أن يقوّض حضور تيار المستقبل لمصلحة المتطرفين في الشارعين هناك وعلى رأسهم اللواء أشرف ريفي. إنّ قوّة تيار المستقبل لا تكمن في القانون المختلط أو الستين بل تكمن في النسبيّة وفيها يقوّض تلك التيارات المتطرّفة، وتعتبر المعلومات بأنّ أشرف ريفي في طرابلس يؤكّد زعامته في الوسط السنيّ حين يتمّ إقرار قانون الستين.

وفي الختام، إنّ السياق السياسيّ المنطقيّ يقول بضرروة استكمال مشروع تجذير الفلسفة الميثاقيّة وتسييلها لصالح الجميع، وتؤكّد تلك المصادر بأن المستفيد الأوّل من النسبيّة هم سنّة لبنان وبالتحديد تيار المستقبل، ومن ينكر هذا الاعتبار يجافي الواقعية السياسيّة بميزانها الدقيق. أما سياسة المراعاة المتبعة بسياق هشّ فستؤكّد معطوبية الكيان اللبنانيّ باستمرار الفساد وتقاسم الفاسدين خيرات لبنان على حساب شعوبهم.