IMLebanon

معركة الجرود المتأخرة: توقيت حرب سوريا

معركة جرود عرسال ضد داعش وجبهة النصرة تأخرت كثيرا. لا منذ الاعتداء الارهابي على الجيش وخطف عناصر منه ومن قوى الأمن بل قبله. لا بسبب الحسابات السياسية والعسكرية في الاطار الرسمي اللبناني بل بسبب الحسابات الجيوسياسية في الاطار الاقليمي والدولي لحرب سوريا. ولا أحد يجهل، وسط استعدادات الجيش واعلان رئيس الحكومة وسواه ان حماية لبنان وحدوده هي مهمة الجيش حصرا، لماذا بقيت المبادرة في يد حزب الله، بصرف النظر عن الانقسام حول انخراطه في حرب سوريا.

ذلك ان خطاب حزب الله في تبرير مشاركته في الحرب تدرج من حماية مقام السيدة زينب الى قتال الارهابيين في سوريا لمنعهم من التسلل الى لبنان. ومن الدفاع عن النظام ومحور الممانعة والمقاومة الى الحضور في أكبر صراع جيوسياسي لتقرير مستقبل الشرق الأوسط. واذا أخذنا بمنطق قتال الارهابيين في دمشق وحمص وحلب لئلا نقاتلهم في بيروت، فان الأولوية المفترضة هي لبدء المعركة من جرود عرسال لطرد داعش والنصرة، بحيث يصبح من الصعب على الارهابيين الاختلاط مع النازحين في المخيمات العشوائية في الجرود والتسلل الى العمق اللبناني.

ومهما يكن، فان المعركة مهمة جدا. والكل يتابع وقائعها العسكرية. لكن ما لفت أنظار كثيرين هو أمران: الادارة السياسية للمعركة، والتوقيت. فليس من عادة حزب الله الذي يعمل بدقة وسرّية ويحرص ضمن منطق الحروب على مفاجأة العدو أن يخالف القاعدة في معركة الجرود. إذ هو مارس منذ أسبوعين وأكثر تسريب معلومات عن استعداده للمعركة وتحديد جغرافيتها وأهدافها. لا بل ان الأمين العام السيد حسن نصرالله أعلن ان المعركة صارت حتميّة، ان استمر الارهابيون في المماطلة والتهرّب من الموافقة على الخروج من جرود عرسال الى الداخل السوري. والحجة هي بالطبع ان التهديد بالمعركة وسيلة لتحقيق الغاية من دون قتال.

وليس أمرا قليل الدلالات أن يعلو في وقت واحد صوت معركة الجرود بعد سنوات من تمركز داعش والنصرة، وصوت الدعوة الى التنسيق الرسمي مع دمشق لعودة النازحين السوريين بعد ست سنوات من اللجوء. فالتوقيت مرتبط بحسابات الصراع الجيوسياسي. والحسابات تتركز حاليا على تحديد مناطق النفوذ للقوى المحلية والاقليمية والدولية على أرض سوريا. شيء بالمعارك على الجبهات. وشيء بالترتيبات السياسية بين أميركا وروسيا ومع القوى الاقليمية. وما بدأ يتبلور في المشهد هو صور مناطق النفوذ في كل الاتجاهات: اتجاه الحدود مع تركيا، ومع العراق، ومع الأردن واسرائيل، ومع لبنان.

واللعبة طويلة بين البدايات والنهايات.