IMLebanon

استعادة حقوق المسيحيين تتطلّب وحدة تحدّد نوعها وسبل الحصول عليها

كلما كان زعماء مسلمون في أزمة سياسية يثيرون حقوق الطائفة، وكلما كان زعماء مسيحيون في أزمة سياسية يثيرون أيضاً موضوع هذه الحقوق. فالحرب مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بدأت عندما صوّر للمسيحيين فيه أن لبنان سيصبح وطناً للفلسطينيين بديلاً من فلسطين، وصوّروا للفلسطينيين أن المسيحيين خوفاً من ذلك سيرمونهم في البحر… وعندما عقد “مؤتمر الدوحة” لإخراج لبنان من أزمته التي تفاقمت بعد أحداث 7 أيار عاد زعماء مسيحيون من المؤتمر وتغطية لما فرض عليهم في الدوحة بالقول إنهم استعادوا حقوق المسيحيين باعتماد قانون الستين معدلاً، وما لبث أن أصبح هذا القانون مرفوضاً ولا يستعيد شيئاً من هذه الحقوق. وعندما غرق لبنان في أزمة الانتخابات الرئاسية لم يجد زعماء فيه ما يجعلهم يواجهونها سوى القول بأن للمسيحيين حقوقاً يجب استعادتها بدل أن يكون الخروج منها بانتخاب رئيس للجمهورية بداية لاستعادة هذه الحقوق، إذ كيف يمكن استعادة حقوق أي طائفة إذا لم يكن وجود لدولة تحمي الجميع وتساوي بين الجميع.

وكما رفع العماد ميشال عون شعار تحرير لبنان من القوات السورية فكانت “حرب التحرير” التي انتهت بفرض وصاية سورية على لبنان دامت 30 عاماً، فإنه يرفع اليوم شعار “استعادة حقوق المسيحيين” ليس بانتخاب رئيس للجمهورية بل باجراء انتخابات نيابية على أساس قانون عادل ومتوازن يترجم ترجمة صحيحة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. وهذا لا يتحقق إلا بوصول رئيس قوي الى رئاسة الجمهورية، وما دام الاتفاق عليه كان متعذراً، فالحل بعد فشل اقتراحات “الاستفتاء” و”الاستطلاع”هو بالعودة الى الشعب بانتخابات نيابية تجرى على أساس قانون جديد من دون أن يأخذ العماد عون بالاعتبارين الآتيين:

1 – ما العمل اذا تعذّر الاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية واستمر الشغور الرئاسي الى أجل غير معروف وصار لبنان يعيش في ظل حكومة متناحرة لا أحد يعرف متى تنفجر من داخلها، ومجلس نواب يعطله الخلاف على “تشريع الضرورة” ولئلا يعتاد الناس حكماً بلا رأس فتبقى الرئاسة الأولى شاغرة الى أجل غير معروف وظل المجلس يعمل بصورة طبيعية وكأن شيئاً لم يكن؟

2 – ما هي الحقوق المسيحية المطلوب استعادتها كي يصير البحث فيها مع الاقطاب المسيحيين الآخرين ومن ثم مع الشريك المسلم حتى إذا تعذّر الاتفاق يكون لكل الاقطاب المسيحيين موقف واحد يتحملون مسؤولية اتخاذه ولا يتحملها زعيم واحد أو حزب واحد؟

إن شيئاً من هذا لم يفعله العماد عون قبل أن يتفرّد في اتخاذ قرار التظاهر سبيلاً لاستعادة الحقوق التي لا تستعاد في الشارع لئلا يقابلها شارع آخر يطالب باستعادة حقوق أيضاً.

لذلك ينبغي أن تتشاور الأحزاب والقوى المسيحية حول تحديد الحقوق المطلوب استعادتها، هل هي المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية التي خسر بعضها في اتفاق الطائف؟ هل هي في قوانين الانتخابات التي لم تتحقق المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين، وأي قانون هو الذي يحقق ذلك؟ هل هي في مناصب إدارية في الدولة كانت للمسيحيين وخسروها ويجب استعادتها؟ إن هذا وغيره مما يعتبر حقوقاً ينبغي استعادتها بوحدة موقف بين الاقطاب المسيحيين وبعد تحديدها كي يصار الى البحث مع الشريك المسلم علّه يكون مستعداً للاستجابة لها بالحوار والتفاهم والتفهّم وليس بالتظاهرات وشعارات التحدي بين من يريد لبنان الواحد ومن يريده لبنانين وأكثر. فالزعماء المسلمون لم يحصلوا على ما يعتبرونه حقوقاً لهم، وما يحقق التوازن في توزيع الصلاحيات بين السلطات الثلاث إلا بوحدة موقفهم. فكيف يتوصل الزعماء المسيحيون الى استعادة حقوقهم وهم غير متفقين لا على تحديد هذه الحقوق، ولا على وسائل الحصول عليها، وهل تبدأ استعادتها بانتخاب رئيس للجمهورية باتفاق في ما بينهم، أم بانتخابات نيابية لا أحد يعرف موعد اجرائها اذا ظل الخلاف قائماً على القانون الجديد، أم بالتظاهر كما فعل عون ووجد نفسه وحيداً؟

إن هذه الأمور وغيرها تحتاج الى عقول تفكّر وليس الى أقدام “تخبط” و”تخبّص”…