IMLebanon

القوات اللبنانية مصر على التصويت

«لن يترك لبنان في فراغ قصيّ وعصيّ على الحلّ في منطقة تشهد هبوب عواصف متلاحقة، وضمن عاصفة حالية يتوقّع أن تكون الأقصى في القوّة والأقسى في التوجّه وأمضى حدًّا في تقرير واقع المنطقة ومصيرها».

هكذا علّق وزير سابق وعارف بتطورات الأمور ووقائعها. لكنّه استدرك على وقع كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الخيار صعب جدًا بين الذهاب إلى التمديد وخيار قانون الستين، وكلاهما يملكان النتيجة عينها أي استمرار الطبقة السياسيّة ذاتها بطائفياتها النافرة ومحاولة استهلاكها لمن يعتبرونها أدنى منها عددًا، وبفسادها وقد نشبت مخالبها في جسد الدولة ونهشت بأنيابها خيرات البلد وانتفخت جيوبها من جيوب اللبنانيين. وعلى الرغم من ذلك يقول الوزير السابق، فرئيس الجمهوريّة مضطر بسبب عدم الوصول إلى توافق على مشروع انتخابيّ إلى توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وبمرارة إلى الانتخابات النيابيّة بالقانون الراهن، وهو يعرف بأن القبول بقانون الستين سيجوّف عهده من المنطلقات التي تأسس عليها ومن المحتوى الساطع به.

يختلف جوّ رئيس الجمهوريّة العماد عون عن جوّ القوات اللبنانيّة، فالدكتور سمير جعجع مصرّ على مبدأ التصويت بحال تعذّر التوافق تجسيدًا للمادة 22 من الدستور قبل الوصول إلى اللحظة الحاسمة، فيما أفرقاء سياسيون آخرون يخشون من التصويت على قانون استهلك في النقاش المعنى الوجوديّ للأحزاب والطوائف، وتداخلت في بنيته مسألة الخصوصيات النافرة فاصطبغت بدورها بمنطق العدديّة، وبات بحدّ ذاته (أي القانون) يمثّل قضيّة حياة أو موت لمعظم القوى السياسيّة. وعلى الرغم من ذلك فإنّ وزراء القوات اللبنانيّة يدرسون مع وزراء التيار الوطنيّ الحرّ إمكانية إعادة الاعتبار للمادة 22 من الدستور بتخمير سلوكيات التصويت قبل طرحه على مجلس الوزراء، وبالتالي، فإنّ موقف رئيس الحكومة سعد الحريري ووزراء كتلة المستقبل لن يكون بعيدًا عن هذا المبدأ على الرغم من الميل إلى قاعدة التوافق، إذ إنّ العلاقة المقطوعة والتي بلغت حدّ التوتّر بين تيار المستقبل والحزب التقدميّ الاشتراكيّ قد تدفع وبحسب تلك الأجواء الحريري لتأييد منطق التصويت على القانون في مجلس الوزراء.

أزمة القانون بحدّ ذاتها ليست لبنانيّة، معظم القيادات السياسيّة تعيش الجوّ هذا، ومعظمها غير متفاجئ. ويعود بعضهم إلى توصية سعوديّة أفرغت في الوسط اللبنانيّ وعلى وجه التحديد عند حلفائها قبل المشهد الأميركيّ-الخليجيّ في الرياض باعتماد الستين والإصرار عليه بشدّة، وقد استبقوا بتوصيتهم تلك زيارة وليّ وليّ العهد الأمير عبدالله بي سلمان إلى البيت الأبيض، من خلال وجود تامر السمهان في بيروت على دفعات متتالية بزيارات معلنة وغير معلنة. وفي هذا الجوّ، تشير أوساط سياسيّة مواكبة، الى أنّ تشديد السعودية بالتحديد على اعتماد قانون الستين في لبنان ضمن مبدأ تطبيق الطائف بحسب قراءتهم، يهدف إلى تطويق المقاومة بصورة مباشرة في لبنان. فيبدو وكأنّه اللغم المزروع في الجوف اللبنانيّ لينفجر ويمزّقه ويصير لبنان جزءًا من اصطفاف مذهبيّ قائم في المنطقة تتجه ساحته من جديد نحو الاحتراب. وتشير الأوساط السياسية المواكبة لهذا النقاش معطوفًا على التطوّرات بالأجواء والمعلومات الى أنّ السعوديّة تتطلّع إلى استخدام لبنان في الضغط على حزب الله من ضمن مبدأ اعتماده تنظيمًا إرهابيًّا. المعركة السياسيّة الداخليّة منوطة بهذا العنوان الكبير السائد في المنطقة، وتعتقد الأوساط السياسيّة بأنّ الساحة مأخوذة إلى مزيد من التصعيد السياسيّ والاشتباك السياسيّ. وتؤكّد تلك الأوساط أنّ السعوديّة معنية قبل وصول العماد عون إلى السلطة به، وهي بدورها معنية به من خلال محاولة تطويقه وتجويف عهده لأنّ خطّه الاستراتيجيّ وطنيّ-ميثاقيّ ومشرقيّ، وقد كان واضحا في خطاب العهد بتبنيه مفهوم القتال الاستباقيّ في سوريا، والسلاح الرادع لإسرائيل في جنوب لبنان، وقد استكمل هذا الخطاب بخطاب آخر في القاهرة وفي عمان، مؤكّدا الخيار الاستراتيجيّ للعهد عينه، ولهذا لم تقم بدعوته إلى القمّة العربيّة-الأميركية بسبب هذا الموقف عينًا.

أمام هذا المشهد، تعتقد الأوساط بأن رئيس الجمهوريّة أمام أمرين في ظل شحّ المشاريع وعدم انكباب القوى على إصدارها. إستوقف هذا المشهد الرئيس السابق للجمهوريّة العماد إميل لحّود، معتبرا أنّ استيلاد قانون الستين تكريس جديد للطائفيّة واستمرار للفساد واجترار للحروب والمشاكل فكيف يصحّ تكريسه في ظل مرحلة جديدة تدخلها المنطقة؟ ويؤكّد الرئيس لحّود أمام زوّاره أنّ الرئيس عون رجل وطنيّ واستثنائيّ وعنده الإخلاص الكامل للبنان الدولة والمؤسسات، ويعتقد الرئيس لحود بأن الرئيس عون مع النسبية وهو حتمًا يرفض الستين، ويملك القدرة لتجسيد الرفض على الأرض فاللبنانيون داعمون لخياره، والمقاومة تثق به، وجزء كبير من القوى السياسيّة داعم له ولمسيرته وبإمكانه حينئذ أن ينتفض على من يريدون إعادة لبنان إلى السياق الطائفيّ المغلق بالمصالح والمكاسب بمبادرة خلاّقة تقلب الطاولة على الرؤوس وفي الوقت عينه تضع النقاط على الحروف مع تسمية من يعرقلون العهد بالأسماء والطرائق.

ما يراه الرئيس لحود وبحسب أوساط سياسيّة مراقبة ضروري ويتلاقى مع طموحات الرئيس الوطنيّة في آن. غير أنّه ماذا يفعل حين القوى السياسية لم تتفّق على أي قانون؟ هل يترك البلد في فراغ أو يضطر الى القبول بالأمر الواقع علما بأنّ التمديد والستين وجهان لعملة واحدة فالطبقة السياسية ستعود هي ذاتها مع بعض الاستثناءات في عكار بحال قرّر نائب رئيس الحكومة سابقًا عصام فارس خوض الانتخابات النيابيّة على سبيل المثال لا الحصر سواء بترشحه شخصيًّا أو بترشيح ابنه نجاد للانتخابات وهذا ما يتمّ الترويج له من قبل أوساط قريبة منه.

وترى أوساط أخرى أن جوّ المنطقة معرقل لوجود قانون جديد للانتخابات، ولذلك فإنها قد تحصل بناء على الستين بانتظار ما ستؤول إليه التطورات لا سيما انعكاس الاشتباك السعوديّ-الإيرانيّ في البحرين واليمن على سوريا ولبنان، وتعتقد تلك الأوساط بأن الرئيس السوريّ عاقد العزم على حسم الأمور على الحدود العراقية – السوريّة مهما كلّف الأمر يسانده في ذلك موقف أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله والجيش السوريّ استنادا الى التحذير الروسيّ للأميركيين بحال حلقوا بطائراتهم فوق الأجواء السوريّة. وفي رأي تلك الأوساط إن الأميركيين لن يحلّقوا بعد الآن في الأجواء السوريّة، مما يعني أن السياق السوري قد يتجه نحو الحسم. ويرى الرئيس لحود بدوره ان الرئيس الأسد متجه إلى ذلك لاعتبارات استراتيجية تخصّ روسيا بالذات، فمتى تمّ الحسم في رأيه ورأي أوساط أخرى بلغ لبنان نحو محطّة جديدة مهمّة له.

ماذا سيحصل؟ لبنان بين واقعين وجبهتين، وتنصح الأوساط في ظلّ الخلاف المستشري حول القانون وعدم القدرة على التصويت وعدم القدرة على التوافق بامرين إمّا أجراء استفتاء مباشر من الشعب يقول رأيه في القانون لكونه مصدرا للسلطات، وهذا امر تعاكسه معظم القوى السياسيّة وإمّا الاكتفاء بالموجود وهذا أسوأ الشرور بانتظار نهاية التطورات على الساحة السورية وفي معظم الساحات العربيّة.

وفي رأي الأوساط الاتجاهات باتت واضحة… إلى الانتخابات درّ!!! على قانون الستين اتجهوا.