IMLebanon

راهب واشنطن وأفعى طهران

هل سنشهد في المستقبل القريب صداماً مباشراً للقوات الأميركية التي دخلت مع إدارة دونالد ترامب دخولاً قوياً ومباشراً في المعادلة العسكرية الدولية على الأرض السورية، مع إيران وأذرعها العسكرية التي تعمل على تقويض الدور الأميركي مقابل تمكين تعاونها مع الجانب الروسي؟ من نافلة القول أن الغارة الجوية الأميركية الأولى من نوعها على قوات تدعمها إيران في الجنوب السوري، قريباً من نقطة التنف الحدودية مع العراق، ستشكّل إنذاراً عالي اللهجة لإمكان اندلاع ذاك الصدام المباشر والمؤجل، وذلك يرجع إلى التحفظ الإيراني عن الدخول في مرحلة من التشنج مع الإدارة الأميركية قد لا تستطيع طهران تحمّل نتائجها.

فالتصعيد غير المسبوق في اللهجة الأميركية وفي الخطاب الرئاسي للبيت الأبيض تجاه إيران، وكذا الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الأميركي للمملكة العربية السعودية واجتماعه في قمة نادرة من نوعها مع زعماء خمسين دولة إسلامية، ناهيك عن التصريحات التي أطلقها ترامب من الرياض في تفنيد مطامع إيران العدوانية، تلك الأحداث مجتمعة شكلت هاجساً مقلقاً لطهران، ما دعا الرئيس روحاني الى افتتاح كلمته الرئاسية، إثر انتخابه لفترة رئاسية جديدة، بعهد منه بمكافحة الإرهاب وأسبابه.

وفِي حين ينتشر مئات من المستشارين العسكريين الأميركيين والإيرانيين في سورية والعراق، فالطرفان يفترقان في هدفهما في سورية، حيث تصطف القوات الإيرانية في صورة ناجزة مع النظام السوري على النقيض من المهمة الأميركية، بينما يلتقيان في العراق على خط واحد وهو قتال تنظيم «داعش» ومشتقاته. أما مع تراجع سيطرة داعش في سورية والعراق في آن، فإن فرص الاشتباك الإيراني – الأميركي المباشر ترتفع إلى منسوبها الأعلى حول النفوذ المتنازع عليه على الطريق الدولي، حيث تسعى إيران من خلال انخراطها في هذه الحرب الرقطاء ودفعها أثماناً بشرية ومادية عالية جداً، إلى تأمين طريق الإمداد اللوجستي الذي يصل طهران وبغداد ثم عبر سورية إلى لبنان. وبسبب الخوف الشديد الذي اعترى طهران من إمكان قطع هذا الطريق مع تعاظم النفوذ الأميركي في الجنوب السوري واتخاذ المستشارين العسكريين الأميركيين قاعدة التنف مركزاً لتدريب النشطاء السوريين لمواجهة النظام وميليشياته من جهة وتنظيم الدولة وحلفائه من أخرى.

وتحسباً لقطع ذاك الطريق الحيوي، أرسلت طهران الآلاف من عناصر ميليشياتها من أفغان وشيعة عراقيين وشيعة لبنانيين قبل ساعات من الغارة الأميركية في 18 أيار (مايو) عليها. أما الولايات المتحدة فأطلقت بعد أسبوع من الغارة الأولى حملة مناشير ألقتها طائراتها المقاتلة تحذّر فيها النظام السوري وحلفاءه من الاقتراب من مواقع عمل مستشاريها، مع استعدادها التام لتنفيذ غارات جوية مباشرة في أي وقت يتعرضون فيه لأي خطر يذكر.

سارع البنتاغون إثر تلك الغارة على الميليشيات الإيرانية، وعلى لسان أحد ضباطه الكبار، إلى التأكيد أن استراتيجية البيت الأبيض، سواء خلال إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب أو الرئيس السابق باراك أوباما، لم تتغير. وأن تلك الاستراتيجية ترتكز على هدف محدّد يتعلق بحماية الأمن القومي الأميركي، وهو دحر داعش في أرض المعركة وتحرير الأرض من سيطرته في العراق وسورية. وأشار البنتاغون الى أنه باستثناء الغارة الجوية التي ضربت مطار الشعيرات، وهي قاعدة جوية للنظام السوري خرجت منها طائراته محملة بالسلاح الكيماوي لقتل المدنيين في شكل وحشي في خان شيخون، فإن إدارة ترامب عقدت العزم على ألا تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع نظام بشار الأسد أو مع رعاة حربه من القوات الروسية والإيرانية.

وعلى رغم هذا التوضيح، فإن هوى ترامب كهوى وزير دفاعه الجنرال جيمس ماتيس الذي عرف عنه انتقاده الشديد لسياسة الرئيس الأسبق أوباما حيال إيران، وللاتفاق النووي الذي أنجز معها، وقد وصف إيران بأنها «التهديد الوحيد والدائم للاستقرار والسلام في الشرق الأوسط».

الانتقام الإيراني من القوات الأميركية، ولو جاء غير متكافئ في ميزان القوة، يمكن أن يكون مصدره تلك الميليشيات الشيعية في العراق التي كانت طهران قد زودتها بالمفخخات والقنابل.

ومن المثير للقلق أن تلك الميليشيات تقود اليوم بروباغندا عريضة الطيف تتهم فيها الولايات المتحدة بدعم تنظيم الدولة، وتضغط على حكومة حيدر العبادي ليقوم بطرد المستشارين الأميركيين الذين يقدمون المشورة لقوات الأمن العراقية. ولأن بيضة الأفعى قد زُرعت أصلاً مع حكومة نوري المالكي الأولى، وبتيسير من الجمهوريين الأميركيين في نهايات عهد جورج بوش الابن، فهل سينجح جمهوريو دونالد ترامب الجدد في اقتلاع شوك ما زرعه أسلافهم على يد «راهبهم المحارب»؟!