IMLebanon

معركة الرئاسة الأولى تستعيد واجهة الأحداث اللبنانية

مهارة رجالات الاستقلال تواجه بأدوار أهل النظام وتناقضاتهم

معركة الرئاسة الأولى تستعيد واجهة الأحداث اللبنانية

وهزال الجلسات الانتخابية يبرر تفاقم الصراعات والمصالح كان ذلك أواخر الستينات من القرن الماضي. يومئذٍ تسرّب الجفاء للمرة الأولى الى الصداقة التاريخية بين الرئيس كميل شمعون ورئيس الكتائب اللبنانية الشيخ بيار الجميل.

كان الزعيمان التاريخيان يجلسان معاً، وفي مقعدين متجاورين في مقصورة الدرجة الأولى والى جانبهما الاستاذ ادمون رزق الكاتب والأديب الذي كان يرافق الشيخ بيار في تلك الرحلة، وكان معجباً بالرئيس السابق للجمهورية.

لاحظ خطيب الكتائب المفوّه، أن الرئيس شمعون لا يتكلم مع الشيخ بيار، وتلك كانت مفاجأة غير مستساغة، الأمر الذي حدا بالشاب القادم من جزين، الى القيام ب مبادرة ودّ بين القائدين، ولا يجوز لمدينة الشلال ألا يسقي المياه العذبة، رجلين أعطيا عمرهما للبنان، ولا يتبادلان الأحاديث وهما على أجنحة الأثير.

وفجأة، مال الاستاذ ادمون رزق صوب الرئيس الرابض في مقعده كالنمر، وسأله اذا كان يحمل معه بطاقة سفر صغيرة تحمل اسمه.

وبسرعة، قدم الرئيس كميل شمعون كارت فيزيت سحبه من جيبه وقدمه الى الشاب الذي طلبه.

بعد العودة الى بيروت، ذهب الاستاذ ادمون رزق، كعادته، الى بيت الكتائب وقدّم الى الرئيس الشيخ بيار الجميل علبة ملفوفة بورق راق وجميل. وبادره بأنه يحمل هذه الكرافات من فخامة الرئيس كميل شمعون الذي يبدو أنه اختارها في الطائرة، وهو في طريق العودة الى بيروت.

تناول الشيخ بيار الجميل الهدية، وطلب من ادمون رزق أن يتصل بالرئيس السابق للجمهورية، ويشكره باسمه على هديته.

الا ان شلال جزين فاض على لسان الأديب الكبير، وتمنى على رئيس الكتائب أن يطلبوا له صديقه العزيز، ويشكره شخصياً على مبادرته.

وعقب الشيخ بيار: معك حق يا ادمون، وطلب من سكرتيرته ان تطلب له الرئيس كميل شمعون، وما إن فعلت حتى راح الرئيس الجميل يشكره على هديته. وبسرعة ايضا ادرك ابن دير القمر ان ابن جزين عملها ادمون ببراعة ونباهة، وبدد سحابة صيف مرت في اجواء الصداقة التاريخية بين الزعيمين الكبيرين، وعادت الحياة الحميمة الى مجاريها والى قلبين جمعت بينهما صداقة عريقة وأصالة الود والمحبة.

روى الجنرال المتقاعد عادل ساسين القائد السابق للشرطة العسكرية والصديق المقرب من الرئيس شمعون، وقال انه لا يستبعد ان يقوم الكاردينال بشارة الراعي بمبادرة قريبة، بعد عودته من الاسفار والجولات، لجمع القادة الموارنة في بوتقة المحبة، ويجمع الشمل، من اجل انقاذ الجمهورية مما يقلق المخلصين عليها، في هذه الايام الصعبة. وقال لمن حوله ان بطريرك الموارنة يضيمه الفراغ في موقع الرئاسة الأولى، ولن يترك الزعماء الكبار، من دون مبادرة، بعد المبادرة الخلاقة للرئيس سعد الحريري الذي جمع في باريس، في الاسبوع الفائت اليه، كلاً من الوزير السابق والنائب سليمان فرنجيه والنائب سامي الجميل والزعيم الوطني وليد جنبلاط، لأن الجمهورية مبلبلة، وقد مضت جلسات للحوار دعا اليها الرئيس نبيه بري في ساحة النجمة، وعين التينة، ومرت جلسات كثيرة في القاعة الكبرى في مجلس النواب، من دون انتخاب رئيس للبلاد.

وأشاد العميد ساسين بخطوات اقدم عليها الرئيس سعد الحريري، عندما اجتمع في باريس سابقاً الى دولة الرئيس العماد ميشال عون، وها هو يكسر الجمود الذي يكتنف معركة الرئاسة الأولى، ويفتح الطريق للاتفاق، ولا يتوقف عند حاجز الافتراق أو الفراق. المهم ان الحوار فُتحت أبوابه، لأن لبنان ضد الجمود.

المهم ان هناك عقدة تتلاعب فيها وحولها الصراعات، ولعبة المناصب أصعب من لعبة المحاور ومن دون حوار، تخطف الصراعات القادة الكبار الى مواقع غير مواقعهم الحقيقية، فيتحول كل منهم الى فارس للحفاظ على حصص طائفته، لا على حصص الوطن، وحق المواطن في ما ينبغي له أن يقدمه لوطنه، من دون الاكتفاء بما يأخذ لنفسه أو لطائفته.

ولا يهم ما اذا كانت مبادرة الرئيس سعد الحريري، تهدف الى اثارة الحساسيات بين النائب سليمان فرنجيه والنائب ميشال عون، ومن هو الملائم أكثر من سواه لجمع الشمل، وتوحيد البلاد تحت المظلة الرئاسية، أم ان الأمور كلها تدور في حلقة مفرغة، لأن في كثافة المرشحين تضييقاً لفرص الوحدة في اطار التنوع وخلاصاً من الدوران في أجواء المصالح.

وبدلاً من العمل للوطن، يتحول العمل لصالح الشخص، وتبدأ مسيرة الفساد، فيما المطلوب التسليم بالكفاية والنزاهة، لأن عالم التجرد ذهبت آثاره منذ زمان طويل.

كان الرئيس ألفرد نقاش يقول دائماً في مجالسه، إن لبنان ينبغي ألا يبقى في أيدي الطوائف، بل في قلوب أبنائه، لأن الرياح الطائفية تأخذ كل فريق الى ناحية، مع ان للوطن ناحية واحدة هي التلاقي بعدد حوار، والاجتماع عقب كل ازمة.

ويقول العارفون بالأسرار، إن ثمة أخطاء شائعة يجب ألا تتكرر كما كان يقول الوزير والنائب الراحل محمود عمار، بل يجب أن يتعلم الجميع من الأخطاء، لأن الزعيم الأقوى والأفعل هو من يأخذ العبرة من العثرات، ويتعلم من المصائب والنوائب.

كان الاستاذ الكبير اميل خوري يقول في العام ١٩٥٧، وهو مرشح للرئاسة الأولى، إن الجمهورية لا تولد الا بعد مخاض صعب، ومعاناة صعبة للمشاكل والأزمات.

ويرى الاستاذ فؤاد بطرس، إن الحكم ليس وقفاً على رئيس الجمهورية، بل هو في عهدة الوزير والنائب، لأنهم جميعاً يكتملون في خدمة الجهورية والعطاء والانصاف.

سأل مرجع بارز، لماذا بات لبنان مهدداً بالانهيار، وأجاب لأن كل وزير يحجب الحقوق عن غير أبناء طائفته، ويحمل فرصة لتطويب الوظائف لأبناء طائفته.

ويستدرك: لواعتمد المسؤولون نصوص اتفاق الطائف، لكانوا حفظوا البلاد من الحصص، ولكانت المحاصصة قد غابت أو تقهقرت.

وبعض رواد الفكر السياسي يدعون الى العودة الى النظام اللبناني كما كان سائداً، بعد الاستقلال، خصوصاً وان لبنان احتفل أخيراً بمئوية لبنان الكبير، كما أرسى قواعده البطريرك الياس الحويك في قصر فرساي، وكما فعل الجنرال غورو في العام ١٩٢٠، وتبناها الجنرال شارل ديغول.

وفي رأي هؤلاء، ان تكبير لبنان أفضل من تصغيره، خصوصاً ان رياح التقسيم قد عززت من هذا التوجه.

وجاءت الحوادث الأخيرة، وأعمال العنف والتطرف الديني، لتعزز هذا المنحى، خصوصاً بعد التفجيرين الخطيرين في برج البراجنة على أبواب الضاحية الجنوبية.

وكما نمت رياح الفيدرالية في السبعينات، استيقظت هذه الرياح مجدداً، لأن الخوف من التطرف، يعزز القلق على مستقبل البلاد والمصير.

حرب عالمية جديدة

وجاءت زيارات الرئيس الفرنسي هولاند لكل من لندن وموسكو وبرلين، وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من اجل تشكيل جبهة دولية تكون بمثابة حرب عالمية ثالثة على الارهاب، قوامها الرؤساء الثلاثة: الأميركي باراك اوباما، والروسي بوتين، والفرنسي هولاند.

ويبدو أن هذه المظلة الدولية للاعتدال الدولي، أكبر تظاهرة ضد التطرف الذي مثلته وتمثله داعش في الشرق الأوسط، وفي العالم أشبه بحوادث ١١ ايلول العام ٢٠٠١، لأن قادة العالم اكتشفوا أخيراً، أن خطر داعش لا يقل خطورة عن الخطر الهتلري في الحرب العالمية الثانية.

وان دول العالم، لو أحسنت مواجهة القاعدة وظاهرة بن لادن لما نمت وتوسعت منظمات متطرفة مثل داعش والنصرة وسواهما، وهذا ما جعل الدول الأخرى تعيد النظر في حساباتها، خصوصاً بعد الارهاب الذي ضرب فرنسا، ونسف الطائرة الروسية في الاجواء الدولية فوق شرم الشيخ.

الصراعات الداخلية

كيف كانت الأمور تسير، بعد الحرب العالمية الأولى، وعلى أبواب الاستقلال، خصوصا في لبنان، عندما تسلم السلطة أركان الحركة الاستقلالية في كل من لبنان وسوريا.

كان الشيخ بشارة قد أيقن ان دور حكومة الانتخابات برئاسة الحاج حسين العويني قد انتهى، وأنه من حقه ان يقول للحاج حسين: أديت قسطك للعلى فنم، وان يبحث عن رئيس حكومة جديد من بين أقطاب الطائفة السنية. كانت عنده لائحة بأسماء القادرين على حمل العبء مثل رياض الصلح وصائب سلام وعبدالله اليافي، وسامي الصلح الذي أبدى رغبة صريحة في تسلم رئاسة الحكومة، فضلا عن رسل الى الشيخ بشارة حدثوه في رغبة سامي بك. وكان الشيخ الخوري يؤمن بتداول السلطة بين العائلات السياسية السنية، وهذا ما ردّه عن فكرة الاستعانة مرة أخرى بشريكه في معركة الاستقلال رياض الصلح، فضلاً عن النغمة التي كانت متداولة في الشارع المسيحي أيام حكومة رياض، ومؤداها ان الدولة هي رياض، ورياض هو الدولة، بالنظر لقوة شخصية الرجل ومساحته الشعبية المترامية الأطراف. وبرغم ان المادة ٥٢ من الدستور تعطيه الحق في ان يعيّن الوزراء ويختار رئيسا منهم، فقد أحب الشيخ بشارة ان يكون دستوريا ديموقراطيا، فلا يتمسك بحرفية هذه المادة، بل يسبق الزمن، ويحدث سابقة دستورية في هذا المجال، ويستعين بآراء السبعين نائباً الذين يتألف منهم البرلمان، ويولي أهمية خاصة للنواب السبعة المعارضين، بقطبيهم كميل شمعون وكمال جنبلاط، فأرسل اليهم الحاج حسين العويني، واستمزجهم في الأمر، وعاد الى الرئيس الخوري ليقول:

– أخبرتهم ان فخامة الرئيس يحب أن يسمع آراءهم جملة أو فرادى، أو من ينتدبونه لهذا الرأي.

سأله الشيخ بشارة:

وماذا كان الجواب؟!

قال الحاج حسين وهو يضع طربوشه على الترابيزة في جلسة القصر الجمهوري:

– الجماعة انتدبوا عنهم الأستاذين كميل شمعون وكمال جنبلاط وفوضوهما في الأمر.

سأله الشيخ بشارة مبتسماً:

– عال جداً… برأيك من سيرشحان لرئاسة الحكومة؟

قال الحاج حسين باسماً:

– طبعا… مش أنا.

سأله الشيخ بشارة:

– هل يمكن ان يطلبا مني سامي بك الصلح، أو صائب بك سلام؟!

قال الحاج حسين:

– علمي علمك يا فخامة الرئيس. لم يخبرني أحد منهما بالأسماء.

كان ذلك أواخر أيار ١٩٥١. كميل شمعون بنظارة سوداء وكمال جنبلاط بقامته الفارهة وابتسامته المطمئنة يدلفان داخل قصر القنطاري، ومدير التشريفات جورج حيمري يرحب بهما أحسن ترحيب، ويصعد معهما السلالم الى حيث ينتظرهما الشيخ بشارة في مكتبه. ومن باب هذا المكتب، وزيادة في التكريم، أطل الشيخ بشارة وقال لهما:

– أهلاً بفارسي المعارضة. أنتما في داركما.

تبسم كمال جنبلاط وقال:

– التي هي دار الشعب…

وقال كميل شمعون:

– دار كل اللبنانيين.

برنامج كميل وكمال

قال الشيخ بشارة:

– صدقتما… فتفضلا.

وتلاقى الاثنان على شكر الرئيس الخوري على بادرته الدستورية الديمقراطية بفتح باب الاستشارة، وتوسيع الدائرة، بدلاً من تمسكه بحرفية المادة الدستورية. وقال كميل شمعون لكمال جنبلاط:

– تفضل يا كمال بك وقل رأيك.

قال كمال جنبلاط:

– نحن المعارضين لا نتعلق بالأشخاص، وفي البلد الكثيرون من أهل الخبرة، ولكننا نتعلق بالبرنامج. نريد أن نعرف ما هو برنامج الحكومة، لا من هو رئيس الحكومة.

قال كميل شمعون:

– لدى المعارضة برنامج من أولوياته محاربة الفساد، وإلغاء المحسوبيات، والكف عن تدخل أهل النفوذ في الدوائر الرسمية إشارة الى الشيخ سليم الخوري أو السلطان سليم، وتعزيز موقع الرئاسة.

ولم ينجح الحاج حسين في مدّ الجسور بين شريكي الاستقلال.

وكان توتر العلاقات بين الرجلين يأخذ مداه في الاعلام المكتوب. وكان لرياض شبكة اعلامية تضرب على وتر تدخلات السلطان سليم شقيق الرئيس في أعمال الدولة، وتتساءل عن نفحة العروبة التي كانت تسود سياسة الشيخ بشارة قبل هزيمة فلسطين. بل وأكثر من ذلك عرف رياض الصلح كيف يضرب الشيخ بشارة من بيت أبيه، عندما استطاع اقناع صديقيه الرئيس صبري حمادة، والأمير مجيد ارسلان بالانسحاب من الكتلة الدستورية، فاستجابا، وكان وراء ترشيح زعيم الجنوب يومئذ أحمد الأسعد لرئاسة المجلس النيابي ضد صهره صبري حمادة، فانقسم بيت الكتلة الدستورية بين الرجلين، ونال أحمد الأسعد ٦٧ صوتا من أصل ٧٧، وكان صبري حمادة لا يرى ضيراً من مجيء حميه الى رئاسة المجلس على أساس تداول النفوذ في العائلة الواحدة. وفي الحالتين يقول الشيخ بشارة في مذكراته:

على أثر المشادات الانتخابية في منطقة البقاع اغتنم رياض الصلح السانحة وأشار على مجيد ارسلان وصبري حمادة بالانسحاب من الكتلة الدستورية فانسحبا فعلاً دون أن يراجعا بالأمر، وأعلنا انسحابهما. وكان القصد من ذلك احراج الرئاسة، فقد أدرك رياض ان رئاسة الوزارة ذاهبة الى سواه في هذه الدورة، فتألم وضاق ذرعاً. ولم يكن على حق في تبرّمه وسلوكه هذا، لأنه سبق لي أن اتفقت معه على أن يعتزل فترة من الزمن، ثم يعود بعدها الى الحكم.

وبمرارة يتابع الشيخ بشارة قائلا:

ولا شك في ان انسحاب ركنين من الكتلة الدستورية أضعفها، في وقت كانت أحوج فيه الى المحافظة على وحدتها.

والملفت في تلك الحقبة من الزمان ان الزعيم السني كان يملك دلالة على الزعيم الشيعي والزعيم الدرزي، ولم تكن المذهبية هي النسيج في ذلك الحين. كما ان زعيماً مارونياً كالشيخ بشارة استطاع في كتلته الدستورية ان يضم مسلماً سنياً هو الأمير خالد شهاب، وزعيمين شيعيين هما صبري حمادة وأحمد الأسعد. وتلك حالة استثنائية رائعة في تاريخ لبنان.

كان التقليد يومئذ عندما يستقيل رئيس الوزارة ان يوجه رسالة شكر الى رئيس الجمهورية، تقديراً له على إعطاء الحكومة سانحة تحقيق الانجازات التي توصلت اليها، وكانت قمة هذه الانجازات انتخابات شهدت لنزاهتها جميع الأطياف في لبنان، موالية ومعارضة…

فماذا قال الحاج حسين في خطاب الشكر باسمه وباسم الوزيرين بولس فياض وادوار نون؟!

يا صاحب الفخامة.

أما وقد أدينا هذه المهمة على الوجه الذي يرتاح اليه ضميرنا وضمير بني وطننا، فإننا ليسعدنا ان نسلم بدورنا الأمانة التي تلقيناها من حكومة عرف رئيسها اشارة الى رياض الصلح وأعضاؤها بنضالهم الطويل في سبيل سيادة البلاد وعزتها ورفاهها، الى حكومة ستتابع تنفيذ ما بدئ به.

كان عبدالله اليافي لا يملك قماشة الحاج حسين في اختراق الصعاب بترضية كل الفرقاء. وقد استعان بالحاج حسين أثناء الاستشارات مع النواب لتشكيل الحكومة الجديدة، بحكم خبرته في اختراق الصعوبات، ونجح معه في الوصول الى التشكيلة الوزارية الآتية من: عبدالله اليافي رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، فيليب نجيب بولس نائب رئيس الوزراء ووزير للأشغال العامة، اميل لحود وزير التربية الوطنية، فيليب تقلا وزير للمال والاقتصاد الوطني، يوسف الهراوي وزير للزراعة، بهيج تقي الدين وزير الصحة والاسعاف العام والشؤون الاجتماعية، شارل حلو وزير للخارجية والمغتربين، رشيد بيضون وزير للدفاع الوطني، محمد صفي الدين وزير للبرق والبريد والأنباء، ورشيد كرامي وزير للعدل. وكان الأخير يعيّن وزيرا لأول مرة بعد مجيئه نائبا عن طرابلس.

ويبدو ان الحقيبة الوزارية التي أسندت الى الشيخ بهيج تقي الدين، وهي الصحة والاسعاف العام والشؤون لم تكن هي المطلوبة عنده، فاستقال في اليوم الثاني لتشكيل الحكومة، واختير مكانه نائب المتن الجنوبي بشير الأعور.

كان على عبدالله اليافي ان يعتمد اطلالة جديدة في تاريخ البيانات الوزارية، فلا يعد بأكثر من الامكانات المتوفرة لديه.

وعرض الرئيس اليافي بيانه الوزاري على الرئيس الشيخ بشارة في خلوة داخل القصر الجمهوري، وتبسم الشيخ بشارة وقال:

– كنت أحسب أنني أكتب البيانات بأسلوب أدبي. وأرى أمامي الآن من يجاريني.

ورد عبدالله اليافي:

– استغفر الله يا فخامة الرئيس.. عنكم يؤخذ!

وطلب الشيخ بشارة ان يبات البيان عنده ليلة واحدة، لاجراء بعض التعديلات، فيعيده الى الرئيس اليافي في الصباح التالي..

وهكذا كان.

كان على الرئيس اليافي ان يتسلح بالصبر وطول الأناة على مدى ست ساعات وهو جالس في المنصة الحكومية تحت قبّة البرلمان، ولا سيما عندما وقف في منبر الخطابة كل من الزعيمين المعارضين كميل شمعون وكمال جنبلاط، وكان في هذا الصبر وقوة الاحتمال يعتمد على قول الشاعر: تريدين ادراك المعالي رخيصة؟! فلا بد دون الشهد من إبر النحل. وما أكثر ما واجهه من النحل المعارض ان ٢٢ نائبا معارضا حجبوا عنه الثقة، ومنحته إياها أكثرية ٥٣ نائبا، اضافة الى أصوات نواب الحكومة، وامتنع نائب واحد عن التصويت، وتغيّب نائب واحد لدواع صحية… –