IMLebanon

تقاطع روسيا والنازحين مع بقاء الأسد

التدخل الروسي في سوريا يحمل ابعاداً لم تتكشف كل تفاصيلها، لكن مقاربة هذا الدور مع ما يثار حول قضية النازحين السوريين قد تحمل رؤية مختلفة

يأخذ التدخل الروسي في سوريا مزيداً من الاهتمام اللبناني، وسط تباين في رؤية فريقي النزاع الداخلي الى هذا الدور وتأثيراته في مصير الحرب السورية، ومستقبل الرئيس بشار الاسد، في ظل مؤشرات متسارعة عن دعم روسيا اللامحدود لبقاء النظام السوري.

لا شك ان الدور الروسي التصاعدي منذ بداية الحرب السورية، وحتى اتخاذه اشكالاً مباشرة من الوجود العسكري، بعد الدعم السياسي الطويل، يحتاج الى مزيد من القراءة والتمعن، من دون استعجال في اسبابه وخلفياته، وما يمكن لروسيا ان تقدمه في اطار ايجاد حل سلمي للحرب في سوريا. فدعم الاسد الى ما لا نهاية يختلف جذرياً عن التخوف الروسي الذي ساد في الاسابيع الاخيرة من الانهيار السريع للنظام، ما افترض القيام بخطوات عاجلة. ومن المفيد اعادة قراءة تطورات الشهرين الاخيرين ميدانياً في سوريا، على خط مواز لما احدثه توقيع الاتفاق النووي مع ايران. فالاتفاق بذاته رسم ملامح جديدة لترتيبات يمكن ان تشمل ايران والسعودية وتركيا وغيرها من الدول المعنية بحرب سوريا وارتداداتها. الضغط الاميركي لمثل هذه الترتيبات لم يثمر، بفعل تمنع السعودية عن قبول ترتيبات تشمل البحث في مستقبل الاسد. السعودية التي لا تنفك تكرر رفضها بقاء الرئيس السوري لم تسارع الى قبول فكرة الترتيبات التي يمكن ان تُنتج برعاية اميركية وروسيا تسوية مرحلية تمهيدا للحل الشامل.

هذا الارباك الذي طغى، ميدانيا وسياسيا، اثار تخوف روسيا. فسارعت الى التدخل دعما لهذا الترتيب الذي كان يمشي بخطى بطيئة. فاذا نجح ساهمت في دعمه وتوطيده، واذا فشل وارتد على الداخل السوري، انهيارا للنظام، بادرت الى شد عصبه للوقوف مجددا على رجليه.

بدخولها الى

المياه الدافئة، تستعيد روسيا دورها دوليا بعد عزلة اوكرانيا

لا ينفي ذلك ان ايران تضع ثقلها لدعم الاسد، ولا ينفي ايضا ان التواصل الايراني ــــ السعودي مستمر من دون ان يبلغ بعد نتيجته المرجوّة، لكن في الوقت الضائع، تستفيد روسيا من دخولها الى المياه الدافئة، لاكثر من سبب: دورها المستعاد دوليا بعد عزلة اوكرانيا والعقوبات الاقتصادية عليها، واعادة تنشيط علاقاتها الدولية، فها هي مفكرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحفل بمواعيد متتالية لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ومن ثم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. وكذلك الامر تستفيد من تقاطع ما تقدمه الى العالم، عبر مسألة مكافحة تنظيم «داعش» من ضرب المجموعات المتشددة من ابناء الجمهوريات السوفياتية السابقة.

وموسكو، التي تحاول ان تبعد حاليا مصير النظام السوري وتسوية «جنيف 1» عن البحث العلني، تروّج في تعاملها مع ضرب التنظيمات الارهابية في سوريا، الى ما يريده الغرب في تظهيره موضوع الارهاب وممارسة هذه التنظيمات وفي مقدمها «داعش» في ترويع معارضيها وذبح الرهائن، والحملات الاميركية والاوروبية لضربها في سوريا، محملة هذه التنظيمات وحدها مسؤولية النزوح السوري بالالاف الى اوروبا.

لكن الدول الاوروبية تأخذ هي ايضا موضوع النازحين السوريين، قبل تحولهم رسميا لاجئين، جزءا اساسيا في تعاملها مع سوريا ومستقبل النظام فيها. ففي اوروبا، اليوم، ينفخ الاعلام في قضية النازحين في شكل يومي حتى تكاد وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة تتشابه وهي تتسابق الى تظهير مأساة السوريين (رغم ان من بين هؤلاء مجموعات من العراقيين والافغان والافارقة). علما ان نسبة النازحين السوريين الى اوروبا العام الماضي لم تكن نسبة منخفضة مطلقا، لكن الرغبة في تصوير مأساة هؤلاء، والتعامل مع صورة الطفل ايلان على شاطىء تركيا بأكبر قدر من الاضاءة اليومية، في وقت تحفل فيه اخبار المجتمعات السورية يوميا باخبار مماثلة عن اطفال ونسوة وعجائز وشبان غرقوا في بحر الهجرة غير الشرعية، يثير كثيرا من الاسئلة. فبقدر ما تضاعف دول اوروبا بشعوبها القلقة، مسألة اللاجئين، تضغط في المقابل لتسوية سياسية على مستقبل الرئيس السوري، لكن الاختلاف في اللهجة واللغة المستخدمة تجاه الاسد، منذ بضعة اشهر، وتغير الموقف الاوروبي الذي عبرت عنه اولا دول الصف الثاني وتدريجا الى دول الصف الاول، يستفاد منه في اقناع مجتمعاتها اولا بضرورة قبول التسوية وبقاء الاسد، اذ ليس سهلا ان تقود الدبلوماسية الاوروبية بتنوعاتها حملة مضادة لابقاء الاسد مرحلة انتقالية، فجأة ومن دون إعداد ارضية اعلامية واجتماعية مناسبة، فجاءت قضية النازحين لتكون العذر الاوروبي لاعادة التموضع مجددا خلف سياسة جديدة تقارب مصير الاسد المرحلي. وهذا فعلاً ما بدأ يتصدر عناوين الاخبار وتصريحات وزراء الخارجية في اوروبا بعد الولايات المتحدة. فكلمة «لكن» التي يستخدمها هؤلاء خلال دعمهم للاسد، مشروطة ببقائه مهلة زمنية، لا تؤشر الى تغيير جوهري في مقاربة وضع الاسد. التعامل معه في ضرب «داعش» وفي وقف الهجرة السورية عبر تركيا، التي تسهل عبور المئات والالاف، لاسباب تتعلق بالعلاقة مع اوروبا وبالمنطقة العازلة التي لم تبصر النور، يختلف تماما عن التعامل معه كرئيس مدى الحياة لسوريا. لا شك ان مؤيدي الاسد، يراهنون على ان الاشهر او حتى السنوات المقبلة، ستساهم اكثر في اقناع الاوروبيين بتعديل موقفهم جذريا من الاسد، كما بدلوه اليوم، تحت سقف ضرب الارهاب، لكن في المقابل تعبر عضو لجنة التحقيق التابعة للامم المتحدة كارلا دل بونتي حين تقارن بين مصير الاسد ومصير الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش. اهمية تصريحاتها انها مدعية عامة في محكمة الجرائم الخاصة بيوغوسلافيا، وانها تحكي دوما ما لا تقوله الديبلوماسية الاوروبية، وهي سبق ان قالت «ان مسار المحاكم الدولية لا يمكن التراجع عنه ولو ضغطت الدول المعنية».