IMLebanon

الحكومة تُشرِّع… والمرأة اللبنانية تضرس

لا نعرف إذا كانت هناك ضرورة لسماع زغرودة صغيرة أو لا، لكن ها هو لبناننا العزيز يُقرّ يوم المرأة اللبنانية في 4 تشرين الثاني وذلك تقديراً ودعماً لكلّ أمّ وأخت وزوجة وابنة. في الظاهر يبدو المشهد مثالياً، فالنساء مُكرّمات ومأخوذات بعين الاعتبار من قبل الحكومة، ولكن لا تغشّكم المظاهر.

اللبنانيات اللواتي يشكّلن أكثر من نصف المجتمع عددياً، نسبتهنّ في مجلس النواب لا تصل حتى إلى 4 في المئة، لأنّ الأحزاب السياسية تحدّ دورهنّ بإقامة الصبحيات الاجتماعية، وتُسخِّرهن للفّ السندويشات وفتح سدادات قناني العصير وتحضير النشاطات في الجامعات، مُرتكزةً على تعبهنّ لإيصال ذكورها إلى المناصب السياسية والقيادية.

منذ الاستقلال، يعني منذ أكثر من 74 عاماً، لم يدخل البرلمان سوى 10 نساء، بينما أوصلت «بوسطات» ومحادل الأحزاب الانتخابية عشرات الرجال «يلّي ما حدا سامِع فِيُن»، ولم يحققوا أدنى الإنجازات.

أمّا في الحكومات حيث يتم تعيين الوزراء من قبل «الكبار»، فلم يعرف لبنان سوى 8 نساء، علماً أنّ عدد خرّيجات الجامعات الإناث يفوق عدد الخريجين الذكور، فلا ينقص اللبنانية العلم والكفاءة.

تمثيل النساء الضئيل والمُجحف في عالم السياسة جعل بلدنا في ذيل البلدان لناحية نسبة مشاركة النساء في البرلمان، إذ صُنِّفت «سويسرا الشرق» في المرتبة 181 من بين 193 دولة حول العالم، متخلّفة عن غالبية الدول العربية. كلّ ذلك ولازال إقرار الكوتا النسائية بنسبة 30 في المئة من المقاعد حلم بعيد المنال.

أيضاً وأيضاً، اللبنانية ممنوع عليها منح جنسيّتها لأبنائها، فالجنسية اللبنانية لا يورثها إلّا الرجل خوفاً من أن تمنحها للأجانب عبر الزواج، بينما يمكن للرجل منح الجنسية لأيّ أجنبية يتزوّجها. اللبنانية إن تزوّجت أجنبياً يُعتبر أولادها غرباء حكماً!

إن اغتصبها زوجها، لا يُعاقبه القانون، لأنّ «اغتصابها حق من حقوقه الزوجية»، أمّا إذا فضّ بكارتها مَن ليس زوجها بحقارة رجوليّته، فيدعمه المجتمع والقانون أيضاً، إذ يكفي أن يتقدّم هذا المجرم للزواج منها وتقبل عائلتها بهذا الصهر «ليسند عارها»، حتّى تسقط عنه التهم ويصبح «شريفاً»، بريئاً من هدم حياة الضحية التي تُقدَّم له ليحظى بها «بالحلال».

كلّ ذلك، ناهيك عن قوانين الأحوال الشخصية الطائفية التي يحرم بعضها الأم من حضانة أبنائها القاصرين، فتُجبَر على تركهم في عناية زوجة والدهم الحنونة، أو حتّى ولي أمرهم وقد يكون والد الزوج في حال وفاته.

ولم تقف قوانينا الذكورية المريضة عند حدود الوطن، بل تعدّته لتطال أبناء مَن طفشوا من ويلات هذا البلد وغادروا منذ أوائل القرن الماضي إلى بلدان بعيدة متقدّمة تحترم الإنسان مهما كان نوعه. خاطبت الدولة اللبنانية هؤلاء فاسحةً لهم فرصة استعادة الجنسية ولكن بشكل أبوي ذكوري! تُنقل الجنسية

عبر الرجال وليس النساء اللواتي لا يحق لهنّ استعادتها!

أمام هذا الواقع المزري، وبعد إعلان وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسبيان موافقة مجلس الوزراء على تخصيص يوم 4 تشرين الثاني من كل عام لـ«المرأة اللبنانية»، انتفضت الجمعيات النسائية.

هل يتراجع أوغاسبيان عن قراره؟

تؤكّد رئيسة هيئة تفعيل دور المرأة في القرار الوطني الأميرة حياة أرسلان في حديث لـ«الجمهورية» أنّ الوزير أوغاسبيان سيعلن رسمياً تراجعه عن تخصيص يوم للمرأة اللبنانية، بعد أن توجّهت إليه الجمعيات النسائية رافضةً هذا الإعلان بلهجة قاسية، متّهمةً الحكومة بالضحك على النساء من خلال منحهنّ يوماً، بدل العمل على إحقاق المطالب الكثيرة.

أرسلان تشير إلى أنّ المرأة اللبنانية تحتفل بيومها فعلياً في حال إقرار الكوتا النسائية، وقانون أحوال شخصية مَدَني يصون حقوقها، وقانون يحمي النساء من العنف الأسري يكون غير مُفرَّغ من مضمونه، وفي حال تمكُّن المرأة من منح جنسيتها لأبنائها بعد زواجها من غير لبناني… ولكنها ترى في رفض الجمعيات إقرار هذا اليوم خطوة غير مفيدة، خصوصاً أنّ «النساء لم يحصلن على شيء مقابل هذا الرفض».

وتلفت إلى أنه «يمكن لهذا اليوم أن يشكّل محطة سنوية لتسليط الضوء على الغبن الذي لازال يلاحق المرأة اللبنانية، والتذكير بالمطالب والحقوق وتحصيل بعضها»، وتؤكد: «إن كان هذا اليوم جائزة ترضية يمكن استعمالها».

ماذا بعد؟

وسط سخط الجمعيات النسائية، لازالت الحكومة تراوغ، وآخر فصولها إعطاء النساء لعبة يتلهّين بها علّهن يتوقفن عن البكاء والنق موقتاً بسبب وضعهنّ المزري. أيتها اللبنانية المنشغلة بهمومكِ المعيشية، وبكيفية تحصيل ثمن فستان موقّع من مصمّم لتصبحي «فاشونيستا»، أو عملية تجميل من أجل صورة سيلفي خلال سهرة في أحد الملاهي الفاخرة… يا أيتها اللبنانية، حصولكِ على حقوقكِ يغيّر حياتكِ وواجهة المجتمع الذي تشكّلين أكثر من نصفه، تذكّري أنّ المطالبة بحقوقك أو مقاطعتكِ أيّ انتخابات يمكن أن تهزّ أضخم العروش. لقد حان الأوان لمنح النساء فرصاً متساوية مع الرجال بدل غشّهن بثمار قشورها مشرقةً لكنها تخفي مضموناً مُهترئاً!