IMLebanon

الوضع السياسي حَوَّل الموازنة خبراً أسود

يُفترض أن يساهم خبر رفع مشروع موازنة العام 2017 الى مقام مجلس الوزراء من قبل وزارة المالية في تخفيف منسوب التشاؤم المسيطر على الوضعين المالي والاقتصادي في البلد. مع ذلك، لا يبدو ان خطوة وزارة المال نجحت في تحريك المياه الراكدة، ويكاد الشلل السياسي يحوّل الخبر الأبيض الى خبرٍ أسود.

هناك مجموعة من الأسباب الواقعية التي سلبت مشروع موازنة 2017 القدرة على تشكيل صدمة ايجابية في الوضعين المالي والاقتصادي، من أهمها ما يلي:

اولا – ان المجلس النيابي، وهو المرجع الأخير للموازنات العامة، وسلطة الرقابة الأساسية على تنفيذ الموازنات، بات مشلولاً تحت وطأة أزمة رئاسة الجمهورية، وبعدما صدرت تعهدات في عدم انعقاد أي جلسة مقبلة لا يكون فيها قانون الانتخابات العتيد البند الاول في جدول أعمالها. وبما ان الخلافات حول قانون الانتخابات معقدة الى درجة استبعاد امكانية حصول اي توافق، فهذا يعني ان المجلس لن يجتمع في المدى المنظور.

ثانيا – ان الحكومة نفسها التي تَردّد أن في مقدورها الاستناد الى مواد دستورية لاصدار الموازنة العامة من دون العودة الى المجلس النيابي، لا تبدو في وضعية تسمح لها باتخاذ اي قرار، فكيف اذا كان الامر يتعلق بموازنة بلد، بعد غياب الموازنات لمدة 11 سنة متتالية؟

ثالثا – ان ايراد مشروع سلسلة الرتب والرواتب في مشروع الموازنة يعني ان مشروع قانون السلسلة الموجود أساساً في المجلس النيابي للمناقشة، قد تمّ الاستغناء عنه واستبداله بالمشروع الوارد في موازنة الوزير علي حسن خليل. ومن المعروف ان هيئة التنسيق النقابية كانت تعلّق الآمال على انعقاد المجلس، بل تضغط في هذا الاتجاه، على اعتبار ان السلسلة ستكون البند الاول في أي مناقشات نيابية مقبلة.

رابعا – ان لائحة طويلة من الضرائب الجديدة سوف ترافق مشروع سلسلة الرتب والرواتب في موازنة 2017، على اعتبار ان أرقام العجز في النصف الاول من العام 2016 أظهرت حتى الان زيادة في الانفاق بنسبة تقارب العشرة في المئة، مقارنة مع العام الماضي، في مقابل تراجع في الايرادات لا يقل عن 7 في المئة.

هذه الوقائع تعني ان المالية العامة تتجه الى المزيد من العجز، وان نمو الدين العام الذي وصل الى اربعة مليارات دولار في 2015، قد يرتفع الى اربعة مليارات و600 مليون دولار في نهاية 2016، وهو رقم قياسي جديد مُرعب على المستوى المالي والاقتصادي.

هذه الملاحظات هي التي تحول دون أن يصبح خبر رفع مشروع الموازنة مؤشراً ايجابياً يساهم في التخفيف من منسوب التشاؤم السائد حالياً. مع التركيز على خطورة فرض ضرائب جديدة في هذه الحقبة، خصوصاً العودة الى مشروع زيادة الضرائب على ارباح الفوائد المصرفية.

هذه الضريبة التي قد تكون واردة في مشروع موازنة 2017 تأتي في توقيت صعب ومعقّد بالنسبة الى القطاع المصرفي الذي يبحث منذ الان عن معالجات مُسبقة للسبل المُتاحة لتحاشي خروج ودائع مصرفية في حال البدء في تطبيق قانون غاتكا للتبادّل التلقائي للمعلومات الضريبية.

وبالتالي، ستكون الحلول المُتاحة لمعالجة تسرّب الاموال من المصارف، خصوصا في حال زيادة الضرائب على ارباح الفوائد، محصورة في زيادة اسعار الفوائد. وهذا الحل، هو أبغض الحلال، لأنه قد يحمي القطاع من تسرّب الاموال، ويحمي بالتالي الدولة لأنه يضمن استمرارية تمويلها، لكنه في المقابل سيكون مُكلفاً على مستوى الاستثمارات والمشاريع المنتجة، وعلى مستوى الفرد، حيث ستأكل الفوائد من قدرة المواطن الشرائية.

كذلك سيؤدي رفع اسعار الفوائد الى زيادة كلفة الانتاج، من خلال زيادة كلفة الاقتراض. كذلك فان أي زيادة على ضريبة القيمة المضافة، ستساهم بدورها في تسريع وتيرة التباطؤ التي تعاني منها الاسواق بشكل عام. وسيؤدي ذلك الى سلسلة متكاملة من الاكلاف التي لن تكون في مصلحة الاقتصاد ومستوى معيشة المواطن.

لكل هذه الأسباب، لم ينجح مشروع موازنة 2017 في إحداث أي تغيير ايجابي في المزاج الشعبي، او في الدوائر الاقتصادية والمالية المعنية على رغم الجهود الإيجابية لوزير المال.