IMLebanon

الانتقال السياسي في سورية وشرعية الأسد

لا يحاول هذا المقال تقديم أجوبة عن أسئلة تبدو مستعصية وشائكة، وإنما يهدف إلى طرح إشكالية سياسية مربكة. إنها مسألة مصير الأسد وشرعيته في حكم سورية.

هي إشكالية ظل السوريون يتعاملون معها من منطلق وجداني وفق رغباتهم الشخصية وخيالهم الاجتماعي، لا من منطلق سياسي، والفرق بين الحالتين كبير، الأولى تبنى على القناعة والمصلحة الخاصة، في حين تبنى الثانية على المعرفة وفن الممكن.

ولهذا انقسم خطاب السوريين الاجتماعي – السياسي حيال الأسد بين حدين متطرفين: الأول يجعله حاجة لا غنى عنها، فتصبح المعادلة لا مكان لسورية من دون الأسد، والثاني يحمله المسؤولية المباشرة عن الأزمة، وبالتالي يرى أن لا مستقبل لسورية بوجوده.

هكذا انقسم الشعب السوري بين مفهومين للشرعية، لكن هاتين الشرعيتين ظلتا نظريتين، أي لا تأثير لهما عملياً على بقاء الأسد أو عدم بقائه رئيساً.

إن أحد أهم خصوصيات الأزمة السورية أنها تجاوزت هاتين الشرعيتين، فنشأت شرعيات فرعية تبدو أكثر واقعية، مثلما يحدث في المناطق الكردية، حيث نشأت شرعية لدى السكان الأكراد بحكم «حزب الاتحاد الديموقراطي»، ونشأت شرعيات دينية متعددة، سواء في بعض مناطق المعارضة أو مناطق «داعش»، وإن بدرجات، ونشأت شرعيات وطنية في مناطق سيطرة المعارضة.

السبب الرئيسي في تعدد هذه الشرعيات يعود إلى عاملين رئيسيين: الأول أن الصراع في سورية ليس قائماً على بعد واحد، بقدر ما هو متعدد الأبعاد (سياسي، أيديولوجي، طائفي، إثني، اقتصادي، طبقي). والثاني استمرار شرعية الأسد أمام المجتمع الدولي، وخصوصاً لدى المؤسسات والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة.

هذا السبب الثاني هو في غاية الأهمية، إذ أن منح المجتمع الدولي الأسد شرعية واقعية، بغض النظر عن كونها شرعية دستورية / قانونية أم لا، وبغض النظر عن مواقف العواصم الدولية منه، دفع الأطراف الداخلية للبحث عن مساراتها الشرعية.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يحاول المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة إضعاف شرعية الأسد وتقوية شرعية المعارضة على سبيل المثال؟ لا يتعلق الأمر بما يتم تداوله إعلامياً من عدم وجود بديل عن الأسد، فلو أرادت الولايات المتحدة تكوين معارضة فاعلة قوية قادرة على الحكم لفعلت، ولو أرادت إسقاط الحكم كما فعلت في العراق لفعلت، ولو أرادت إسقاط الدولة وإغراق البلاد في فوضى عارمة لفعلت.

خصوصية سورية تجعل التعامل مع أزمتها مختلفاً عن بقية بلدان الربيع العربي، وليس الأمر مرتبطاً بالجغرافيا فحسب، وإنما ببنية الحكم القائمة.

وخصوصية الأسد كانت في عقل صناع القرار داخل الولايات المتحدة، الذين كانوا أكثر فهماً للحالة السورية من السوريين أنفسهم ومن دول المحيط العربي والإقليمي.

يتكون نظام الحكم في سورية من شبكة فوق طائفية أو عابرة للطوائف، لكن في قلب منظومة الحكم هذه تقع السلطة العلوية، ولذلك كانت ولا تزال أهم مناصب الدولة القادرة على إحداث الفرق بيد العلويين، وفي قلب منظومة السلطة العلوية يوجد الأسد.

بعبارة أخرى، إن إسقاط المنظومة الحاكمة العلوية وغير العلوية لن يؤدي إلى إسقاط الأسد، والعكس هو الصحيح، فإسقاط الأسد سيؤدي إلى إسقاط كامل للنظام بكل أبعاده الطائفية بما فيها العلوية، وسيجد العلويون أنفسهم في أتون حرب شرسة للسيطرة على الحكم، فما يوحد منظومة الحكم العلوية هو الأسد، وما يجعل كثيراً من الطوائف الأخرى وجزء مهم من السنّة متماسكين هو الأسد، لا المنظومة الحاكمة التي يقع العلويون في القلب منها، وهذه الخصوصية السورية تعتبر استثناء عربياً.

هذه المعادلة هي التي جعلت المجتمع الدولي يركز على الشرعية الخارجية للأسد أكثر من شرعيته الداخلية، لأن نزع الغطاء الشرعي الدولي عنه، يعني إسقاط النظام، بالتالي إسقاط الدولة، وهذا خط أحمر دولي.

بالتالي فما جرى في بعض الدول العربية مثل مصر واليمن، لا يمكن أن يحدث في سورية، فالضغط على النظام لإبعاد الرئيس حالة لا تصلح في سورية، وما يصلح هو العكس: الضغط على الأسد لإسقاط النظام، وهو ما يتم العمل عليه بين الولايات المتحدة وروسيا، وعلى المعارضة السورية أن تعي ذلك، وتخرج عن خطابها الميتاواقعي، فلا مجال لعملية انتقال سياسية من دون الأسد.

لا يعني ذلك أن الأسد سيبقى رئيساً للبلاد إلى أجل غير مسمى، فهذا الأمر لم يعد واقعياً بعدما وصلت الأزمة إلى ما وصلت إليه، وإنما يعني أن التغيير سيتم بوجود الأسد وفق أسس دستورية وقانونية مختلفة عن الواقع الحالي، ووفق معايير دولية وإقليمية.